كان يوم 27 يناير ...يوم عيد ميلاد خالد سعيد ...لاقيت دعوة على الفيسبوك اننا نتصل بوالدته مدام "ليلى مرزوق" نفكرها اننا مش ناسينه، ونمرتها منشورة.
ترددت بين إنى أكلمها وبين إنى ما أكلمهاش، مكنتش عارفة إن كانت المكالمة دى مرغوب فيها ولا مالهاش لازمة ولا مش وقته، مكسوفة لأنى ما اعرفهاش شخصيا، خايفة لما أتكلم يكون أسلوبى أجمد من المفروض أو أضعف من المفروض، وخايفة أتحرج لو حد رد عليا وقال إنها مش حابة تتكلم فى يوم زى ده مثلا، بس فى الأخر حسيت إن لو ما اتكلمتش هـ حس بعد كده بالذنب وقلة الإنسانية، وطالما نشرت نمرتها يبقى أكيد عندها أستعداد تتكلم، ودى مكالمة سهلة ومساندة واجبة، وأضعف الإيمان.
أتصلت، بس قلت مش هـ ترد، أصل الساعة 11:30 بالليل ووارد تكون نايمة مثلا، وقعدت أفكر فى إحتمالات انها ما تردش بس ما لحقتش أفكر كتير لأن بعد أقل من رنة واحدة، أقل من رنة كاملة، لقيت صوت نسائى حنين بـ يقول: ألو (مفيش صوت فى الخلفية
(اللى جاى منها صوتها، هدوء تام عندها... وعندى
أنا: ألو .. حضرتك مدام ليلى؟
هى: أيوه يا حبيبتى
أنا: والدة خالد سعيد ....؟
هى: أه .. شفتى النهارده خالد تم التلاتين سنة ..
(جسمى أشعر وعينيا أتثبتت على حاجة واحدة...ركزت أكتر...حسيت أكتر)
أنا: أنا بـ كلم حضرتك علشان أقول لك إن خالد ما أتناساش ومش هـ يتنسى...وانا كشخص كنت غير مهتمة بحال البلد وهو السبب فى إنى أهتم ..
هى: حقيقى؟ طب قول لى ليه؟ أهتميتى بحكايته ليه؟
أنا: علشان حسيت إن لو سكتنا بعد خالد، وارد أخويا ينزل ويرجع لنا كده ...ويبقى الموضوع عادى وحصل قبل كده ويبقى وارد إنه يحصل كتير..
هى: يا بنتى ...يا بنتى ده فى نص ساعة ... ده كان نازل بقاله نص ساعة بس! يعنى أنا أحمل وأخلف وأربى وأعلم وأكبر وأحب،
وهـمّ يرجعهولى بالمنظر ده؟
(أتوجعت اوى لما سمعت الجملة دى. ودمعت بس تماسكت بسرعة، انا مكلماها علشان أقويها وأساندها، لازم أتماسك)
أنا: أنا متفهمة حضرتك حاسة بإيه وانا أسفة لده جدا، بس برضه لازم حضرتك تبقى فخورة إن التاريخ هـ يذكر إن خالد سعيد سبب أساسى من أسباب الثورة، وإن أنا وزيى كتير مش هـ ننساه وهـ نحكى عنه لولادنا.
هى: بس أهم حاجة ما تسيبوش حقه، وانا معاكم وفى وسطكم ...بلاش نسيب حق خالد .
أنا: ده أكيد ..
(ناداها صوت غير واضح)
أنا: أسيب حضرتك لأن الوقت متأخر ...
هى: ماشى ..تصبحى على خير يا حبيبتى، وربنا يحميكوا لأهاليكو
أنا: وحضرتك من أهل الخير
قفلت السكة وفضلت ساكتة تماما.
تجربة إنسانية نقية وحقيقية ومش هـ تحصل فى العمر الواحد كتير، لا سألت أسمى إيه ولا عندى كام سنة ولا من إسكندرية زيها ولا من القاهرة، ما هماش غير إنى إنسانة مهتمة تشاركها فى أحزانها فى يوم زى ده، كانت بـ تتكلم ونبضات قلبى وجسمى ومخى بـ يتفاعلوا مع كلامها بسرعة وبقوة غير عادية. ازاى ممكن أتنين بنى آدمين يتواصلوا بمنتهى الصدق ده لمدة من الزمن وبدون أى أهداف ولا أغراض مستقبلية ومن غير ما يكونوا شايفين بعض ولا يعرفوا أى حاجة عن بعض؟ّ! ازاى ممكن نتجرد لمدة دقايق من كل
حاجة وأى حاجة إلا إنسانيتنا؟
قفلت على نفسى أوضتى وعيطت.
ما عيطتش من الحزن، لأن طاقة القوة والصبر والأمل اللى عند الست دى ما تخلاكش حزين أبدا؛ عيطت من التأثر. كنت فى قمة التأثر بالتجربة وبإحساس أم بالحزن والألم والحسرة على ابنها لدرجة أنها مستعدة و فى أى وقت تشكى وتفضفض لأى حد وتوصيه ما ينساش حقه. دى قصة مكالمة كلها أحاسيس نادرة جدا فى الزمن ده، فى الزمن اللى أتقتل فيه خالد سعيد بالأسلوب ده، أحاسيس تـ خليك تنضج إنسانيا، تخليك تفهم إن أحزانك كلها ولا حاجة جنب وجع قلب أم واضح مع أول كلمة تنطقها واضح من نبرة صوتها... لكن الجزء الواقعى من القصة لا يقل أهمية أبدا عن الجزء العاطفى، واللى هو: حق خالد سعيد
فات على موته سنة ونص، وفات على الثورة سنة، و"المسئول الأول" عن موته بهذه البشاعة فين؟! أتحاكم ولا لسه؟ طب وما بـ يتحاكمش ليه؟ ولو لازم المحاكمة تبقى أسرع، مين هـ يسرعها غير الضغط الشعبى مننا؟ مننا "كلنا" ما هو أصل "كلنا خالد سعيد" دى مش شعار بس!والدة خالد سعيد واثقة إن حقه هـ يرجع لأنها واثقة فى ربنا وفينا. و لو كانت وصتنى ما نسيبش حقه، فأنا وصلت لك وصيتها، يعنى بقت موصيانى أنا وأنت.
ويمكن القدر خلانا نعرف مين خالد سعيد ونعرف تفاصيل جريمة قتله وبقى رمز وصورته قبل وبعد التعذيب أتحفرت فى ذاكرة جيلنا، بس أنا وأنت عارفين كويس إن فى مليون خالد سعيد أتعرضوا على مدار السنين لنفس المأساة سواء برا أو جوا السجون. وانا واثقة إنى لو كنت كلمت أم أى حد فيهم كانت هـ تحسسنى بنفس المسئولية تجاه إبنها وهـ توصينى نفس الوصية بحق ابنها. وساعتها كنت هـ اوصلها لك، علشان تبقى موصيانى أنا وأنت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق