مجلة إحنا

مجلة إحنا
غلاف عدد نوفمبر

الاثنين، 13 فبراير 2012

ليلة الحزن - كريم الدجوى


"أنا آسفة إنى أبلغكم بالخبر ده، كريم خزام توفى"

"أبو معتز (مادو) توفى"

"أى حد يعرف أى حاجة عن محمد أحمد عبد الحميد سرى يا ريت يبلغنا، محمد فقد فى مبارة الأهلى- رضوى أخته"

"صلاة الفجر على أرواح الشهداء"

هذه كانت عينة من رسائل تلقيتها على مدار ليلة من أسوأ الليالى فى تاريخ مصر، ليلة أبكتنا جميعا! ليلة شهدت سرائر باتت خاوية ولن يعود لها أصحابها، ليلة بكت الأمهات فلذات أكبادها، ليلة دم أخرى تعيشها أمة لم تـُـداوَ جراحها بعد!

"دجوى، فيه شاب قريبى اسمه نزل فى الناس اللى ماتت، بس أهله عايزين يتأكدوا إنه هو!"

كانت هذه أول جملة قالها صديق فقد أحد أقاربه عندما اتصل بى قرب الفجر ...

ضع نفسك مكان هذه الأسرة، أب وأم وأخ وأخت، أصدقاء وجيران، ذكريات وأحلام، كل ما يريدونه هو التأكد أن "أحمد" قد مات. مازالوا يتمسكون بالأمل الضعيف أن يكون تشابه أسماء، أن ابنهم سيعود فى أى لحظة إلى حضن والدته، لا يهم كيف يعود، لا يهم إن فقد عينا أو يدا، يتمنون أن يعود ولو للحظة واحدة، يعود ليودعوه ... لكنه لم يعود!

لا أعرف كم شهيدا سقط إلى الآن، الرقم تجاوز الـ 70، لكنهم ليسوا أرقاما ... إنهم أروح، كانوا يعيشون مثلنا، لم يريدوا أن تنتهى حياتهم هكذا، وبالتأكيد لا يرضيهم أن يموت أحد بهذه الطريقة!

مازال الشهداء يسقطون، ومازال المسئول يجلس فى مكانه، فى مكتبه، وسط مساعديه، يتعامل مع الموضوع كأنه كارثة أخرى، كأننا فى حاجة للمزيد من الأرقام، كأن قرار إنشاء صندوق وصرف تعويضات سيطفئ ما بقلوب أسر الضحايا، وكأن لجنة تقصى الحقائق ستأخذ بثأرهم!

عفوا سيدى المسئول، إننا بشر مثلك، أولادنا مثل أولادك، نشعر ونتألم ونبكى موتانا، لأنهم لم يكونوا أرقاما لنا، كانوا أملنا، حلمنا بهم ولهم، أترضى أن يكون ولدك، سندك، مشروع حياتك مجرد رقما!

سيدى المسئول، إن وجودك داخل غرفتك المحصنة خلال حدوث المأساة لا يعنى أنك لست مسئولا عن كل نقطة دم نزفها أحد أبنائنا، لا يهم إن كان تقصيرا أو مؤامرة، فلا تصالح حتى القصاص ... فإننا لن نعود إلا بعد الأخذ بالثأر!

سيدى المسئول خذ تعويضاتك وأرقامك ولجانك، خذ خطبك وزياراتك وتعليماتك، خذ كل ما نملكه ولا تترك منه شيئا، وأعطنا رأس أحد أبنائك، و جاوبنا على هذا السؤال: هل الخطب والتعويضات واللجان تمحو حزنا فى القلوب؟

الوصية - مريم عبد الجابر

كان يوم 27 يناير ...يوم عيد ميلاد خالد سعيد ...لاقيت دعوة على الفيسبوك اننا نتصل بوالدته مدام "ليلى مرزوق" نفكرها اننا مش ناسينه، ونمرتها منشورة.


ترددت بين إنى أكلمها وبين إنى ما أكلمهاش، مكنتش عارفة إن كانت المكالمة دى مرغوب فيها ولا مالهاش لازمة ولا مش وقته، مكسوفة لأنى ما اعرفهاش شخصيا، خايفة لما أتكلم يكون أسلوبى أجمد من المفروض أو أضعف من المفروض، وخايفة أتحرج لو حد رد عليا وقال إنها مش حابة تتكلم فى يوم زى ده مثلا، بس فى الأخر حسيت إن لو ما اتكلمتش هـ حس بعد كده بالذنب وقلة الإنسانية، وطالما نشرت نمرتها يبقى أكيد عندها أستعداد تتكلم، ودى مكالمة سهلة ومساندة واجبة، وأضعف الإيمان.


أتصلت، بس قلت مش هـ ترد، أصل الساعة 11:30 بالليل ووارد تكون نايمة مثلا، وقعدت أفكر فى إحتمالات انها ما تردش بس ما لحقتش أفكر كتير لأن بعد أقل من رنة واحدة، أقل من رنة كاملة، لقيت صوت نسائى حنين بـ يقول: ألو (مفيش صوت فى الخلفية

(اللى جاى منها صوتها، هدوء تام عندها... وعندى


أنا: ألو .. حضرتك مدام ليلى؟

هى: أيوه يا حبيبتى

أنا: والدة خالد سعيد ....؟

هى: أه .. شفتى النهارده خالد تم التلاتين سنة ..

(جسمى أشعر وعينيا أتثبتت على حاجة واحدة...ركزت أكتر...حسيت أكتر)

أنا: أنا بـ كلم حضرتك علشان أقول لك إن خالد ما أتناساش ومش هـ يتنسى...وانا كشخص كنت غير مهتمة بحال البلد وهو السبب فى إنى أهتم ..

هى: حقيقى؟ طب قول لى ليه؟ أهتميتى بحكايته ليه؟

أنا: علشان حسيت إن لو سكتنا بعد خالد، وارد أخويا ينزل ويرجع لنا كده ...ويبقى الموضوع عادى وحصل قبل كده ويبقى وارد إنه يحصل كتير..

هى: يا بنتى ...يا بنتى ده فى نص ساعة ... ده كان نازل بقاله نص ساعة بس! يعنى أنا أحمل وأخلف وأربى وأعلم وأكبر وأحب،

وهـمّ يرجعهولى بالمنظر ده؟

(أتوجعت اوى لما سمعت الجملة دى. ودمعت بس تماسكت بسرعة، انا مكلماها علشان أقويها وأساندها، لازم أتماسك)

أنا: أنا متفهمة حضرتك حاسة بإيه وانا أسفة لده جدا، بس برضه لازم حضرتك تبقى فخورة إن التاريخ هـ يذكر إن خالد سعيد سبب أساسى من أسباب الثورة، وإن أنا وزيى كتير مش هـ ننساه وهـ نحكى عنه لولادنا.

هى: بس أهم حاجة ما تسيبوش حقه، وانا معاكم وفى وسطكم ...بلاش نسيب حق خالد .

أنا: ده أكيد ..

(ناداها صوت غير واضح)

أنا: أسيب حضرتك لأن الوقت متأخر ...

هى: ماشى ..تصبحى على خير يا حبيبتى، وربنا يحميكوا لأهاليكو

أنا: وحضرتك من أهل الخير


قفلت السكة وفضلت ساكتة تماما.


تجربة إنسانية نقية وحقيقية ومش هـ تحصل فى العمر الواحد كتير، لا سألت أسمى إيه ولا عندى كام سنة ولا من إسكندرية زيها ولا من القاهرة، ما هماش غير إنى إنسانة مهتمة تشاركها فى أحزانها فى يوم زى ده، كانت بـ تتكلم ونبضات قلبى وجسمى ومخى بـ يتفاعلوا مع كلامها بسرعة وبقوة غير عادية. ازاى ممكن أتنين بنى آدمين يتواصلوا بمنتهى الصدق ده لمدة من الزمن وبدون أى أهداف ولا أغراض مستقبلية ومن غير ما يكونوا شايفين بعض ولا يعرفوا أى حاجة عن بعض؟ّ! ازاى ممكن نتجرد لمدة دقايق من كل

حاجة وأى حاجة إلا إنسانيتنا؟


قفلت على نفسى أوضتى وعيطت.


ما عيطتش من الحزن، لأن طاقة القوة والصبر والأمل اللى عند الست دى ما تخلاكش حزين أبدا؛ عيطت من التأثر. كنت فى قمة التأثر بالتجربة وبإحساس أم بالحزن والألم والحسرة على ابنها لدرجة أنها مستعدة و فى أى وقت تشكى وتفضفض لأى حد وتوصيه ما ينساش حقه. دى قصة مكالمة كلها أحاسيس نادرة جدا فى الزمن ده، فى الزمن اللى أتقتل فيه خالد سعيد بالأسلوب ده، أحاسيس تـ خليك تنضج إنسانيا، تخليك تفهم إن أحزانك كلها ولا حاجة جنب وجع قلب أم واضح مع أول كلمة تنطقها واضح من نبرة صوتها... لكن الجزء الواقعى من القصة لا يقل أهمية أبدا عن الجزء العاطفى، واللى هو: حق خالد سعيد


فات على موته سنة ونص، وفات على الثورة سنة، و"المسئول الأول" عن موته بهذه البشاعة فين؟! أتحاكم ولا لسه؟ طب وما بـ يتحاكمش ليه؟ ولو لازم المحاكمة تبقى أسرع، مين هـ يسرعها غير الضغط الشعبى مننا؟ مننا "كلنا" ما هو أصل "كلنا خالد سعيد" دى مش شعار بس!والدة خالد سعيد واثقة إن حقه هـ يرجع لأنها واثقة فى ربنا وفينا. و لو كانت وصتنى ما نسيبش حقه، فأنا وصلت لك وصيتها، يعنى بقت موصيانى أنا وأنت.


ويمكن القدر خلانا نعرف مين خالد سعيد ونعرف تفاصيل جريمة قتله وبقى رمز وصورته قبل وبعد التعذيب أتحفرت فى ذاكرة جيلنا، بس أنا وأنت عارفين كويس إن فى مليون خالد سعيد أتعرضوا على مدار السنين لنفس المأساة سواء برا أو جوا السجون. وانا واثقة إنى لو كنت كلمت أم أى حد فيهم كانت هـ تحسسنى بنفس المسئولية تجاه إبنها وهـ توصينى نفس الوصية بحق ابنها. وساعتها كنت هـ اوصلها لك، علشان تبقى موصيانى أنا وأنت

آه خالتى اسمها سلمية! - حسن حامد

الثوار تعبوا، ومش عارفين يلاقوها منين؛ من الفلول ولا الإعلام، ولا الناس العادية البسيطة اللى بقى عندها مشاكل فى رزقها أكثر ما كان قبل الثورة، ولا الناس اللى مش طايقة الثوار!

شايفين نفسهم بـ يموتوا وينضربوا بالطوب والرصاص الحى والميت والخرطوش والغازات بجميع أنواعها علشان البوليس بيحبنا ونفسه ما نبقاش محرومين من حاجة. مش عارفين يتكلموا مع الإعلام اللى كل ما يجيب حد يجيب واحد بـ يزعق ويطالب بتنحية المجلس والدولة ونلم الكراسى ونمسح تحتيها وناخد بعضنا ونهاجر على السعودية ويكتب لك تحتيه المتحدث باسم ائتلاف الأرنوب لثورة شباب 25 يناير، والناس العادية مش عارفة هو إيه اللى بـ يحصل وفين الصح من الغلط ومليون سؤال حوالين كل شخص وثلاثين مليون رأى. ده خاين، وده عميل، وده كان مع مبارك، وده ما كانش معاه، وده شكله كويس بس طلع نمس، وده شكله نمس وطلع نمس برضه، وبتوع إسلامية إسلامية وأمك هـ تقلع الحجاب، لحد ما أنا شخصيا كنت هـ اتحجب ولما طهقنا.

كوضع طبيعى إنك تبقى طهقان وحاسس بظلم رهيب إنك تثور على السلمية وتقول خلاص، احنا نقلبها مسلحة، ما هى ليبيا أهى خلصت على القذافى وماشية فى طريق كويس ومفيش داعى للتطويل أكثر من كده بقى. زهقنا خلاص، بس خلونا نرجع خطوتين لورا كده ونتخيل إيه اللى ممكن يحصل، ومش هـ نعيد اختراع العجلة، الثورات المسلحة موجودة فى كل حتة فى الدنيا، ما علينا إلا إننا نقرا التاريخ واحنا نعرف إيه النتيجة، بس الأول لازم نقول: مفيش ثورة بـ تنجح فى سنة، لو سألت واحد تونسى هـ يقول لك إنهم لسه عندهم مشاكل زى اللى عندنا وأكثر، بس بـ يتعاملوا معاها بشكل مختلف، بالتالى القاعدة: أولا؛ النفس الطويل، الثورة دى هـ تاخد لسه كمان ٤ أو ٥ سنين علشان نبقى وصلنا لنقطة تفاهم، اللى حصل فى ٦٠ سنة مش هـ يتهد فى شهور... نصبر.

ثانيا بقى: عكس ثورة سلمية مش إنك تروح تضرب البوليس أو الجيش ببندقية، لأ، عكس ثورة سلمية يعنى ثورة مسلحة، وثورة مسلحة يعنى ميليشيات بـ تقاتل دفاعا عن سياسة أو فكر، يعنى من الآخر، دولة داخل دولة، طب ليه اخترناها سلمى، مش ده حل أريح؟ السلمية ميزاتها كتير: تخيل معايا كده موقف واحد بـ ينضرب من واحد بلطجى مسلح بكامل قواه وبـ يضحضح، قلبك وتعاطفك هـ يبقى مع مين فيهم؟ لو راحوا قسم أو محكمة، حد يقدر يقول على اللى بـ ينضرب ده ظالم ولو من بعيد؟ كنا بـ نتعاطف مع أطفال الحجارة ليه؟ علشان دى أطفال واقفة بطوب قدام دبابات، إنسانية الموقف ورمزيته شنيعة الروعة، رهيبة، ادى كل واحد منهم "آر بى جيه" وقول لى كده الموقف بقى إيه؟ موقف أبله جدا مكون من ميليشيات أطفال بـ تضرب "آر بى جيه" ويمكن بتوع حقوق الأطفال يطلعوا يقولوا حرام عليكم يمسكوا الأطفال دى سلاح وإسرائيل هـ تعمل "فتة" على صورهم وتقول لك شوف، حتى الأطفال بـ يدوهم سلاح علشان يقتلونا، ويعيطوا لأمريكا شوية وبعدين يروحوا بزكيبة فلوس ملظلظة يشتروا بيها مدافع أكثر علشان يحموا نفسهم من الأطفال الوحشين.

كلم أى واحد مع المجلس واسأله كده: انت مش مع الثوار ليه؟ هـ يقول لك يستاهلوا، بـ يضربوا الجيش ليه؟ انتم عايزين توقعوا الجيش ليه؟ هو يعنى تضربوه ويسكت؟ ما لازم يرد! اسأل نفسك كده، ليه ناس كتير نزلت الميدان ثانى يوم بعد ما شافت دموع وائل غنيم فى العاشرة مساء وهو بـ يبكى على الثوار وبـ يلوم مبارك، ومش نفس العدد هو اللى بـ ينزل بعد كده فى الجمعات المختلفة اللى اتعملت (فى ما عدا ٢٥ يناير لأسباب ثانية)؟ السبب واضح: الطرف المظلوم باين لكل واحد عنده عينين، مش محتاجة تفسير ولا دفاع عن حاجة، هـ نخسر أرواح آه، لكننا هـ نبقى أحرجنا المعتدى قدام الدنيا كلها بكل ذوق، تعالى بقى نشوف كده اللى (مش سلمية) هـ تعمل إيه:

1- اللى هـ يكون ميليشيات أكبر تدافع عن فكرته هو اللى هـ يكسب، تخيل كده الحرب الكلامية إياها دى تحولت إلى ميليشيات سلفيين وليبراليين وإخوان وميليشيات البلطجية، هـ يبقى شكل الدولة إيه؟ هـ يبقى إيه لو السلفيين قرروا يحاربوا العلمانيين الأوغاد ويجاهدوا فى سبيل الله بذبحهم فى حين يسن الليبراليون الشرفاء سكاكينهم ليموتوا شهداء للحرية فى حين إخواننا الاشتراكيين بـ يحضروا الكلاشنكوف تحت صورة جيفارا وهم بـ يغنوا أغانى الشيخ إمام استعدادا للدفاع عن مبادئهم حتى الموت.

2- الميليشيات دى اللى هـ تخضع له الأقوى بس، يعنى اللى عنده بنادق أكثر، وطبعا اللى عنده بنادق أكثر ده هو اللى هـ يسيطر، فين بقى الحرية اللى الثورة قامت علشانها؟

3- اللى هـ يسود مش هـ يبقى الفكر، هـ تبقى القوة، اللى معاه بندقية هو اللى هـ يسود، مش اللى أفكاره أحسن والثورة أصلا فكرة، عمرك شفت واحد بـ يحاول يقنع واحد إن ١ +١ = ٢ ببندقية؟ مش هـ تحتاج القوة أصلا لو فكرتك صح لأنها هـ تنجح وتنتشر لوحدها.

بص على التاريخ وشوف كام ديكتاتور خرج من رحم ثورة مسلحة، من أول فيدل كاسترو لغاية القذافى، كل دول كانوا بـ يشنقوا ويدبحوا باسم الثورة بلا أدنى تردد، كان الواحد من دول بـ يتحول لديكتاتور أول ما يلمس الكرسى (ودى فيها مقالة تانية عن ديكتاتورية الثورة بس خلينا فى موضوعنا دلوقتى).

ولو إن شكل الثورة المسلحة هـ يحسم الأمور لكن أبعاده كارثية وبكل الأحوال هو امتداد للذعر والهلع والجنان اللى على الأعلام طول النهار، لكنه أبدا مش طريق طبيعى لأى حاجة، ومش من عادتنا كمصريين -بالمناسبة مصر يمكن البلد الوحيدة فى العالم اللى عمر ما اندلع فيها حرب أهلية بشكلها المعروف فى العصر الحديث- إننا نتخانق مع بعض بالشراسة دى، احنا شعب نيلى، بـ يحب الكلام وبـ يكره العنف بطبيعته، فأرجوكم فكروا قبل ما تتخلوا عن سلمية الثورة، فكروا كويس فى اللى حققته السلمية فى مواجهة طاغية قبل ما تقرروا ترموها وتجابهوا الطاغية مش بالفكر، لكن بالعنف، فكروا هـ تروحوا فين.

وعلى فكرة، خالتى ما اسمهاش سلمية، ولا خالتك انت كمان، ده عنوان لثورتنا اخترناه لأنه آمن على البلد وعلى الحرية من أى عنوان آخر.





المعجزة أحمد ثروت

المعجزة .. إنك تكون

إنسان وحيد
في وسط زنقة الطابور


المعجزة .. إنك تكون
عايش فى قبر
ومن حواليك القصور


المعجزة .. إنك تكون
مظلوم ... برىء
وفى السجون مكتوب حضور


المعجزة .. إن القلوب الطيبة
علشان تعيش
لابد يوم تصبح صخور


المعجزة .. إن الشعور ممكن تشيب
بس العقول لسة بذور


المعجزة .. إنى أدور ع الحقوق
فيبنوا بين حقوقى سور


المعجزة .. إن اللسان

ينطق يقول
وإن الكلام يكتب سطور


المعجزة .. هي حياتنا
وع الحياة لازم نثور


والمشكلة إنك آمنت إن النبؤة اتحققت
المشكلة وللأسف إن الجموع اتفرقت


استقيلوا ... وتفرغوا لأحلامكم أحمد سليم


سألنى الأول: مش ناوى ترجع تشتغل فى حته؟

رديت: خالص، مش عايز انت تبطل تشتغل فى حته!

وسألنى الثانى: ها ... مش ناوى ترجع تشتغل فى حته؟

فرديت: خالص، مش عايز انت تبطل تشتغل فى حته!

فسألنى الثالث: ها ... مش ناوى ترجع تشتغل فى حته؟

فرديت: خالص، مش عايز انت تبطل تشتغل فى حته!

بغض النظر عن ملل البنى آدمين فى اختيار المواضيع، وإن معظمهم بـ يتكلم فى نفس الحاجات وبـ يسأل نفس الأسئلة، ولكن الـ ٣ أسئلة دول مختلفين بالنسبة لى ... مش فى السؤال نفسه، ولكن فى طريقة السؤال، نبرة الصوت، نظرة العين، وطريقة وضع علامة الاستفهام فى آخر كل جملة ... ولكن إجابتى هى هى، نفس نبرة الصوت، نفس نظرة العين ونفس علامة التعجب فى آخر كل جملة ... المميز بقى فى الحوار فى موضوع شغلى ده، إن الإجابة بالرغم إنها ما بـ تبقاش متوقعة لمعظم الناس، إلا إن محدش فيهم بـ يفكر يكمل السؤال ويقول لى "ليه كده؟" … الناس بـ تسكت بعد الإجابة، وما بـ ياخدوش بالهم إنى سألت سؤال أساسا، بـ ياخدوا اللى أنا قلته على إنها إجابة ... والسبب؟ إنهم عارفين الأسباب من غير ما حد يقولها، ونسبة كبيرة منهم ممكن يكونوا عندهم أسباب أكبر منى تخليهم يعملوا نفس اللى أنا بـ اعمله بس مش عارفين، أو بمعنى أصح مش قادرين يواجهوا طموحهم علشان عارفين إنه هـ يمسح بكرامتهم الأرض من إهمالهم له ..

سبب استقالتى الأساسى ما كانش سبب على قد ما كان فضول! فضول عن العالم خارج حيطان الشركات عامل ازاى، عدم ارتباط خبرتى المهنية وإمكانياتى فى شغلى بسقف مديرى أو سقف الشركة اللى بـ اشتغل فيها آخره إيه، لو عايز تسافر دلوقتى فتقوم مسافر دلوقتى متعتها قد إيه، رفض شغلانة علشان مش مقتنع بيها مريح قد إيه، والفضول الأكبر اللى كان فوق كل ده "هو لو الواحد قرر يختار حاجة تانية هـ يحصل إيه"!! وفكرة إنى لو رحت حته تانية غير اللى أنا فيها هـ لاقى إيه، هو ما كانش فيه حاجة فى دماغى أوى عايز ألاقيها ساعتها، بس طبيعى إنى كنت هـ لاقى حاجات غير اللى موجودة هنا … فقمت رايح … وما رجعتش ... ومش عايز أرجع، ونرجع لنفس الإجابة اللى بـ جاوبها "مش عايز انت تيجى؟"

لسبب معين مش قادر أفهمه، بس فيه مراحل معينة لازم كل طفل وشاب مصرى يمر بيها ويعدى عليها ويعملها، والبجاحة تكمُن إنه كمان مطلوب منه إنه ينجح فيها بمعيار معين، ولو ما حصلش يبقى ربنا يعوض عليه، والموضوع بصراحة من زمان وهو عامل لى أزمة بنت كلب ... زى الجزمة السودا فى المدرسة وعلاقتها بالالتزام ... الإجابة النموذجية وعلاقتها بالشطارة والاجتهاد ... التوفيق بين الدراسة والرياضة وعلاقتها بالمقابلات التليفزيونية، لازم السؤال يُطرح من قِـبل المذيعة، والغريب إن دايما الطالب بـ يعرف يوفق، ليه مفيش واحد ما عرفش؟ عادى، احنا بنى آدمين وبـ تحصل إن ممكن تلاقى واحد كويس فى حاجة أكثر من التانية، مش عيب خالص، ده الطبيعى، اللى مش طبيعى إنه يعرف يعمل الاثنين، بس ازاى؟ لازم كل واحد يبقى أحسن واحد، نكبر شوية ونعدى على ثانوية عامة وأزمة المجموع، الكون كله بـ يتسخر علشان خاطر المجموع، من أول البواب والجيران لحد أبوك وأمك وأخوك بـ يسعوا جاهدين علشان خاطر المجموع، مش علشان خاطرك، بس علشان خاطر المجموع ... واللى معظم الناس بـ تكتشف بعديها بسنين مش طويلة أوى إنه من أكثر الغلطات اللى عملتها فى حياتك إنك جبت مجموع ودخلت كلية من كليات القمة، وإنك مش بـ تعيش حياتك بمجموع.


من ضمن الحاجات اللى نسيوا يعلموها لنا واحنا صغيرين هى فكرة الاختيار، ولو حصل الاختيار، بـ تبقى المشكلة فى تحمل مسئوليته ... ودايما أهلك بـ يحسسوك إنهم مسئولين عن اختيارك، وإنهم هم اللى هـ يشيلوا مسئوليته لو طلع غلط … حتى فى الأكل، امتناعك عن أكل السبانخ وانت صغير فى بعض الأحيان بـ يكون سبب فى إحساسهم بالفشل فى العناية بصحتك، مع إنه فى الآخر، اختيار ... لو مش بـ تحب السبانخ فيه مسقعة، فيه ملوخية، فيه حاجات تانية كتير، وكله فى الأول والآخر اختيار.

علاقة الكلام ده بالشغل والموضوع الأساسى مش بعيدة خالص، بالعكس، هى دى أصل المشكلة أساسا، عدم القدرة على "الاختيار" ... الفكرة فى الخوف اللى بـ يتزرع جوانا من كل حاجة، وبـ يتأكدوا إنهم يزرعوه على جميع المستويات، ومن هنا، تلاقى نفسك خلصت المدرسة والثانوية العامة وجبت مجموع وأكلت السبانخ، والحياة هـ تبتدى تاخد طريقها، ييجى يقول لك إيه بقى: "انت كبرت وبقيت مسئول، اعمل اللى انت عايزه"، بس على مين؟ الفيروس بـ يكون عشش خلاص ومفيش مفر ...

تتخرج من الجامعة كده وجواك كل الأمل والتفاؤل، وتبدأ تشوف طريقك فى الدنيا، ومن غير ما تحس تلاقى اختيارات محدودة قدامك، وغالبا ما بـ تنتهى إنك تشتغل فى أكبر شركة تقدر تحط رجلك فيها، المشكلة فين بقى؟ إنك بـ تحس إنك حطيت قدامك كل الاحتمالات والاختيارات، وبنباهتك اخترت الشغل، بس ده ما بـ يحصلش، انت مُسخر من غير ما تحس، فجأة بـ تشوف طبق سبانخ قدامك من بتوع زمان، وكل الزعيق والتهزيق اللى سمعته وانت صغير بـ يبتدى يشتغل فى نافوخك وانت مش حاسس، وتلاقيه خدك من إيدك ووداك للإجابة النموذجية وتبتدى تحسب هـ تجيب أكبر مجموع ازاى علشان تقدر تشترى جزمة سودا جديدة تحطها جنب اللى صغروا عليك، شفت؟! هى نفس الدايرة، مربوطين فيها طول عمرنا، هو نفس الطريق اللى محفور، وبـ تحس إنك اخترته، بس للأسف، إنك اخترت شىء تم اختياره لك من زمان، من وانت بـ تعمل على روحك.


الاختيارات فى الدنيا كتير، مالهاش حدود ومالهاش أساس، مافيهاش صح ومافيهاش غلط، ولا حلوة كلها ولا وحشة كلها ... بس كلهم المفروض مع اختلافاتهم يوصلوك لنفس النتيجة، إنك تبقى مستريح وبـ تعمل أكثر حاجة بـ تحب تعملها، وسبحان الله هـ تلاقى نفسك بـ تعملها أحسن من أى حاجة تانية، بغض النظر عن الشكل أو النتيجة.

وفى الشغل مثلا، اللى اكتشفته، إن الشغل كمضمون، له أبعاد كتير كتير كتير غير اللى قالوا لنا عليها، وكلها مالهاش دعوة بالفلوس، الفلوس دى نتيجة مرتبطة بالرزق، مافيهاش عافية، فيها سعى ومحاولة، وربنا بـ يوزعها وبـ يقسمها مظبوط. وكمية الفلوس اللى بـ تكسبها مالهاش دعوة بحاجة غير الكوبون اللى ربنا خلقك بيه مكتوب فيه كام، بس ... بسيطة ... سهلة ... مريحة.

حاليا بقالى سنتين تقريبا مستقيل، وعدى عليا أيام مفيش داعى لشرحها، صدمات حضارية لسبب اختلاف أسلوب المعيشة اللى كنت متعود عليه من أيام شغلى فى الشركات الكبيرة، بس الاختيار ده باختصار، من أحلى اختيارات حياتى، ورانى حاجات كتير أوى تانية ما أعرفش ليه كانوا مخبيينها علينا، أو مش مخبيينها، كانوا بـ يقولوها، بس ما كانوش مصدقينها، كله كان كلام فى كتب، زى ما تخليش هدفك الفلوس المهم تتعلم، ما تبصش لزمايلك واصرف على قدك، اعمل اللى يريحك، لازم تتعب علشان توصل ... وفجأة، تلاقى كل الضغوط حواليك بـ توصلك لعكس الحاجات دى كلها، وتلاقى نفسك بـ تشوف أكبر مرتب قبل مستوى الشركة، فجأة تلاقى نفسك بـ تدور على أسهل وأسرع طريق للوصول للفلوس دى، وتلاقى أهدافك بدأت تتحول من إنك كنت عايز تتعلم وتشوف الدنيا، إلى إنك عايز تغير عربيتك، أو إنك تبتدى تشترى شقة وتدفع أقساط، أو طبعا إنك تتجوز مع ثانى أو ثالث سنة بعد التخرج ... وتبدأ تشوف الحاجات دى أساسية فى الحياة، وطبعا الضغوط من المجتمع اللى بـ تحول كل "كماليات" الحياة لـ "أساسيات" ... حاجة حزينة ومجتمع حزين ومستقبله يتلخص فى شقة وعربية وعروسة عايزة شبكة غالية ... السؤال الأساسى بقى فى الموضوع ده، كيف نستطيع أن نتقدم فى صناعات أو إنتاجات مصرية وأهداف الناس شقة وعربية ومرتب فى شركة كبيرة؟ الإجابة النموذجية بقى هى "إننا لا نستطيع".

المنطق بـ يقول، إن بداية حياة أى إنسان تتحمل أخطاء وتجارب ومخاطر، والفكرة فى تحديد الفترة الزمينة للبداية، وده أساس المشكلة، دايما بـ نحسبها على أول كام سنة وبعدين نبدأ بقى نفكر بعقل، يعنى وانت عندك ٢٦ أو ٢٧ تبدأ ترسى وتهدا وتبطل تفكر لبعيد وتشوف أمور من منظور ضيق جدا، ليه؟ بجد ليه؟ ليه ما يكونش ٥ سنين، أو ١٠ أو حتى ١٥ وليه ما يكونش العمر كله لو حد مزاجه كده؟ هـ يحصل إيه؟ مش هـ يجيب عربية؟ إيه المشكلة؟ مش هـ يجيب شقة؟ إيه المشكلة برضه؟ مش هـ يتجوز؟ مفيش حاجة اسمها كده، كل حاجة ممكن تحصل بالمقارنة بالنسبة لأهداف حياتك وطموحاتك، الحياة اللى هـ تبقى اخترت إنك تعيشها علشان تعمل اللى فعلا نفسك فيه، هـ تحدد معاها كل تفاصيلها، وهى نسبة وتناسب فى الآخر، وكله بكوبون الرزق اللى ربنا مديهولنا، وده هـ يتحدد معاه مستوى العربية أو المواصلات بشكل عام، هى الدنيا كده، نسبة وتناسب، مفيش مطلق ... لكن إنك عايز تعمل اللى بـ تحبه بس خايف إن ما يكونش معاك فلوس تجيب شقة كبيرة، ده اللى غريب جدا بصراحة!!

الدنيا فيها بلاوى، فيها اختيارات أكثر من اللى علموها لنا واحنا صغيرين، اخرج للدنيا واعمل اللى انت عايزه، تحرر من قيود الفكر العقيم، اشتغل فى شركة صغيرة علشان مقتنع بيها، اشتغل قهوجى لو ده اللى حماسك واخدك له، اللى انت بـ تحبه، اعمله، ولو ما نفعش سيبها وروح شوف حاجة تانية، روح مطرح ما رجليك هـ تاخدك وشوف واتفرج، وعلشان نبقى متفقين، مفيش حد فى الدنيا هـ يقدر يقول لك هـ تلاقى إيه فى أى حتة، حتى لو هو كبير الحتة، كل واحد له تجربته وظروفه ونظرته وإمكانياته فى كل حاجة بـ تتعمل.

خلاصة تجربتى فى المرحلة اللى فاتت، أولا: إن مفيش حاجة اسمها إنك تعمل فلوس الأول علشان تحقق حلمك، علشان العقل بـ يقول إنك لو حققت حلمك هـ تعمل فلوس. ثانيا: إنك تشتغل شغل مش بتحبه علشان تصرف على شغلك اللى بـ تحبه، عاملة بالظبط زى لما تتاجر فى المخدرات علشان تبنى جامع. ثالثا: إننا ما بـ نلعبش فى الطين غير واحنا صغيرين، علشان لما بـ نكبر بـ نخاف البنطلون يتوسخ.

اختيار الخروج للدنيا والبهدلة والكعبلة وتلاقى بنطلونك اتقطع اإحساسها جميل، وعموما لو ما اتقطعش من اللعب، هـ يتقطع منك لما تتخن من كتر القاعدة على المكتب!

الأول كان بـ يسألنى بفضول!

الثانى سألنى بشفقة!

الثالث سألنى بقلق!

صباح الفل ...


أحكوا لهم ياسمين زهدى


أكتب هذه السطور وأنا أشعر بإحباط لم تعرفه نفسى منذ أن وعيت الحياة بكل ضغوطها ومتاعبها التى لا تنتهى. أكتب هذه السطور والقهر حبل خشن يكبلنى، يحز فى جسدى، يؤلمنى، يتركنى مشلولة، عاجزة عن الحركة.


أكتب هذه السطور وأنا أشعر بآخر نيران الأمل بداخلى تنطفئ وتصبح رمادا ما هى إلا أيام ويتناثر ليصبح الأمل بلا أثر على الإطلاق. أكتب هذه السطور والدموع تحرق وجنتى وأنا أخيرا أعترف لنفسى بالحقيقة التى لطالما عرفتها .. ولكن لم تتملكنى أبدا الشجاعة الكافية للإفصاح عنها.

أنا لا أدرى ما إذا كانت تلك الثورة ستعيش لأحكى لأبنائى عن أمجادها كما أتمنى، أو إذا كنت سأعيش أنا لأنجب هؤلاء الأبناء ... لا أدرى، فقد سالت دماء مَن هم أشرف وأنبل وأنقى منى ... فلمَ أسلم أنا؟ ومع كل رصاصة وكل قنبلة وكل ركلة من البيادة يقابلها صمت من الجماهير، تقترب يد البطش من الأحباء والأصدقاء ... ومنى.

مَن أضحك معه اليوم قد أبكى استشهاده غدا ... مَن يُخبرنى أن "شكلك حلو النهارده" قد يفقد عينيه ليلا فلا يستطع أن يرانى مجددا، فأكتب أنا هذه السطور لتحيا إذا متنا نحن ... لتبقى إذا زلنا نحن.


أكتب هذه السطور كى تعرفنا الأجيال القادمة، وكى لا ينسانا من تبقى من هذا الجيل والأجيال التى سبقته ... أكتب هذه السطور كى تحكوا لهم عنا وعن حلمنا الذى فعلوا هم كل شىء حتى يقتلوه، فقتلونا نحن حينما أدركوا أننا سنظل نحلم مادمنا نتنفس.

احكوا لهم أننا عشنا زمنا أصبح المدافع عن الحق فيه مجنونا وأصبح الظلم وتبرير الظلم فيه أمرا معتادا أرادوا لنا أن نتجرعه، نتشبع به ونتعايش معه فأضحينا نفتش عن ذرات الإنسانية المحتضرة بداخل الإنسان نفسه ... ولا نجدها.

احكوا لهم عن المعارك الضارية التى خضناها ... فى الميادين والشوارع، وعلى شاشات التليفزيون، ومع أقرب الأقرباء إلينا ... وعن أشرسها، تلك المعركة اليومية التى كنا نخوضها مع أنفسنا ضد اليأس.

احكوا لهم أنه بعد أن كنا نقضى ليالينا نرقص ونضحك ونشاهد أفلاما، أصبحنا نقضيها مهرولين ما بين قسم ومستشفى ومشرحة ... حتى صارت حياتنا نفسها فيلما أكثر دراما من تلك التى كنا نشاهدها.

احكوا لهم عن أدراج ذكرياتنا التى بعدما ازدحمت بالورود المجففة والصور ورسائل الحب وتذاكر السينما، صارت ممتلئة بالكمامات المهترئة وفوارغ الرصاص والقنابل.

احكوا لهم أننا تركنا أحلاما لا تحصى على الأرفف من أجل الحلم الأكبر ... فمنا مَن لغى سفرا، ومنا مَن هجر حبيبا، ومنا مَن ترك دراسة كانت بالنسبة له كل شىء.

احكوا لهم عن تراب اعتاد الامتزاج بالدماء وألفت أقدامنا الدوس فيه حتى كاد أن يكون شيئا عاديا، عن شوارع أصبح كل ركن فيها شاهدا على استشهاد، عن جدران مدينتنا التى لم يخلُ شبر منها من صورة لشهيد أو دعوة للإفراج عن معتقل فصارت برسوماتها ذاكرة مصورة للوطن.

احكوا لهم أن مَن لم يقض ليله محاربا على جبهة القتال منا، قضاه باكيا على مَن يتساقط هناك، مرتعدا لما يسمعه ويراه، كارها نفسه لغيابه عن الميدان، متأرقا من شدة شعوره بالذنب.

احكوا لهم عن الحزن الذى أثقلنا وصار جزءا لا يتجزأ منا، نتنقل به فى كل مكان، يلازمنا حتى في فرحنا النادر ولحظات الهدوء القليلة، فنضحك وفى مخيلتنا وجه الشهيد، ننام وفى أذننا صوت الرصاص وتأوهات المصابين، ونغسل وجوهنا كل صباح ونحن نتوسل الله ألا يأتى اليوم بمزيد من الدم.

احكوا لهم أن منا مَن فقد عينا ومعها آخر ملامح الخوف بداخله، فصارت عزيمته أكثر صلابة ... ومنا مَن فقد عينين وظل مبتسما، يحقن من حوله بجرعات منتظمة من الأمل.

احكوا لهم عن هـَم أمة بأكملها حملته أكتاف شابة حتى كادت تنهار من ثقل المسئولية ... فصار حق كل شهيد وكل فقير وكل مظلوم فى رقابهم ... قد جعلوا شعبا مقهورا يحلم بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، فكان مستحيلا أن يخذلوه.


احكوا لهم أن منا من أجل زواجا، أو تزوج دون فرحة الموسيقى والزفة والفستان الأبيض، أو قضى شهر عسله فى اعتصام على الرصيف.

احكوا لهم عن أيام أصبحنا نناقش فيها هروبنا من الموت بسخريةسخرية مختلطة بخوف سرى لا يبوح به أحد - فنضحك بينما يحكى كل منا كيف تفادى الرصاص، وكيف كسرت الطوبة خوذته التى من دونها لتهشمت جمجمته، وكيف سقط وهو يجرى وسط دخان الغاز وما كان لينجو لولا صديقه الذى عاد ليحمله خارج ساحة المعركة ... نعم، نضحك! فلم يكن أمامنا خيار آخر.

احكوا لهم أننا عهدنا استخدام كلمات مثل "الهدنة" و"وقف إطلاق النار" و"فض الاشتباك" على أرضنا وكأننا فى حرب هوجاء مع عدو محتل، عن جدار عازل فرق بين أبناء الشارع الواحد، عن نفس ذلك الجدار وقد أصبح نصبا تذكاريا للشهداء ومعبدا للحرية.

احكوا لهم عن هتاف "الشعب يريد إسقاط النظام" الذى صار بمثابة موسيقى تصويرية لحياتنا، وعن الجلسات الودية التى كثيرا ما تحولت إلى مناقشات سياسية محتدمة تاركة وراءها صداقات متصدعة وعلاقات مدمرة، عن الكوابيس المليئة بالعساكر والدماء التى انتابت ليالينا فجعلت من النوم العميق ذكرى بعيدة.

احكوا لهم أن قصصا كثيرة كتبت لها نهايتها قبل حتى أن تبدأ ... تبددت الآمال فى خضم الضجيج والألم، واستنزفت طاقاتنا حتى آخر قطرة فى النضال ونشر الحقيقة والبكاء، فلم تتبق لدينا أى قدرة على العطاء فى الحب.

احكوا لهم عن "المكن" الصينى الذى أصبح رمزا للمقاومة، عن رائحة البطاطا المشوية التى امتزجت برائحة الغاز حتى كدنا لا نستطيع التفرقة، عن رجفة القلب التى كانت تصيبنا كلما اقتربنا من الميدان - تارة شوقا وانشراحا، وتارة أخرى خوفا ورهبة، حين نعلم أن الدم على بُعد خطوات قليلة منا.

احكوا لهم أن شبح السجن صار يطارد كلا منا ... فلـعامٍ كاملٍ امتلأ الإنترنت بصفحات "الحرية لفلان"، وغالبا ما كان فلان صديقا أو صديقا لصديق ... وصارت خدمة رسائل "بـ يتقبض عليا" تستخدم مثل "كلمنى شكرا" ... وقصص س28 ومحاكمات مجحفة وليالٍ طويلة فى زنازين باردة لا تفارق أذهاننا.

احكوا لهم عن جيش نشأنا نسمع عن بطولاته ونتمنى لو كنا عاصرنا عبوره وانتصاره ... فكبرنا لنجده هو يسرق انتصارنا ... عن بدلة خضراء داكنة صارت تجلب شعورا بالغثيان بعد أن كانت تستلهم تقديرا واحتراما، عن "الجيش والشعب إيد واحدة" التى تحولت فى غضون شهور قليلة مليئة بالطغيان إلى "حكم العسكر عار وخيانة".

احكوا لهم عن حرارة وعلاء ومايكل وعمرو وخالد ومينا ورامى وسميرة ومنى وغادة وعصام ... وآخرين حتى الآن لم نعرف أسماءهم. احكوا لهم عن جيل انتفض، عن جيل حارب، عن جيل ضحى.


احكوا لهم عن جيل عظيم، لا تكمن عظمته فى أنه أسقط نظاما فاسدا أو أنه أعاد إحياء أمة كانت قد ماتت منذ عقود، بل تكمن عظمته فى أنه حاول ... والمحاولة فى بلاد مثل بلادنا بطولة.

نعتذر ... نعتذر لأولادنا وأحفادنا إن أتوا فلم يجدوا الوطن الذى حلمنا به لهم فى انتظارهم ... ولكن يُحسب لنا أننا حاولنا ... فاحكوا لهم.


كـُـتبت أثناء أحداث مجلس الوزراء - ديسمبر 2011

سلاسل تكلبش كاذبون! سارة عثمان

لو كان مفيش غير وسيلة مواصلات واحدة كانت الدنيا هـ تبقى جحيم، تخيل كده إن مفيش غير الأتوبيسات مثلا هى الوسيلة الوحيدة للمواصلات فى العالم كله... صباح التحرشات يعنى!


بلاش دى، تخيل كده إن كل الناس بـ تاكل نوع واحد من الأكل وليكن القلقاس... يانهار مش فايت! طيب تخيل كده لو كل فرق الدورى زمالك زمالك زمالك وبرضه بـ يتغلب... يا لهوك!

الاختلاف رحمة زى ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم "اختلافهم رحمة"،
الناس أنواع وأشكال وألوان وطباع وقدرات، يعنى انت تحب حاجة أنا ممكن ما أكونش بـ طيقها أو تشجع فريق غير اللى أخوك التوأم -اللى الناس ما بـ يعرفوش يفرقوكم عن بعض غير بالحسنة اللى فى خدك الشمال- ممكن عادى جدا جدا هواياته والحاجات اللى بـ يميل لها تكون مختلفة تماما عن اللى انت بـ تحبه وتميل له. بالنسبة لك مثلا مشاهدة مباريات التنس متعة لا يمكن وصفها، بالنسبة له هو جحيم أبدى وعقاب إلهى إنه يفضل يتفرج على كرة قد البيضة رايحة جاية بلا هدف. والعكس طبعا لو انت شايف إنك ممكن تتنازل عن نصف ثروتك إللى هى تليفونك غالبا وأربعين جنيه فى جيب البنطلون فى سبيل إنك ما تروحش تحضر حفل توقيع كتاب لكاتب مشهور مثلا.

اللفة الطويلة العريضة دى علشان الخلاف اللى داير فى الشارع بين مبادرة "كاذبون" ومبادرة "مصرنا" أو ما يعرف بسلاسل الثورة، اللى مفيش شك فيه إن الاثنين مفيدين للثورة والاثنين أكيد يعنى مهمين لينا جميعا.


ليه بقى الخلاف والشتيمة والاختلاف والفرقة والاتهامات؟ بصراحة أصحاب مبادرة "مصرنا" ما فتحوش بقهم ولا اتكلموا عن مبادرة "كاذبون" اللى بـ تعرض وبـ تفضح انتهاكات وافتراءات العسكر بل إنهم بـ يدعموا كل عروض كاذبون فى كل مكان، لكن لأن الطبيعة الثورية بـ تحرن ساعات وبـ تدبدب فى الأرض وما عندهاش تفاهم فى أوقات ليست كثيرة يعنى فهم كانوا "حرنانين" جدا وغضبانين أوى وقافشين خالص على عروض سلاسل الثورة مش كل الثوريين طبعا بس ناس كتير منهم، واتهموا سلاسل الثورة إنها عودة للوراء مرة تانية، ورجعة للوقفات الصامتة ووقفات الكورنيش بتاعة خالد سعيد وإنها بـ تبرد الشارع تانى وبـ تبعده عن الروح الثورية.

بس أنا شايفة إن مبادرة سلاسل الثورة كانت مهمة جدا الفترة اللى فاتت بعد ما الناس كانت بدأت تتعب فعلا من المظاهرات والاعتصامات اللى كانت بـ تنتهى فى الآخر بكارثة جديدة تنضم لكوارث العسكر الفاشلين وضحايا جداد وشهداء لا ذنب لهم غير إنهم عايزين مصر حرة بس العسكر مش مستوعبين ده.

السلاسل ببساطة رجعت الناس للشارع تانى... إنك تمسك لوحة أو يافطة وتكتب اللى انت عايزه عليها وترفعها بكل هدوء فى المكان المتفق عليه بـ تلفت النظر من غير صريخ ولا أفورة ومن غير ما تعطل المرور -الحجة الأبدية من أيام الفراعنة- وكمان بـ تعرف الناس إنك تقدر تعمل اللى انت عايزه بسهولة وإنك مش هـ تسكت على حاجة تانى.

الفكرة عبقرية... مش عبقرية أوى أوى يعنى علشان ما ينغرّوش ويتنططوا علينا... بس بجد بعيد عن أى حاجة الفكرة كانت فى وقتها، السلاسل جمعت ناس تانية للثورة ورجعت ناس كانت بدأت تفقد الأمل وتتعب وتزهق واحنا شعب ملول بالفطرة -خصوصا الرجالة- وزهوق بالوراثة خصوصا البنات... يالا علشان محدش يزعل ويمسك فى التانى.

كون إن السلاسل دى تجمع الناس تانى حوالين الثورة ده فى حد ذاته شىء عظيم، مش بس كده لأ السلاسل فى رأيى المتواضع كانت سبب من الأسباب اللى مهدت الطريق للمسيرات العظيمة اللى كلنا شفناها يوم 25 يناير واللى استمرت بعد كده لحد كتابة السطور دى.

فيه ناس تقدر تكون صدامية وبمعنى أصح عندها القدرة على المواجهة المباشرة والصدام مع قوى الشر والظلام والقرف... ناس تانية بـ تختلف عن الطبيعة الصدامية دى وبـ تجنح فى مواجهتها لتكنيك أقل حدة، وأكثر تدقيقا... بس مش معنى كده إن إمكانياتهم أقل أو إنهم جبناء هم دول بتوع سلاسل الثورة واللى بعد فترة مش قليلة هـ يتعودوا على فكرة النزول للشارع وواحدة واحدة مش بعيد نلاقى واحد منهم قائد مظاهرة كبيرة أو مسيرة عند ماسبيرو أو وزارة الدفاع تحت شعار "كله بالحنية بـ يفك".

كل الحكاية إنها قدرات يا فندم... فيه ناس ثورية بطبعها وفيه ناس تانية بـ تتعلم ازاى تكون ثورية يعنى وخدها واحدة واحدة وفيه ناس ثالثة مالهاش فى كل ده وعايزة تفضل زى ما هى. تعالى بقى لبرنس المظاهرات وبوب البوبات وكبير الكبارات كاشف الكاذبين والكاذبات أكيد برضه له ناسه اللى تقدر تقول للغولة "ياغولة عينك احم... حمرا" واللى عارفة تبعات اللى بـ تعمله ومتحملة كل التبعات دى اللى أقصدهم طبعا مبادرة عسكر كاذبون واللى بدأت مباشرة بعد اللى حصل فى التحرير أيام اعتصام مجلس الوزراء وبدأ بعروض فى كل ميدان من ميادين مصر لكشف كذب العسكر وعمل إعلام بديل يعرف الناس الحقايق اللى غايبة عنها بسبب الإعلام الرسمى الحكومى الكاذب والإعلام الخاص الأكثر كذبا... نجحت "عسكر كاذبون" فى خلق إعلام بديل يفضح العسكر ويفضح انتهاكاتهم ويفضح فشلهم ويعرى حقيقتهم قدام كل الناس، الأفكار كانت عبقرية بروجيكتور ولاب توب وشوية حاجات صغيرة كده وهوب يبقى عندك سينما شعبية تقدر تفرج عليها ناس كتير ما عندهاش إنترنت أو ما عندهاش صبر وبـ تجمعهم فى ميدان تحت شعار "لم علينا عبيدك يا رب"... نجحت الفكرة نجاح منقطع النظير رغم كل محاولات المواطنين الشرفاء والبلطجية المأجورين فى تفريق وتحطيم أدوات العروض، لكنها فى النهاية انتصرت على كل ذلك وأصبحت "كاذبون" تنتشر وتتوغل وتستمر من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب حتى وصلت -ويا للعجب- إلى عرين الأسد ماسبيرو الذى جعل النشطاء من مبناه لوحة لعرض كذب العسكر تحت سمع وبصر العسكر أنفسهم فى مشهد سريالى بهيج لا يمكن إنك تصدقه غير فى أفلام داوود عبدالسيد الغارقة فى الفانتازيا... مش بس كده لأ ده كمان تحت ضغط المظاهرات واعتصام ماسبيرو اللى شغال دلوقتى استضاف التليفزيون المصرى مجموعة من الشباب اللى بـ يعملوا العروض دى!! شوف انتقام ربنا يا مؤمن!

قصر الكلام يعنى اللى يقدر على حاجة يعملها اللى قدرته على المواجهة يواجه واللى قدرته على التعبير عن اللى جواه بالطريقة اللى تريحه يعملها وعلى رأى تيتا عايدة "احنا فى عرض المتعافى" لكننا نكسر مجاديف بعض ونشكك فى نوايا بعض هو ده بالظبط اللى العسكر بـ يسعى له وبـ يبذل الرخيص والغالى علشان يوصل له وللأسف ساعات احنا بـ نقدمه له على طبق بايركس ببلاش.

افتكروا دايما إن انتصارنا كان سره الوحيد خوفنا على بعض وإيمان كل واحد فينا إن اللى جنبه فى الميدان مستعد ساعة الجد يفديه بروحه من غير ما يكون يعرفه، وإن شاء الله العسكر الكاذبين يتكلبشوا قريب أوى بالسلاسل.

وحد صفك... كتفى فى كتفك

إلى ولدى أحمد أبو حسين


سأقص عليك قصة لن تصدقها، إنها ليست كالقصص التى كانت تحكيها لك أمك فى مهدك وصباك. سأقص عليك قصة جيل، شباب مثل الورود، كانوا محتقرين من أجيال سبقتهم تم تهميشهم بكل الأشكال، هم حائط لإنجازات أهلهم... يتزوجون... ينجحون... يفشلون... يتدينون... ينحرفون رهن إشاراتهم ورهن إشارة مجتمعهم.

جيل يا ولدى اتهم بالبلادة... اتهم أن أقصى طموحه هو أن يرى فريقه القومى لكرة القدم فى بطولة كأس العالم، جيل هـُمش... جيل نشأ معظمه فى أسر غير الأسر التى يراها فى التلفاز، جيل عنيد... جيل أصيب بالكهولة فى عز شبابه.


أتصدق يا ولدى إن قلت لك إنه فى يوم من الأيام صاح هذا الجيل فاهتزت الأرض ونضحت بما فيها من عزة وكرامة وكبرياء، جيل تصدى لقوة كانت تحكم بلدك مصر بالحديد والنار... جيل رأى الله فى قلبه فآمن... جيل أحب أرض الوطن فلم يمانع أن تختلط دماؤه بتراب الوطن، جيل خرج يصرخ غاضبا بأن لقمة العيش حق لا صدقة... بأن الحرية دين وأن العبودية كفر... بأن العدالة صلب وأساس الحكم... وأن الكرامة عقيدة، لا طموح.

بالطبع هوجم... اتهم بالسذاجة... بل يا ولدى وإذ بالظالم يبكى بدموع التماسيح فأخذ بعض الناس يسبون هذا الجيل، هذا الجيل الذى فـُطم على العنف والإرهاب فى التسعينيات... هذا الجيل الذى تم التآمر على تعليمه ثم تسخر منه الأجيال التى تسبقه لضعف لغته وسوء منهجه.

هذا الجيل الذى شاخ قبل أن يرى زهور الشباب؛ تصدى للظالمين، وتصدى للقناصة الذين اختفوا... وللقتلة الذين لم يقتلوا... وللبلطجية الملقبين بالمواطنين الشرفاء ووقفوا لهم وحاربوهم جميعا؛ تنفسوا الغاز الذى لم يُستورد... واخترقت أجسامهم الخرطوش الذى لم يُطلق، وفقدوا أبصارهم وأرواحهم، والمجرم... سراب ... لا، المجرم عاد، بل المجرم تنكر ولبس رداءه المموه!! أظنك يا ولدى تقرأ عنا فى الكتب... لا تصدق الكتب، صدقنى أنا وصدق جيلى. نحن هذا الجيل الأبىُّ... الجيل الذى ثار بريئا ثم قفز على كتفيه المُـتاجر بالحرية والمُـتاجر بالدين.


نعم نحن هذا الجيل الذى مات منه خالد وبلال ومينا وبهاء... نعم نحن هذا الجيل... جيل البطل أحمد حرارة.

جيل فقد قدوته عماد الثورة والإسلام... شيخ وإمام، جيل يموت بلا ثمن، جيل مازال يحلم بوطن، جيل أحب جيلا قادما بعده... ومستعد أن يضحى من أجله

من أجلك يا ولدى... نبكى كى تبتسم أنت، نـُجرح كى يعلو صهيل ضحكتك، نـُهان كى تـُولد أنت فى كرامة... الرصاص والعذاب ما أحلاهما إن كانا ثمنا لنظرة تقدير منك، ونفقد كل شىء سوى نبضات القلب... لأن هذا موطنك يا ولدى... نبضات قلبى.

جيلى... مُقدرون فى العالم كله إلا أوطاننا، هذه ليست خرافة يا ولدى ولكنها الحقيقة، وكأن كل يوم يمر على هذا الجيل يشبه كربلاء الحسين، ففى كل قلب ثائر حسين... وكل يوم يا ولدى نودِّع حسينا.

لا تصدق ما يقولونه عنا، بل صدقنى وصدق جيلى!! جيلى... جيل يصرخ... يسب... يصلى... يرقص... يصوم... يفرح... يحزن... يبكى... يموت... يحب.

يحب!! لعل هذا هو داؤه، إنه حينما كان طفلا ويردد بلادى بلادى لك حبى وفؤادى كان يعنيها، كان قد وقع فى غرام وطن.

أنا لا أعلم كيف ستنتهى هذه القصة يا ولدى، ولكن هذا الجيل مُهمَل، متروك، مخذول، مقتول، ولكنه عاشق لوطنه، وعشقه إما أن يكون سببا لموته، أو لنصره، ولكنه لن يترك المعركة مهما طالت.


إنه جيلى... جيل منتصر!!


انتصر يا ولدى... انتصر.




إحنا