مجلة إحنا

مجلة إحنا
غلاف عدد نوفمبر

الثلاثاء، 6 مارس 2012

ما تمضيش على ورقة أستعبادك - ياسمين زهدى

مدرستى أول مكان حسيت بالانتماء له فى حياتى، اتخرجت منها من 6 سنين وانا حزينة إن أنا سايباها وسايبة كل حاجة اتعلقت بيها هناك، من أصدقاء عمر ومدرسين أثروا فيا والمكتبة اللى كنت بـ اقضى فيها تقريبا نص وقتى والملاعب اللى كنا بـ نقعد نشجع فريق الفصل فيها، ولحد قريب جدا كنت بـ اتبسط جدا لما حد يسألنى "انت كنت فى مدرسة إيه؟" علشان بـ حس بفخر شديد لما أرد أقول: "مصر للغات".

إحساسى بالمدرسة ده ما اتهزش إلا من فترة صغيرة جدا... لما عرفت معلومة من واحدة قريبتى –متخرجة من المدرسة برضه وبـ تشتغل مُدرسة هناك دلوقتى- قالت لى إن وقت الدعوة للعصيان المدنى وبعد ما أعلن طلاب مدارس كتير على مستوى الجمهورية إضرابهم عن الدراسة، إدارة المدرسة خلتهم يمضوا على ورقة مضمونها إن غير مسموح لأى حد إنه يعتصم أو يضرب عن العمل، وإن أى حد يعمل كده هـ يتعرض للمساءلة والمحاسبة القانونية.

طبعا أنا اتعصبت جدا لما عرفت الكلام ده، لأن حركة زى دى فيها كبت للآراء وتقييد للحريات ما يصحش يكون موجود فى مؤسسة تعليمية خاصة زى دى بعد سنة كاملة من الثورة. اتصدمت أكثر لما لاقيتها بـ تحكى لى إن دى ما كانتش أول مرة إدارة المدرسة تعمل حاجة مشابهة، قالت لى إنهم كانوا مانعينهم من الاعتراض على أى حاجة مضايقاهم فى الشغل، يعنى لو أى حد عنده شكوى، مش مسموح له يدخل يتكلم مع المدير؛ لازم يكتب ورقة ويبعتها عن طريق كذا موظف، وموت يا حمار بقى على ما الورقة دى توصل للمدير... ولو وصلت بـ تكون محظوظ لو جالك رد أو حصل أى تجاوب أصلا.

وكمان عرفت منها إن أثناء الـ 18 يوم الأولى من الثورة، الإدارة وزعت عليهم ورقة مشابهة من خوفهم إن الموجة الثورية توصل للمدرسة، تضمن إن محدش من المدرسين أو العاملين يشارك فى أى احتجاج أو اعتصام ضد الإدارة، قالت لى كمان إن الورقة كان أسلوبها تهديدى جدا، وإن الموظفة اللى كانت بـ توزع عليهم الورق كانت طريقتها بـ توحى إن مفيش بديل غير إن كله يمضى، فسألت قريبتى إذا كانت مضت على الكلام الفارغ ده... قالت لى إنها ما مضتش رغم إنها كانت عارفة إنهم ممكن يستقصدوها، لكن ده ما حصلش لأنها كانت تقريبا الوحيدة اللى ما رضيتش تمضى، فعدم تعاونها ما كانش له التأثير المقلق اللى يخليهم ياخدوا ضدها أى إجراء.

وده زعلنى أكثر... طب الإدارة دكتاتورية وقمعية، ليه الناس كلها تخضع لده بدون حتى إبداء أى اعتراض؟ بغض النظر عن إحساسى بالانتماء للمدرسة دى تحديدا، الفكرة إن دى مدرسة خاصة فمعقول يكونوا بـ يفكروا كده ودى رؤيتهم للثورة وتعاملهم معاها؟ أمال المدارس الحكومية المتواجدة فى الأحياء الشعبية مثلا وفقيرة فى مواردها وإمكانياتها بـ تعمل إيه؟

أنا أكره إن ده يحصل داخل أى مكان عمل، لكن اللى ضايقنى أكثر فى الموقف ده إن دى مدرسة... يعنى مكان مسئول عن تعليم وتشكيل وبناء أجيال وأجيال... لو دى الثقافة السائدة فيه –ثقافة التخويف والقمع وتأليه الإدارة– الطلاب دول هـ يتخرجوا متعلمين إيه وبـ يفكروا ازاى؟ وقعدت أتخيل تناول المدرسين للثورة لما ييجوا يتكلموا عنها مع التلاميذ هـ يكون عامل ازاى؟ ياترى بـ يدرسوها لهم على إنها حدث تاريخى عظيم، ولا شوية عيال فوضويين عملوا مظاهرات وخلاص؟ والأوحش من كده سألت نفسى أمال لو الطلاب هم اللى احتجوا الإدارة هـ تعمل فيهم إيه بقى إذا كانت بـ تهدد المدرسين والموظفين بالأسلوب ده؟!

وهنا أدركت قد إيه تقريبا كل المؤسسات فى البلد دى –سواء عامة أو خاصة– عبارة عن نماذج مصغرة من الدولة الاستبدادية اللى احنا ثرنا عليها، لكن للأسف لسه عايشين فيها، الإدارة تمثل السلطة اللى بـ تقمع الشعب (المتمثل فى الموظفين والطلاب)، ولكنها فى الحقيقة خايفة منه علشان عارفة إنه أقوى منها... وخوفها أكبر دليل على إنها عارفة إنها ظالمة ومش مدية الناس حقوقها، وبالتالى الناس عندها سبب للغضب، ولأن الغضب ده مرعب للسلطة – أو الإدارة، بـ تحاول تحبسه قبل حتى ما يتولد.

وزى ما شعبنا فيه الثائر والخانع والـ"كنبة" واللى مش فاهم حاجة، برضه (الموظفين/ العمال/ الطلاب) داخل أى مؤسسة فيهم نفس الأنواع... عندك الواعى بحقوقه وما يسكتش عليها ومستعد يتخانق مع أتخن تخين علشان ياخدها، وعندك اللى بـ ينافق ويتملق الإدارة فبالتالى بـ يلقى معاملة خاصة تخلى التغيير مش فى مصلحته، وعندك اللى متضايق من الوضع بس ما عندوش استعداد يعترض لأنه خايف على أكل عيشه فبـ يكتم فى قلبه ويسكت، وعندك اللى بـ ييجى فى ميعاده ويمشى فى ميعاده يعمل المطلوب منه وخلاص ومالوش دعوة بأى حاجة تانية.

الفكرة إن الثورة مش مظاهرات واعتصامات ومسيرات وبس... الثورة عقلية، أو زى ما بـ يقولوا بالإنجليزى attitude. اللى بـ ينزل يتظاهر كل يوم ويهتف لحد ما صوته يروح، ما أعتبروش ثورى لو بـ يرضى بأى نوع من الظلم فى بيته أو فى شغله.

الثورة دى مش هـ تشقلب حال البلد غير لما توصل لكل مؤسسة فيها، كبيرة أو صغيرة، وحيث إن من الواضح إن أى حد فى إيده ذرة من السلطة بـ يسىء استخدامها، والإدارة العليا فى كل حتة غالبا مش حقانية، يبقى مش هـ توصل غير عن طريقنا احنا... إدارة مدرستى ما كانتش هـ توزع ورقة بـ تحذر من الإضراب لو محدش كان مضى على الورقة الأولى اللى كانت بـ تحذر من الاحتجاجات... الحل إن كل حد فينا يبقى الثائر اللى فى مكان شغله أو دراسته، المنافق لو حاربك حاربه، أو حاول تصحى ضميره... اللى ماشى جنب الحيط خد بإيده وشجعه، وفكره إن اللى بـ ينصر الحق ربنا بـ يرزقه من وسع... اللى مالوش فى حاجة اتكلم معاه، فهمه ووعيه.

وبعد كل الاستنتاجات دى، يبقى استنتاج واحد توصلت له من القصة دى - وهو إن احنا لسه قدامنا طريق طويل، ومرهق، وصعب، وأحيانا هـ يكفر الواحد ويكرهه فى عيشته.

بس يستاهل نمشيه لحد الآخر.

استعنا على الشقا بالله.

ليست هناك تعليقات:

إحنا