مجلة إحنا

مجلة إحنا
غلاف عدد نوفمبر

الثلاثاء، 6 ديسمبر 2011

"إنها ثورة الكرامة!" بقلم :مريم عبد الجابر



أكتب هذا المقال وأنا منهكة، 6 أيام من الانفعال المتواصل، صداع لا يفارق دماغى حتى نسيته، لا أهدأ، لا أنام بعمق، أحلم بأن تحت منزلى شرطى ينتظرنى أنا تحديدا ليأخذ عينى كما أخذ عين الكثيرين. أنفعل وأنا أشاهد فيديوهات توثق ما حدث، فتنتابنى أحاسيس سلبية مقبضة بالظلم والقهر والعنف السادى والغِلظة، فينفطر قلبى بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. أنفعل وأنا أناقش المعارضين وأقنعهم بأن الحجارة لا يصح أبدا أن تقابل برصاص وقنابل، وأن روحا واحدة تساوى ألف مبنى، وعين واحدة تساوى مليون وزارة، وإن سقوط الشهداء وضياع العيون جاء لتنفيذ ثأر قديم عمره 10 أشهر وليس من أجل المحافظة على المنشآت ولا أمن الوطن فكل ذلك حجج زائفة، وأن شباب معركة محمد محمود كانوا يحمون الميدان بهذه المعركة وحتى لو متهورين، ففى تهورهم دافع وهو الغضب والغضب كثير ما يكون منطقى ويجب استيعابه.


أنفعل حبا وحماسا وأنا فى التحرير، وأنفعل غيظا عندما أعود إلى منزلى وأجد أنصاف المذيعين والسياسيين يملأون القنوات ويتهمون الشباب بقلة النضج والوعى السياسى. وأنفعل الآن باكية لأن خطر فى بالى منظر من سحلوهم بعد أن ماتوا بجانب مقلب قمامة فى مشهد لن أنساه ولن ينساه العالم كله.



أنفعل وأشيط عندما أجد البعض يظنون أن مَن يحتشدون فى العباسية ويخطب فيهم إعلامى المصطبة كما أطلق عليه "توفيق عكاشة" لهم وجهة نظر تـُحترم؟ كيف وهؤلاء يؤيدون ظالما قاتلا؟! فمثلا، إذا صفع أبى أخى ظلما فلن أؤيد أبى فى أى شىء اليوم التالى مع ثقتى فى أبى ومع يقينى بطيبة قلبه، ولكنى رأيته ظالما فصعب علىَّ تأييده وخاصمته حبا فى أخى وكرها فى الظلم وليس فى شخص أبى! ومثال أسهل لو قلت لك أنى أرى الدعارة تجارة مربحة ويصح ممارستها، هل سترى أن وجهة نظرى تـُحترم؟ الحق حق والباطل باطل ولا يحتملون وجهات نظر، هناك من رضى بالظلم وهناك من لا يرضى به.

لا أريد أن أطيل فى كلامى ولو أردت لن أستطيع، فأنا كشخص كلما كانت نقطتى بديهية مفهومة بالفطرة كلما صعب عليا شرحها، لا أجد شيئا أقوله فى أمر بديهى لا يتطلب سوى العين والإحساس والضمير لتفهمه، إن لم تمتلك تلك الأشياء لن تقتنع ولن تتفاعل ولو نزل أرسطو بنفسه ليقنعك بضرورة تفاعلك مع ما حدث وضرورة وجودك الآن فى التحرير أو مساهمتك فى أى عمل يخدم المعتصمين حتى ولو بالدعاء لهم وعلى من ظلمهم وذلك أضعف الإيمان، أما أن تسبهم وتتمنى لهم الحرق وتفرح لما حدث لهم معتقدا أن "العيال دى مش هـ تيجى إلا بكده" فمعنى ذلك أن أنت "اللى عيل مش بـ تيجى غير بكده" فاعتقدت أن الكل مثلك وأنك تمتلك عينا بلا بصيرة وإحساسا تبلد وضميرا نائما، كيف تفكر؟ فإذا كان دافعك احتياجك للاستقرار ... فأى استقرار بلا كرامة؟ من رضى بالإهانة والذل لغيره حتى يعيش هو آمنا مستقرا سوف يأتى يوم يُهان هو فيه ويُذل ويرضى غيره بذلك من أجل استقراره وأمانه! أما لو كان دافعك أن الحاكم لا يُهان وخاصة إن كان عسكرى، فالحاكم لا نهب له هيبته بل يكتسبها هو بأفعاله، وبالطبع لا تكتسب أبدا الهيبة والشعبية بالضرب والدهس والوقيعة بين الشعب ونقض الوعود والسحل والقتل ثم الكذب والإنكار والتلصص من مسئولية كل ما سبق، أما لو كنت معترفا بوقوع ظلم وعدم صلاحية الحاكم ولكنك تراه طوق نجاة لتلك الفترة، فمَن كان يعلم ماذا سيحدث بعد مبارك؟ حينها الكل كره الظلم وثار ضده وزاد الإصرار من أجل الشهداء حتى سقط مبارك ونظامه وجاء غيره، وعندما يسقط سوف يأتى غيره حتى يأتى من لا يهاب إلا الله ولا يعنيه إلا أن تظل رأس المصرى مرفوعة.


أنا غير مهتمة بالحياة السياسة ولكنى مهتمة بما هو أبقى وأهم، أنا مهتمة بالإنسانية! أنا حتى لم أشارك فى الـ 18 يوما المعروفين (لأسباب تبعد تماما عن عدم تأييدى للثوار) كما أن ثقافتى السياسية محدودة، لا أعرف إلا ما يجب أن أعرفه وأتلقى المعلومة السياسية كدواء مر، فهى لعبة يصعب فهمها وقذرة وأكرهها. ولكن لم يهزنى حدث عام كما هزنى ما حدث فى 19 نوفمبر. فالأمر لا يتطلب منك أن تكون مولودا ثائرا ومن أعمدة 25 يناير ولا أن تكون سياسيا من بيت سياسى وتحفظ أسامى أحزاب مصر منذ أيام سعد زغلول، إطلاقا! الأمر يتطلب منك أن تكون إنسانا يثور على ما يمس كرامته، كرامة أهل بلده.


القضية هذه المرة قضية كرامة ... إنها ثورة الكرامة.


ولا يمكن أن ينتهى كلامى دون أن أوجه تحية من شخص جبان كان يقدم خطوة ويرجع فيها وهو ذاهب للميدان مرعوبا من الموت أو من أن يعود منزله بعاهة، تحية منى ... للشهداء ... المجد لكم! وتحية منى لكل من فقد عينه، فيوما ما سيجد ابنك فى عينك المفقودة فخر وحكاية يتباهى بها أمام زملائه.


وتحية منى لسائقى "المكن الصينى" وسائقى سيارات الإسعاف والأطباء الذين يعملون فى ظروف أكثر من صعبة، فالطبيبة التى تسهر تعمل فى تلك الظروف خير لمصر من 10 رجال جالسون يتبادلون النكات على القهوة!


هؤلاء يجعلونى أفخر أنى أنتمى لهذا الوطن حتى بعباسيته.


ليست هناك تعليقات:

إحنا