مجلة إحنا

مجلة إحنا
غلاف عدد نوفمبر

الثلاثاء، 6 ديسمبر 2011

شهادتى عن أحداث شارعى "محمد محمود" و"الفلكى" بقلم :كريم الدجوى

لقد أسعدنى الحظ أن أكون شاهدا على الكثير من أحداث التحرير فى الأيام القليلة الماضية، ليس بصفتى الصحفية، لأننى فى خلال تلك الأيام لم أفكر للحظة فى كتابة مقال أو تغطية، لأن ببساطة ما تراه فى هذين الشارعين وما بينهما من أزقة مظلمة أكبر بكثير من أن يُحكى أو يُوثق!

لن أتحدث عن سبب قيامى بالدخول إلى الشارع، فإنك تدخل ولا تعلم ماذا يدفعك للدخول إلى وادٍ قد لا تخرج منه على ساقيك! فهذا لم يكن طبعى أو طبع كثيرين من الوجوه التى أراها فى الداخل، لكنك تدخل، تشم الغاز البشع من قبل وصولك للشارع أصلا، ولكنك تدخل، ترى مصابا كل ثانية يحمله شباب من عمره، لكنك لا تتراجع!

تسمع من الشباب حولك أن عليك أن تحمى وجهك أو تدير جسمك عند دخولك إلى بدايات الشارع، لأن الخرطوش يستهدف الوجوه، لكنك لا تتراجع، تحمى وجهك مثلما يفعل غيرك، فلا يوجد عندك أدنى مانع فى أن تصاب، تفقد بصرك أو تموت ... فانت تعرف أنك لست أفضل ممن فقدوا أبصارهم وماتوا من أجلك!

مواقف كثيرة للغاية، لا أستطيع التمييز بينها، لا أستطيع تذكر المكان أو الزمان بسبب تواليها بهذه الصورة، لكنى أعرف أنها ستغير من نظرتى للحياة وطريقة حكمى على الأمور.

أتذكر أن يختفى أحد أصدقاء عمرى فى وسط الدخان والزحام والكر والفر، يغيب عن عينى لثوان، فأجد نفسى مدفوعا إلى ما بعد خط النار باحثا عنه، خائفا من نظرة خطيبته لى إذا عدت به إليها جثة هامدة! أتذكر بحثى فى الأزقة المظلمة عن زميلى الذى فقدناه أثناء تعرضنا للرصاص ونحن نؤمن المستشفى الميدانى فى ذلك الشارع الضيق بين محمد محمود والفلكى، وأتذكر صراخى فى الشارع المظلم "رجب ... يا رجب" وسط الجرحى والخائفون والشجعان ...

أتذكر لحظات مرورنا أمام الشوارع الجانبية التى يختبئ فيها من يطلقون علينا النار والغاز من الخلف، وأتذكر لحظة الجرى وكتم النفس فى نفس الوقت لعبور تلك الكمائن، وأتذكر صديقا فقد مننا أثناء عبوره تلك النقطة، وكيف تقسمنا إلى فريقين، فريق يبحث عنه وفريق يعود لخط النار!

أشياء كثيرة لا يمكن أن أختذلها فى مقال أو حتى كتاب، مشاعر متضاربة، خوف وشجاعة، هلع وطمئنينة، ضعف وقوة، سكون وصراخ، حياة وموت ...

لكن ما سيبقى فى عقلى وقلبى هـى تلك اللحظة التى رأيت فيها الحقيقة بالرغم من عينى المغمضة بفعل الغاز، اللحظة التى اكتشفت أننا شباب عزل يحملون طوبا يواجهون آليات حربية من قنابل ورصاص ومدرعات وجنود نظاميين مدربين على المعارك، اللحظة التى اتضحت فيها صورة هذا الجيل الذى لا يهاب الرصاص، يختبئ منه لكن لا يهابه، قد يجرى منه بضع خطوات، لكن مشهد ما فى ذاكرته يدفعه للرجوع وفتح صدره للنار، مشهد شباب أعزل يـُـقبل على مواجهة الرصاص من أجل حلم ... حلم يراه أمانة على عاتقه!

ليس من المهم الآن الخوض فى أسباب تلك الاشتباكات، ولا حاجة لذكر أن لكل منا –شئنا أم أبينا- ثأرا بايت عند هذا النظام القمعى الذى يمثله تلك البدل الميرى، ليس من المهم التأكيد أن بالتأكيد أن نقطة دم واحد أثمن بكثير من مبنى وزارة الداخلية بطوبة وزجاجة ومكاتبه إن كانوا فعلا يدافعون عنها، ليس من المهم كل ذلك ... المهم أن نتذكر الحقيقة الوحيدة المؤكدة ... أننا لم نعد نهاب الرصاص!

ملحوظة:

لم ألقى طوبة واحدة أثناء الاشتباكات، ليس خوفا من العقاب أو رحمة منى بمن لا تحمل قلوبهم الرحمة، ولكن لأنى أعانى من مشكلة فى مفصل الكتف تمنعنى من ذلك، وأنا أذكر تلك المعلومة كمثال بسيط لوجود أشخاص فى تلك الشوارع غير قادرين على الاعتداء على الأمن!

ليست هناك تعليقات:

إحنا