"من ١٢ سنة كنت شاب لسه متخرج واستلمت أول وظيفة ليا وهى مدرس فى قرية إشنين إحدى قرى مغاغة فى محافظة المنيا، وكنت وقتها مقتنع إن لا شىء أجمل ولا أنفع من إنى أعمل مدرس للأجيال القادمة ... وعدت الـ 12 سنة حضرتك ولسه ما اتعينتش وبـ اقبض ١٢٩ جنيه فى الشهر وعايز أكمل نص دينى ومش عارف" - صابر عبدالرحمن - مدرس من إضراب المعلمين
كتبت فى المقالة اللى فاتت عن التعليم وعن إضراب المعلمين اللى بدأ مع بداية العام الدراسى الجديد، وكان وقتها عندى أمل صغير إن يا إما المجتمع يدعم حركة المعلمين فتتحول لقضية رأى عام بدلا من قضايا الرأى العام من نوع "بدلة المشير" أو "إنبى"، يا إما الحكومة تستجيب ولو لجزء من مطالبهم على أمل إن يحصل أى رد فعل يقول إننا ممكن، إن شاء الله لو كان لينا عمر، احتمال فى يوم من الأيام نهتم بالتعليم.
"وحال المعلم هو الأساس فى إصلاح حال التعليم على ما أعتقد" ولكن ويا للهول كان رد الفعل كالآتى:
"رفض" شعبى وإعلامى ورسمى لإضراب المعلمين، وهجوم ضارى وصل لحد إتهامهم بالخيانة والانتهازية وانعدام الضمير!
الرفض الإعلامى والرسمى مش مفاجئ لأنه بـ يدور فى فلك الأسطوانة المشروخة لعجلة الإنتاج والنظرة السطحية لأى تحرك فى المجتمع على إنه مطالب فئوية، بدلا من مواجهة القضية والتفكير فيها، رغم إنهم لو فكروا فى إضراب المعلمين هـ يكتشفوا إن ما يقوم به المعلمون هو البداية الحقيقية لإصلاح التعليم، إصلاح هـ يأخذ سنين أكيد، لكنه البداية.
لكن المذهل فعلا واللى يدعو للتأمل هو الرفض الشعبى لإضراب المعلمين، رد فعل كشف كره أولياء الأمور للمعلمين لدرجة الظلم، ولدرجة إلقاء المسئولية كاملة على المدرس فى مسرحية التعليم المصرى، رغم إن المعلم بـ يلعب دور صغير جدا فيها، دور لا يتعدى الكومبارس للأسف.
فـ تلاقى ولى الأمر اللى كان متقبل لسنين إن ابنه ما يستلمش كتاب المدرسة إلا قبل امتحانات الفصل الأول بأسبوع، وبـ يدفع دم قلبه فى كتب خارجية ودروس خصوصية، واللى عارف إن ابنه ما اتعلمش كلمتين فى السنتين اللى فاتوا، سنة بحجة إنفلونزا الطيور، وسنة بحجة الانفلات الأمنى ... هو هو نفس ولى الأمر اللى رفض أو نفض أو أدان أو فى بعض الحالات راح للمدرسة وثار فى وش المدرسين اللى بـ يعطلوا المسيرة التعليمية المتميزة لابنه أسبوعين !
باختصار، هى: مسرحية، تصنيفها: كوميديا سوداء، بـ يشترك فى تمثيلها الجميع سواء حكومة أو سياسيين وإعلاميين بلدنا وحتى ولى الأمر والمجتمع بصفة عامة، والمعلم هو أحد هؤلاء الممثلين الذى قرر ولأول مرة أن يتوقف عن أداء دوره فى المسرحية، لكن الجميع رفض.
رفضوا رغم إن ٣٠٪ من دخل الأسرة المصرية "على الأقل" بـ يروح فى مصاريف التعليم ما بين دروس خصوصية وكتب خارجية وخلافه، أيوا الدروس الخصوصية الحجة الأساسية اللى بـ يعتمد عليها كل من يهاجم إضراب المعلمين، رغم إن معروف إن مافيا الدروس هى فئة قليلة من نوع نجم الفيزياء الأول وإمبراطور الرياضيات، ومهما حاولت ترد إن الحجة دى هى السبب الأساسى فى إضراب المعلمين اللى بـ يهتفوا ضد الدروس الخصوصية ومن أجل أجر عادل وإنسانى يمنعهم عنها ومن أجل قانون يمنعها لا أحد يسمع.
رفضوا رغم إن مصر بـ تحتل مكانة مخزية فى مؤشر التنمية البشرية العالمى للتعليم ومحو الأمية وهو المركز الـ ١١٦على مستوى دول العالم، فى الوقت الذى تحتل فيه إسرائيل المركز الـ ٢٧ ! وبربادوس المركز الـ ٣٧ !! فين بربادوس دى أساسا؟!
رفضوا رغم إن أجر المعلم هو البداية لما تريده مصر من التعليم وهو لا يطلب أكثر من أجر يضمن له الحد الأدنى من العيشة الإنسانية ومطالب أخرى من أجل التعليم نفسه.
رفضوا أو رفضنا جميعا أن نجعل التعليم أولا، فى الوقت اللى داير فيه جدل عميق فى البلد هـ نسمى مصر إيه؟ مدنية ولا إسلامية!! لأ يا حضرات مصر اللى بـ يحلم بيها جيلى فى المستقبل:
علمية ... علمية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق