مجلة إحنا

مجلة إحنا
غلاف عدد نوفمبر

الاثنين، 13 فبراير 2012

استقيلوا ... وتفرغوا لأحلامكم أحمد سليم


سألنى الأول: مش ناوى ترجع تشتغل فى حته؟

رديت: خالص، مش عايز انت تبطل تشتغل فى حته!

وسألنى الثانى: ها ... مش ناوى ترجع تشتغل فى حته؟

فرديت: خالص، مش عايز انت تبطل تشتغل فى حته!

فسألنى الثالث: ها ... مش ناوى ترجع تشتغل فى حته؟

فرديت: خالص، مش عايز انت تبطل تشتغل فى حته!

بغض النظر عن ملل البنى آدمين فى اختيار المواضيع، وإن معظمهم بـ يتكلم فى نفس الحاجات وبـ يسأل نفس الأسئلة، ولكن الـ ٣ أسئلة دول مختلفين بالنسبة لى ... مش فى السؤال نفسه، ولكن فى طريقة السؤال، نبرة الصوت، نظرة العين، وطريقة وضع علامة الاستفهام فى آخر كل جملة ... ولكن إجابتى هى هى، نفس نبرة الصوت، نفس نظرة العين ونفس علامة التعجب فى آخر كل جملة ... المميز بقى فى الحوار فى موضوع شغلى ده، إن الإجابة بالرغم إنها ما بـ تبقاش متوقعة لمعظم الناس، إلا إن محدش فيهم بـ يفكر يكمل السؤال ويقول لى "ليه كده؟" … الناس بـ تسكت بعد الإجابة، وما بـ ياخدوش بالهم إنى سألت سؤال أساسا، بـ ياخدوا اللى أنا قلته على إنها إجابة ... والسبب؟ إنهم عارفين الأسباب من غير ما حد يقولها، ونسبة كبيرة منهم ممكن يكونوا عندهم أسباب أكبر منى تخليهم يعملوا نفس اللى أنا بـ اعمله بس مش عارفين، أو بمعنى أصح مش قادرين يواجهوا طموحهم علشان عارفين إنه هـ يمسح بكرامتهم الأرض من إهمالهم له ..

سبب استقالتى الأساسى ما كانش سبب على قد ما كان فضول! فضول عن العالم خارج حيطان الشركات عامل ازاى، عدم ارتباط خبرتى المهنية وإمكانياتى فى شغلى بسقف مديرى أو سقف الشركة اللى بـ اشتغل فيها آخره إيه، لو عايز تسافر دلوقتى فتقوم مسافر دلوقتى متعتها قد إيه، رفض شغلانة علشان مش مقتنع بيها مريح قد إيه، والفضول الأكبر اللى كان فوق كل ده "هو لو الواحد قرر يختار حاجة تانية هـ يحصل إيه"!! وفكرة إنى لو رحت حته تانية غير اللى أنا فيها هـ لاقى إيه، هو ما كانش فيه حاجة فى دماغى أوى عايز ألاقيها ساعتها، بس طبيعى إنى كنت هـ لاقى حاجات غير اللى موجودة هنا … فقمت رايح … وما رجعتش ... ومش عايز أرجع، ونرجع لنفس الإجابة اللى بـ جاوبها "مش عايز انت تيجى؟"

لسبب معين مش قادر أفهمه، بس فيه مراحل معينة لازم كل طفل وشاب مصرى يمر بيها ويعدى عليها ويعملها، والبجاحة تكمُن إنه كمان مطلوب منه إنه ينجح فيها بمعيار معين، ولو ما حصلش يبقى ربنا يعوض عليه، والموضوع بصراحة من زمان وهو عامل لى أزمة بنت كلب ... زى الجزمة السودا فى المدرسة وعلاقتها بالالتزام ... الإجابة النموذجية وعلاقتها بالشطارة والاجتهاد ... التوفيق بين الدراسة والرياضة وعلاقتها بالمقابلات التليفزيونية، لازم السؤال يُطرح من قِـبل المذيعة، والغريب إن دايما الطالب بـ يعرف يوفق، ليه مفيش واحد ما عرفش؟ عادى، احنا بنى آدمين وبـ تحصل إن ممكن تلاقى واحد كويس فى حاجة أكثر من التانية، مش عيب خالص، ده الطبيعى، اللى مش طبيعى إنه يعرف يعمل الاثنين، بس ازاى؟ لازم كل واحد يبقى أحسن واحد، نكبر شوية ونعدى على ثانوية عامة وأزمة المجموع، الكون كله بـ يتسخر علشان خاطر المجموع، من أول البواب والجيران لحد أبوك وأمك وأخوك بـ يسعوا جاهدين علشان خاطر المجموع، مش علشان خاطرك، بس علشان خاطر المجموع ... واللى معظم الناس بـ تكتشف بعديها بسنين مش طويلة أوى إنه من أكثر الغلطات اللى عملتها فى حياتك إنك جبت مجموع ودخلت كلية من كليات القمة، وإنك مش بـ تعيش حياتك بمجموع.


من ضمن الحاجات اللى نسيوا يعلموها لنا واحنا صغيرين هى فكرة الاختيار، ولو حصل الاختيار، بـ تبقى المشكلة فى تحمل مسئوليته ... ودايما أهلك بـ يحسسوك إنهم مسئولين عن اختيارك، وإنهم هم اللى هـ يشيلوا مسئوليته لو طلع غلط … حتى فى الأكل، امتناعك عن أكل السبانخ وانت صغير فى بعض الأحيان بـ يكون سبب فى إحساسهم بالفشل فى العناية بصحتك، مع إنه فى الآخر، اختيار ... لو مش بـ تحب السبانخ فيه مسقعة، فيه ملوخية، فيه حاجات تانية كتير، وكله فى الأول والآخر اختيار.

علاقة الكلام ده بالشغل والموضوع الأساسى مش بعيدة خالص، بالعكس، هى دى أصل المشكلة أساسا، عدم القدرة على "الاختيار" ... الفكرة فى الخوف اللى بـ يتزرع جوانا من كل حاجة، وبـ يتأكدوا إنهم يزرعوه على جميع المستويات، ومن هنا، تلاقى نفسك خلصت المدرسة والثانوية العامة وجبت مجموع وأكلت السبانخ، والحياة هـ تبتدى تاخد طريقها، ييجى يقول لك إيه بقى: "انت كبرت وبقيت مسئول، اعمل اللى انت عايزه"، بس على مين؟ الفيروس بـ يكون عشش خلاص ومفيش مفر ...

تتخرج من الجامعة كده وجواك كل الأمل والتفاؤل، وتبدأ تشوف طريقك فى الدنيا، ومن غير ما تحس تلاقى اختيارات محدودة قدامك، وغالبا ما بـ تنتهى إنك تشتغل فى أكبر شركة تقدر تحط رجلك فيها، المشكلة فين بقى؟ إنك بـ تحس إنك حطيت قدامك كل الاحتمالات والاختيارات، وبنباهتك اخترت الشغل، بس ده ما بـ يحصلش، انت مُسخر من غير ما تحس، فجأة بـ تشوف طبق سبانخ قدامك من بتوع زمان، وكل الزعيق والتهزيق اللى سمعته وانت صغير بـ يبتدى يشتغل فى نافوخك وانت مش حاسس، وتلاقيه خدك من إيدك ووداك للإجابة النموذجية وتبتدى تحسب هـ تجيب أكبر مجموع ازاى علشان تقدر تشترى جزمة سودا جديدة تحطها جنب اللى صغروا عليك، شفت؟! هى نفس الدايرة، مربوطين فيها طول عمرنا، هو نفس الطريق اللى محفور، وبـ تحس إنك اخترته، بس للأسف، إنك اخترت شىء تم اختياره لك من زمان، من وانت بـ تعمل على روحك.


الاختيارات فى الدنيا كتير، مالهاش حدود ومالهاش أساس، مافيهاش صح ومافيهاش غلط، ولا حلوة كلها ولا وحشة كلها ... بس كلهم المفروض مع اختلافاتهم يوصلوك لنفس النتيجة، إنك تبقى مستريح وبـ تعمل أكثر حاجة بـ تحب تعملها، وسبحان الله هـ تلاقى نفسك بـ تعملها أحسن من أى حاجة تانية، بغض النظر عن الشكل أو النتيجة.

وفى الشغل مثلا، اللى اكتشفته، إن الشغل كمضمون، له أبعاد كتير كتير كتير غير اللى قالوا لنا عليها، وكلها مالهاش دعوة بالفلوس، الفلوس دى نتيجة مرتبطة بالرزق، مافيهاش عافية، فيها سعى ومحاولة، وربنا بـ يوزعها وبـ يقسمها مظبوط. وكمية الفلوس اللى بـ تكسبها مالهاش دعوة بحاجة غير الكوبون اللى ربنا خلقك بيه مكتوب فيه كام، بس ... بسيطة ... سهلة ... مريحة.

حاليا بقالى سنتين تقريبا مستقيل، وعدى عليا أيام مفيش داعى لشرحها، صدمات حضارية لسبب اختلاف أسلوب المعيشة اللى كنت متعود عليه من أيام شغلى فى الشركات الكبيرة، بس الاختيار ده باختصار، من أحلى اختيارات حياتى، ورانى حاجات كتير أوى تانية ما أعرفش ليه كانوا مخبيينها علينا، أو مش مخبيينها، كانوا بـ يقولوها، بس ما كانوش مصدقينها، كله كان كلام فى كتب، زى ما تخليش هدفك الفلوس المهم تتعلم، ما تبصش لزمايلك واصرف على قدك، اعمل اللى يريحك، لازم تتعب علشان توصل ... وفجأة، تلاقى كل الضغوط حواليك بـ توصلك لعكس الحاجات دى كلها، وتلاقى نفسك بـ تشوف أكبر مرتب قبل مستوى الشركة، فجأة تلاقى نفسك بـ تدور على أسهل وأسرع طريق للوصول للفلوس دى، وتلاقى أهدافك بدأت تتحول من إنك كنت عايز تتعلم وتشوف الدنيا، إلى إنك عايز تغير عربيتك، أو إنك تبتدى تشترى شقة وتدفع أقساط، أو طبعا إنك تتجوز مع ثانى أو ثالث سنة بعد التخرج ... وتبدأ تشوف الحاجات دى أساسية فى الحياة، وطبعا الضغوط من المجتمع اللى بـ تحول كل "كماليات" الحياة لـ "أساسيات" ... حاجة حزينة ومجتمع حزين ومستقبله يتلخص فى شقة وعربية وعروسة عايزة شبكة غالية ... السؤال الأساسى بقى فى الموضوع ده، كيف نستطيع أن نتقدم فى صناعات أو إنتاجات مصرية وأهداف الناس شقة وعربية ومرتب فى شركة كبيرة؟ الإجابة النموذجية بقى هى "إننا لا نستطيع".

المنطق بـ يقول، إن بداية حياة أى إنسان تتحمل أخطاء وتجارب ومخاطر، والفكرة فى تحديد الفترة الزمينة للبداية، وده أساس المشكلة، دايما بـ نحسبها على أول كام سنة وبعدين نبدأ بقى نفكر بعقل، يعنى وانت عندك ٢٦ أو ٢٧ تبدأ ترسى وتهدا وتبطل تفكر لبعيد وتشوف أمور من منظور ضيق جدا، ليه؟ بجد ليه؟ ليه ما يكونش ٥ سنين، أو ١٠ أو حتى ١٥ وليه ما يكونش العمر كله لو حد مزاجه كده؟ هـ يحصل إيه؟ مش هـ يجيب عربية؟ إيه المشكلة؟ مش هـ يجيب شقة؟ إيه المشكلة برضه؟ مش هـ يتجوز؟ مفيش حاجة اسمها كده، كل حاجة ممكن تحصل بالمقارنة بالنسبة لأهداف حياتك وطموحاتك، الحياة اللى هـ تبقى اخترت إنك تعيشها علشان تعمل اللى فعلا نفسك فيه، هـ تحدد معاها كل تفاصيلها، وهى نسبة وتناسب فى الآخر، وكله بكوبون الرزق اللى ربنا مديهولنا، وده هـ يتحدد معاه مستوى العربية أو المواصلات بشكل عام، هى الدنيا كده، نسبة وتناسب، مفيش مطلق ... لكن إنك عايز تعمل اللى بـ تحبه بس خايف إن ما يكونش معاك فلوس تجيب شقة كبيرة، ده اللى غريب جدا بصراحة!!

الدنيا فيها بلاوى، فيها اختيارات أكثر من اللى علموها لنا واحنا صغيرين، اخرج للدنيا واعمل اللى انت عايزه، تحرر من قيود الفكر العقيم، اشتغل فى شركة صغيرة علشان مقتنع بيها، اشتغل قهوجى لو ده اللى حماسك واخدك له، اللى انت بـ تحبه، اعمله، ولو ما نفعش سيبها وروح شوف حاجة تانية، روح مطرح ما رجليك هـ تاخدك وشوف واتفرج، وعلشان نبقى متفقين، مفيش حد فى الدنيا هـ يقدر يقول لك هـ تلاقى إيه فى أى حتة، حتى لو هو كبير الحتة، كل واحد له تجربته وظروفه ونظرته وإمكانياته فى كل حاجة بـ تتعمل.

خلاصة تجربتى فى المرحلة اللى فاتت، أولا: إن مفيش حاجة اسمها إنك تعمل فلوس الأول علشان تحقق حلمك، علشان العقل بـ يقول إنك لو حققت حلمك هـ تعمل فلوس. ثانيا: إنك تشتغل شغل مش بتحبه علشان تصرف على شغلك اللى بـ تحبه، عاملة بالظبط زى لما تتاجر فى المخدرات علشان تبنى جامع. ثالثا: إننا ما بـ نلعبش فى الطين غير واحنا صغيرين، علشان لما بـ نكبر بـ نخاف البنطلون يتوسخ.

اختيار الخروج للدنيا والبهدلة والكعبلة وتلاقى بنطلونك اتقطع اإحساسها جميل، وعموما لو ما اتقطعش من اللعب، هـ يتقطع منك لما تتخن من كتر القاعدة على المكتب!

الأول كان بـ يسألنى بفضول!

الثانى سألنى بشفقة!

الثالث سألنى بقلق!

صباح الفل ...


ليست هناك تعليقات:

إحنا