مجلة إحنا

مجلة إحنا
غلاف عدد نوفمبر

الأربعاء، 7 ديسمبر 2011

ما تبقى من الثورة بداخلى!


كم مرة كتبت عن الثورة؟ عن التحرير؟ عن الشباب؟ عن جيل لا يهاب الرصاص!

لا أتذكر، فلم يبقى داخلى سوى انطباعات، مجرد انطباعات فقط! انطباعات يحفظها قلبى قبل عقلى، أعرف مَن أكره قبل مَن أحب، أعرف مَن أفتقده قبل مَن سأراه، أعرف أين سأذهب عندما تصيبنى هذه الحالة من الضيق والشعور بالقهر والظلم!

أعرف من قتل أبناء وطنى، أعرف من أطلق عليهم الرصاص والغاز، من أطلق عليهم البلطجية ليذبحوهم! أعرف أننا فقدنا الكثير والكثير من شباب هذا الوطن، من شباب لا يختلفون عنك، لهم أحلام كانوا يودون تحقيقها، وأماكن كانوا يحبون الذهاب إليها، وعائلات تحبهم وتحلم لهم بمستقبل!

أعرف معنى الظلام، عندما تظن أنك تحلم، عندما تظن أن عينيك مغلقتين، وتحاول جاهدا أن تفتحهم فلا تجد النور، تنتظر النور ولا يأتى! تعيش فى الظلام ومَن ظلموك يعيشون فى النور، تعرف أنك بطل، لكن للأسف الأبطال لا يكسبون على أرض الواقع، فالنصر فى بلادنا دائما للأشرار!

أعرف أن هناك أما، كلما تعبر من أمام الغرفة، تنسى أنها فقدته، وتمد يدها لتفتح باب الغرفة، فتتذكر أنها خاوية، أن مَن كان يسكنها رحل، ولن يعود من جديد، رغم أنه كان هناك منذ بضعة ليالٍ، لكن الرصاص لا يفرق بين مَن له حلم ومَن له ثأئر ومَن له أم ستبكيه حتى تراه من جديد!

أعرف شعبا ثار، دفع بخيرة أبنائه ثمنا للحرية، ثمنا لمستقبل أفضل لأجياله القادمة، ضحى "بالورد اللى فتح فى جناين مصر"، وبغيرهم وغيرهم! عشرة شهور ونحن ننزف الدم قبل الدموع، وهم لا يرون كل ذلك ثمنا كافيا ليعيدوا لنا حقوقنا، ليتركونا نحصل على حرياتنا!

ربما هو صراع أجيال، لكنى لا أعرف من يحرق المحصول ليؤكد للتربة أنه مَن زرع! لا أعرف أبا يقتل أبناءه ليثبت فقط أنه جدير بدور الأب!

لا أعرف لماذا يتشبثون بكراسيهم بهذه القوة، ألم يسمعوا الهتاف المختلط بالبكاء والدموع! ألم يروا شبابا يفتح صدره لرصاصهم، ألم يعرفوا أن الله قادر أن يقتص لهؤلاء الشهداء، أن يخسف بهم وبكراسيهم وببروجهم المشيدة الأرض، لا أعرف أيضا كيف ينامون كل ليلة، كما لا يعلمون هم أيضا ماذا نشعر كل يوم ونحن ننام تحت سماء الظلم على أرض لم تشهد سوى القهر!

إنى أطلب منك الآن أن تقف ... نعم، تقف حدادا على هذا الوطن، على مَن ضحوا بحياتهم من أجله، على مستقبلهم الذى يسمون المتاجرة به سياسة، على إعلام يستعرض جروحنا ليزيد نسب المشاهدة، على كتاب وصحفيين وأدباء كانوا قدوة ومثالا، والآن أصبحوا أنصاف جبناء!

قف حدادا على حلم فرطنا فيه بمنتهى السهولة رغم أن فاتورته ما زالت الدماء عليها لم تجف!

لا أريد أن أطالبك بشىء، فإن هذه الأوقات لا تحتاج إلى نداءات، إلى استغاثات، إنى فقط أطلب منك أن تتذكر، ألا تنسى مَن ماتوا من أجل كرامتك، من أجل عزتك، من أجل أن ترفع رأسك، من أجل أبنائك، من أجل العدل، من أجل القصاص الذى لم يحصلوا عليه حتى بعد موتهم ...

أريدك أن تتذكر هذا الجيل الذى أفخر أن أكون أحد أبنائه، هذا الجيل الذى غير تاريخ أمة كان فقط مَن يكتب تاريخه هم "الفرعون" و"كهنته" ... تذكر هذا الجيل الذى قرر أنه "ماله"، الجيل الذى يرفض أن يمشى كما علموه "داخل الحيط" ... الجيل الذى ضرب كل أمثلة الشجاعة، والنبل والعطاء ... واعلم إن قتل أحلام هذا الجيل داخل صدوره سيخرج آباء أكثر ضعفا وأشد سلبية من آبائنا، سيخرج أجيال من المسوخ!

اتقوا الله ... اتقوا الله فى هؤلاء الشباب الذين آمنوا بأن وطنهم قد عاد لهم، فلا تسرقوه من جديد!

وفى النهاية، أود أن أقول لمن يخافون الميدان أنها قد يستطيعون إخلاء الميدان ... قد يستطيعون أن تلهونا بالانتخابات ... وربما تنسى عقولنا كما نسينا من قبل، لكنى أؤكد لكم أن قلوبنا لن تنسى، وأننا سنكون يدا واحدة من جديد فى يوم سينفذ رصاصكم قبل أن ينفذ إلى صدورنا!

كريم الدجوى

ليست هناك تعليقات:

إحنا