بعد ما قبضوا على بعض المعتصمين خلال فض أعتصام 9 مارس، رحلوهم على السجن الحربى، وخلال التحقيقات اللى كانت مليانة إهانات وإنتهاكات، خدوا من البنات 8 ناشطات واللى منهم سميرة، دخلت سميرة "أودة" شبابكها مفتوحة وطلبت منها ست تقلع هدومها كلها، ولما ما رضيتش دخل ظابط كهربها، فقلعت، وتم الكشف عليها بدون رضاها، وضابط رايح يتفرج وظابط جى يتفرج واللى يصور واللى يضحك. خرجت سميرة من السجن الحربى،هديت وبعدين قررت أنها مش هـ تسيب حقها، وبقرارها ده بقت البنت الوحيدة من الـ8 ناشطات اللى رفعت قضية على المجلس العسكرى، المسماه بقضية كشف العذرية.
أنا مش فاكرة عملت وحضرت كام لقاء من ساعة ما أشتغلت هنا، بس لو مليون حوار، برضه مفيش حد أتشرفت إنى قابلته قد سميرة، بنت جدعة وقوية وصامدة وعنيدة وشجاعة وصريحة زى السيف، ده غير أنها ذوق ولسه قادرة تضحك...
كنت فى النيابة العسكرية ليه النهارده؟
موضوع مستفز ولحد دلوقتى مش فاهمة طلبونى ليه أساسا! هم كده، كل شوية ... "ألو أيوا أنت سميرة؟" " أيوا أنا" ... "طب عايزينك فى النيابة بكرة الساعة كذا" ... بصى زى ما تقولى كده إن كل شوية يجيبونى ويجسوا نبضى إن كنت هـ اتنازل ولا لأ ...
وأنت طبعا استحالة ...
انت أكيد شفتى الفيديو اللى أنا بـ احكى فيه اللى حصل لى ... أتنازل ازاى بعد كل ده؟
شفته بس كنت عايزة أسمع منك وجها لوجه إيه اللى حصل ...
صعب، نفسيا والله صعب عليا. مش قادرة أعيد الحكاية. انت مش هـ تصدقى كم الألم النفسى والجسدى اللى مريت بيه ... أنا قعدت فترة أتعالج نفسيا.
أنا متخيلة طبعا ...
لأ فوق ما تتخيلى ... يعنى كنت كل ما أقول أكيد آخرهم كذا، ألاقى أقذر! يعنى مصنفات العفو الدولية صنفت اللى حصل لى بأبشع جريمة حصلت فى 2011 ... يعنى شوفى القذافى مات ازاى بس اللى حصل لى كان بالنسبة لهم أبشع!
اللى حصل معاكِ حصل مع كام واحدة كمان؟
بصى هم كانوا مركزين عليا وعلى الـ7 ناشطات اللى معايا ... وانا ما أعرفش أساميهم بس عارفة شكلهم لأنهم كانوا من اللى بـ ينزلوا من قبل 25 يناير.
الـ7 حصل لهم نفس اللى حصل لك؟
أيوا
طب ليه مش معاكِ فى قضيتك؟
أنا طلبت منهم كتير أوى يتكلموا ويرفعوا القضية معايا ... بس ما رضيوش!
خافوا؟
يمكن خافوا ... الانتهاكات اللى حصلت لنا أفظع من إن يبقى الكلام عنها سهل، وكمان الموضوع حساس جدا، غير إن فكرة إنك ترفعى قضية على المجلس العسكرى، وبـ تحاربى الإعلام اللى عايز يدارى الحقيقة، وبـ تحاربى فكر ناس ضدك، ده غير بقى التهديدات اللى بـ تيجى لك كل شوية ...
على تليفونك؟
أيوا من "أرقام محظورة" أو "غير معروفة" ... ورحت أقدم بلاغ للنائب العام قال لى هاتى لى رقم الأول مفيش بلاغ ضد رقم مش معروف ...
وبـ يقولوا لك إيه فى التهديدات؟
مصيرك هـ يبقى زى خالد سعيد ... مفيش ثورة ... الثورة مش هـ تنفعك ... كلام كده!
ما كانش فى حد فيهم كويس، ولا حد باين إن صعبان عليه اللى بـ يحصل لكم ؟
خالص! دول كانوا بـ يتسابقوا مين يبقى أشطر من التانى فى الذل والإهانات، مين هـ يغرز وش البنت اللى فى إيده فى الرمل أكتر! كانوا بـ يتعاملوا معانا كأننا حشرات، احنا اللى خربنا البلد، احنا اللى مشينا الرئيس! الرئيس بتاعهم وقالها لى الظابط فى وشى: "خلاص ما بقاش رئيسكم بس هـ يفضل الريس بتاعنا" ...
ولا حتى الست اللى طلبت منك تقلعى وحضرت التجاوزات اللى بعدها؟
ولا أى حد ... هم فى مخهم كلهم إن احنا اللى خربنا البلد، وإن أى حاجة يعملوها معانا وفينا دى حلال ومن حقهم ...
كنت تتوقعى من هذه المؤسسة العسكرية كل التجاوزات دى؟
آه وانا من يوم 28 وانا مش بـ ثق فيهم ...
ليه بقى؟
فيه عربيتين خاصتين بالجيش المصرى كانوا بـ يمونوا الداخلية، واحدة منهم اتحرقت والتانية هربت...
الرواية دى اتقالت كتير ، انت شفتيها بعينك يعنى؟
لا يا حبيبتى شفتها بعينى فى ميدان التحرير ...
يعنى ما فرحتيش بالجيش زى الشعب ما فرح!
ده أنا حزنت! كنت عارفة احنا رايحين على فين، مش حسنى مبارك قال أنا أو الفوضى؟ أهو هم الفوضى بقى! والعسكر دلوقتى بـ يلعبوا يا أنا يا الإسلاميين، وطبعا الناس تترعب من الإسلاميين اللى هم أصلا أصحاب صفقات.
غريبة إنك بـ تقولى كده وانت والدك وخالك إسلاميين ...
آه بس أنا بـ قول لك الحق والصراحة ...
طب هايل
أنا دلوقتى همى كله شباب الثورة اللى مالهمش أى صفقات ولا مصالح اللى بـ يموتوا فعلا علشان البلد تبقى أحسن، دول عندى طبعا أحسن مليون مرة من بتوع الانتخابات والبرلمان والبتنجان ... يعنى أنا والدى دلوقتى أصلا بقى مع مين؟
مين؟
بقى مع الشباب ... راح انتخب الثورة مستمرة، فهو آه إسلامى بس شايف إن اللى عمل الثورة هو اللى يجنى ثمارها وإن لو كان الإسلاميين عملوها، كان ياخدوها بس مش هم اللى عملوها! أنا بابا بـ قول له مرة: يا بابا شكلهم هـ يهجموا على الميدان، عيط! على طول يقول : "الشباب حرام يموتوا ... ليه يموتوا؟"
أنا ملاحظة إنك متأثرة بوالدك ...
تبتسم أنا أبويا عندى حاجة كبيرة أوى
طيب بمناسبة الأهل، أنت من سوهاج يعنى صعايدة، ووالدك وخالك إسلاميين، فانا متفاجأة إنهم ساندوكى رغم إن فى مجتمعنا مفيش أهالى كتير هـ يساندوا بنتهم فى قضية زى قضيتك ...
بصى، أنا قررت آخد حقى وانا داخلة السجن الحربى، ولما خرجت وعليا سنة سجن أبويا قال لى التاريخ بـ يعيد نفسه، علشان فى التسعينيات اتحاكم عسكريا لأنهم لفقوا له قضية اغتيال الوزير السابق زكى بدر، بس طلع براءة ... أبويا عرف الظلم كويس وعارف أنا حاسة بإيه وبـ يدعمنى جدا.
ليكى إخوات ولاد؟
أخ أصغر
طب ورأيه إيه؟
بـ يساندنى جدا جدا ... أنا لولا أسرتى كان زمانى دلوقتى فى الباى باى ...
أنا ملاحظة إنك قوية بيهم ...
بالظبط كده، أنا داخلة فى المجلس شمال مستقوية بأهلى ...
يا ريت كل الأهالى كده فى حق ولادهم والله ... بـ تشتغلى إيه يا سميرة؟
أنا كنت بـ اشتغل مديرة تسويق فى شركة أدوات تجميل هـ احتفظ باسمها بس اتفصلت
فصلوكى؟ ليه؟
لأن بعد ما خرجت من السجن الحربى، الشرطة العسكرية راحت تسأل عليا هناك ... ففصلونى ... مش مهم مش دى القصة هى أساسا البلد بـ توقع!
إيه رأيك بقى فى موضوع إن البلد بـ توقع فكفاية وحرام عليكم يا بتوع التحرير وكده؟
أيوا بـ تقع بس مش حرام علينا احنا، حرام عليهم هم! مش كفاية احنا! كفاية يا مجلس! كل يوم بـ يمر والمجلس قاعد فيه بـ نخسر أرواح.
ليكِ فى السياسة من زمان ... من أولى ثانوى؟
(تضحك) آه كنت كاتبة موضوع تعبير فى أولى ثانوى، كانوا قالوا لنا اكتبوا عن دور الجيش العربى العظيم فى التصدى لإسرائيل، طبعا بمنتهى التلقائية والصراحة قلت دور إيه؟ ده فيه مدابح فى فلسطين ومفيش وزير من عندنا طلع يقول لهم بخ حتى! لاقيت تانى يوم فى امتحانى ظباط أمن دولة جم شدونى من اللجنة، واتحقق معايا، وسابونى!
شايفة إن هـ يقوم لنا قومة تانى وفيه 25 يناير تانى؟
صعب الواحد يتوقع أى حاجة دلوقتى! بس أنا كسميرة من ديسمبر اللى فات وانا بـ وعى الناس فى الشارع وبـ قول لهم ينزلوا وما يرحلوش، ومالهمش صالح بالتيارات السياسية الفاسدة لأن احنا عندنا كارثة اسمها الفساد السياسى وكارثة اسمها التعتيم الإعلامى ... يعنى مؤتمر المجلس العسكرى ده، ليه ما يجيبوش ثوار فى المؤتمر يتكلموا ويترد عليهم؟ وطب ليه ما يتعرضش على نفس القناة مؤتمر تانى بقى للثوار يتكلموا فيه؟
انت شايفة إن الشغل فى الشارع هو الحل ...
بالظبط، التوعية، آه هـ نتعب وهـ نغلب، يعنى الواحد ما بقاش عارف يفكر فى قضيته ولا فى اللى المفروض يتحاكموا وما نعرفش هم فين أصلا، ولا فى اللى ماتوا ولا فى اللى هـ يموتوا، بس لازم نتعب، وزى ما أبويا بـ يقول: دى مصر وتستاهل أكتر من كده ...
فيه ناس كتير أوى متعاطفين معاكِ وعايزين طريقة عملية يساندوكى بيها ...
والله أنا لما أشوف أو أسمع عن ناس ضد الثورة أصلا بس مع قضيتى، مش هـ تصدقى بـ افرح قد إيه ... أنا مش عايزة غير دعمهم معنويا ... ممكن يعملوا لى follow بس على التويتر SamiraIbrahim4 ويتكلموا معايا ويعرفوا مواعيد جلسات القضية وكده ...
آخر سؤال ... بتنامى بالليل كويس؟
(تبتسم) أنا أول ما كان بـ ييجى لى استدعاء فى النيابة، كنت بـ اترعب! والحقنى يا بابا كلم المحامى يا بابا، دلوقتى بـ انزل وأروح كأنه مشوار عادى. بقيت أنام علشان بقى عندى لا مبالاة، هـ يعملوا إيه؟ هـ يقتلونى؟ هـ موت؟ طب خلاص أموت ...
بعد الشر وربنا معاكِ وكلنا معاكِ واتشرفنا بيكِ جدا جدا ...
ألف ألف شكر يا مريم ...
لينك للفيديو اللى سميرة بـ تحكى فيه عن تجربتها بالتفصيل :
http://www.youtube.com/watch?v=yZrorJuH3zo
تم هذا الحوار قبل صدور حكم قضائى -يوم الثلاثاء 27 ديسمبر- بإلزام القائد الأعلى للقوات المسلحة بوقف تنفيذ قرا إجراء فحوص طبية إجبارية وبالأخص كشوف العذرية على الفتيات. إذن القضاء الإدارى يؤكد : كشف العذرية باطل. وهذا يعتبر إنتصارا لها.
الأربعاء، 18 يناير 2012
الخميس، 12 يناير 2012
كوكب من الندم - مريم عبد الجابر
ترددت كثيرا بين أن أكتب هذا العدد وبين أن أمتنع، فالكلام يعجز عن وصف ما بداخلى والحروف لا تسعفنى، ونادرا ما يحدث ذلك.
منذ الشهر الثالث من السنة وأنا أغضب بشكل تدريجى حتى وصل غضبى إلى ذروته فى الشهر الأخير منها، أقصد منذ فض اعتصام 9 مارس حتى فض اعتصام مجلس الوزراء. ولا أعرف هل هى صدفة أن تكون بداية الانتهاك "فحوصات عذرية" فى مارس ونهايتها سحل امرأة حتى تتعرى ثم القفز على صدرها؟ أم هو أسلوب قمعى تكرر خلال السنة ولم نعرف منه إلا أشهر حادثتين؟
عندما يتحرش بى أحد المكبوتين فى الشارع، أشعر بضيق لا يوصف، أشعر بأنى عارية أمام الكل، أشعر بالغيظ، بالسخط، بالضعف، بالقرف من البلد كلها، وأشعر بالخجل من جسمى وأتمنى أن أخفيه لحظتها، وأشعر بالإحراج لو شهد أو سمع أحد ما تعرضت له. فكيف كان شعور الفتيات وهن يخضعن لفحوصات عذرية فى غرفة شبابيكها مفتوحة، يطل منها عيون وقحة، وأفواه قذرة تتهامس وتضحك، وأيد تحمل كاميرات تصور لحظات سوف ترضى أحاسيسهم السادية فى فترة لاحقة من اليوم؟ كيف هو شعور الفتاة التى تعرت من شدة السحل فأصبحت صورتها وهى نصف عارية على أغلفة الصحف العالمية قبل المحلية، وملأت شبكات التواصل الاجتماعى وتم توزيعها على الناس فى الشارع؟
كيف يشعرن تجاه أجسامهن المتهتكة؟ بالتأكيد ليس شعور بالعار، أنا واثقة أنه ليس شعور بالعار، أنا واثقة أن فتيات تحلين بشجاعة تفوق شجاعة بعض الرجال لا يعرفون الشعور بالعار، ولكنه إحساس بالإحباط والخيانة ...
نعم خانوهن الإعلاميون الذين تصنعوا البكم والصم فيما يخص فحوصات العذرية وتخاذلوا فى تسليط الضوء عليها إلا عندما خرجت تلك الفتاة الصعيدية "سميرة إبراهيم" وحكت القصة بما فيها من وحشية وإهانة وأصبح لديها قضية، وعندما خرجت استفسارات سطحية وغير موضوعية عن ملابس الفتاة وما تحت ملابس الفتاة، فقط لتشكيك المُـشاهد وتوجيهه لفكر خاطئ لا يدين ما حدث من جريمة فى حق الإنسانية وحق نساء مصر.
نعم خانوهن أصحاب الذقون الكبار عندما عرفوا بـ "فحوصات العذرية" الإجبارية على فتاة مسلمة محجبة، ولم يأخذوا موقفا جماعيا يهز العالم كله! خانوهن عندما خرجوا ينفون أن فتاة التحرير منتقبة وكأنها طالما لم تكن منتقبة فليست منهم، ولم يستعينوا بما حفظوه وصموه من ﺁيات وأحاديث فى فكرهم المتخاذل، مما جعلنى أتساءل، لو كان الشيخ الشعراوى بيننا ماذا سيكون رأيه يا شيوخ يا أفاضل؟
نعم خانوهن الكثير من سيدات مصر، فالسيدة الوحيدة التى حضرت فحوصات كشف العذرية، خانتهن عندما أشرفت على تلك الجريمة بدم بارد ولم يهزهها المنظر ولم تحاول أن تحميهن أو تسترهن بل رأت أنهن مجرمات وتستحقن. خانوهن السيدات اللواتى لم يتحركن ليساندن "فتاة التحرير" مبررات لأنفسهن تكاسلهن بأن "هى اللى بهدلت نفسها ولبست خفيف كمان".
أعتذر لفتيات كشف العذرية وعلى رأسهن "سميرة إبراهيم" التى وقفت فى وجه حاكم ظالم ومجتمع مستعد للتنازل عن حقه منعا للفضيح، فأهنئها على شجاعتها، ولقد علمتنى دروسا دون أن تعلم.
أعتذر لفتاة التحرير، وأقول لها أنت فى عيوننا مستورة أكثر من آخرين مفضوحين، أنت فوق رأسنا جميعا، ولكى حق لدينا جميعا.
وأشعر بالأسف لأهالى شهداء العام الماضى، ولتعلموا أن المجد لهم ولن ننساهم.
وأشعر بالأسف لكل مصاب، ولتعلموا أن فى عجزكم قوة لن تعرفوها إلا إذا وقفتم مكانى ونظرتم لأنفسكم، وأن فى إصابتكم حكاية، احكوها دائما حينها سيتضاءل حجم إصابتك وتكبر عزتك فى عيون مَن يسمع.
وأشعر بأن هناك كوكب من الأحزان والهموم تجاه كل ما يحدث مستقر على أكتافى لا يتحرك، وكوكب أثقل من الندم لأنى فى يوم هتفت كالبلهاء "الجيش والشعب إيد واحدة".
منذ الشهر الثالث من السنة وأنا أغضب بشكل تدريجى حتى وصل غضبى إلى ذروته فى الشهر الأخير منها، أقصد منذ فض اعتصام 9 مارس حتى فض اعتصام مجلس الوزراء. ولا أعرف هل هى صدفة أن تكون بداية الانتهاك "فحوصات عذرية" فى مارس ونهايتها سحل امرأة حتى تتعرى ثم القفز على صدرها؟ أم هو أسلوب قمعى تكرر خلال السنة ولم نعرف منه إلا أشهر حادثتين؟
عندما يتحرش بى أحد المكبوتين فى الشارع، أشعر بضيق لا يوصف، أشعر بأنى عارية أمام الكل، أشعر بالغيظ، بالسخط، بالضعف، بالقرف من البلد كلها، وأشعر بالخجل من جسمى وأتمنى أن أخفيه لحظتها، وأشعر بالإحراج لو شهد أو سمع أحد ما تعرضت له. فكيف كان شعور الفتيات وهن يخضعن لفحوصات عذرية فى غرفة شبابيكها مفتوحة، يطل منها عيون وقحة، وأفواه قذرة تتهامس وتضحك، وأيد تحمل كاميرات تصور لحظات سوف ترضى أحاسيسهم السادية فى فترة لاحقة من اليوم؟ كيف هو شعور الفتاة التى تعرت من شدة السحل فأصبحت صورتها وهى نصف عارية على أغلفة الصحف العالمية قبل المحلية، وملأت شبكات التواصل الاجتماعى وتم توزيعها على الناس فى الشارع؟
كيف يشعرن تجاه أجسامهن المتهتكة؟ بالتأكيد ليس شعور بالعار، أنا واثقة أنه ليس شعور بالعار، أنا واثقة أن فتيات تحلين بشجاعة تفوق شجاعة بعض الرجال لا يعرفون الشعور بالعار، ولكنه إحساس بالإحباط والخيانة ...
نعم خانوهن الإعلاميون الذين تصنعوا البكم والصم فيما يخص فحوصات العذرية وتخاذلوا فى تسليط الضوء عليها إلا عندما خرجت تلك الفتاة الصعيدية "سميرة إبراهيم" وحكت القصة بما فيها من وحشية وإهانة وأصبح لديها قضية، وعندما خرجت استفسارات سطحية وغير موضوعية عن ملابس الفتاة وما تحت ملابس الفتاة، فقط لتشكيك المُـشاهد وتوجيهه لفكر خاطئ لا يدين ما حدث من جريمة فى حق الإنسانية وحق نساء مصر.
نعم خانوهن أصحاب الذقون الكبار عندما عرفوا بـ "فحوصات العذرية" الإجبارية على فتاة مسلمة محجبة، ولم يأخذوا موقفا جماعيا يهز العالم كله! خانوهن عندما خرجوا ينفون أن فتاة التحرير منتقبة وكأنها طالما لم تكن منتقبة فليست منهم، ولم يستعينوا بما حفظوه وصموه من ﺁيات وأحاديث فى فكرهم المتخاذل، مما جعلنى أتساءل، لو كان الشيخ الشعراوى بيننا ماذا سيكون رأيه يا شيوخ يا أفاضل؟
نعم خانوهن الكثير من سيدات مصر، فالسيدة الوحيدة التى حضرت فحوصات كشف العذرية، خانتهن عندما أشرفت على تلك الجريمة بدم بارد ولم يهزهها المنظر ولم تحاول أن تحميهن أو تسترهن بل رأت أنهن مجرمات وتستحقن. خانوهن السيدات اللواتى لم يتحركن ليساندن "فتاة التحرير" مبررات لأنفسهن تكاسلهن بأن "هى اللى بهدلت نفسها ولبست خفيف كمان".
أعتذر لفتيات كشف العذرية وعلى رأسهن "سميرة إبراهيم" التى وقفت فى وجه حاكم ظالم ومجتمع مستعد للتنازل عن حقه منعا للفضيح، فأهنئها على شجاعتها، ولقد علمتنى دروسا دون أن تعلم.
أعتذر لفتاة التحرير، وأقول لها أنت فى عيوننا مستورة أكثر من آخرين مفضوحين، أنت فوق رأسنا جميعا، ولكى حق لدينا جميعا.
وأشعر بالأسف لأهالى شهداء العام الماضى، ولتعلموا أن المجد لهم ولن ننساهم.
وأشعر بالأسف لكل مصاب، ولتعلموا أن فى عجزكم قوة لن تعرفوها إلا إذا وقفتم مكانى ونظرتم لأنفسكم، وأن فى إصابتكم حكاية، احكوها دائما حينها سيتضاءل حجم إصابتك وتكبر عزتك فى عيون مَن يسمع.
وأشعر بأن هناك كوكب من الأحزان والهموم تجاه كل ما يحدث مستقر على أكتافى لا يتحرك، وكوكب أثقل من الندم لأنى فى يوم هتفت كالبلهاء "الجيش والشعب إيد واحدة".
عندما يخاف الثائر من الثورة! - وسام شريف
إحساس بالخنقة، كأنك محبوس فى زنزانة مترين فى مترين.
زنزانة كئيبة، يكتنفها ظلام دامس يحاول مرارا وتكرارا إنه يمتصك جواه، بس الحاجة الوحيدة اللى مانعاه هو الضوء الخافت اللى بـ ينبض من جواك على فترات. مفيش نسمة هواء جوا زنزانتك، بس الغريب إنك مازلت قادر تتنفس، كأن روحك بـ تقتصد فى التنفس علشان تبقى على آمالك فى نصر يبدو فى اللحظة دى بالذات بعيد المنال.
فى عز الظلام ترى ظل اعتدت على رؤيته، وبالرغم من كرهك له بقيت بـ تعتبره هو خليلك الوحيد فى أوقات الشدة والأزمات. صاحبك، اللى مش صاحبك أوى، بـ يقرب منك بابتسامة هى مزيج من السخرية والتشفى وبـ يقعد جنبك وبـ يبتدى الأسطوانة المشروخة بتاعة كل مرة! بس المرة دى مش زى كل مرة، علشان انت قربت تقتنع بالكلام اللى بـ يقوله لك، مع إنك كنت بـ تنفر منه كل ما بـ تسمعه. بس المرة دى انت تعبت، مش قادر، ما بقيتش قادر تحتمل الظلم والذل أكثر من كده!
وياريتها جَت على المهانة وبس، لكن اللى بـ يقتلك فعلا هو الشعور بالعجز! أصل الشعور بالعجز ده هو محمود المليجى بتاع المشاعر، أكثرها شرا وتدميرا، وانت ما بقيتش قادر تشوف شعب – فجأة اكتشفت إنك بـ تحبه – بـ تتهان كرامته وبـ تـُستحل دماؤه من غير ما تبقى قادر ترفع عنه ظلم أو أذى. فعلى إيه المقاومة والإصرار على العذاب؟ الكلام اللى بـ يقوله صاحبك مريح ومقنع ...
"مش ممكن فعلا يكون فيه ناس بـ تستغل ثورتكم علشان تخرب البلد؟ هو لازم يعنى يكون المجلس بـ يكدب عليكم طول الوقت؟ ما هم خايفين على البلد برضه! إيه ضمن لك إن كل اللى فى التحرير ناس كويسين بجد؟ عمرك ما حسيت إنكم زودتوها؟ طب بذمتك مش حرام الناس اللى عمالة تموت على الفاضى دى؟ أصل مهما المجلس عمل انتم مش هـ ترضوا، انتم دخلتوا فى حلقة مفرغة من الاعتراض! وبعدين، هل عندك حلول بديلة يا خبرة؟ ده غير إن مطالبك مش واقعية! روح بيتك لأهلك، هم أحوج لك، انت بشر ومش معصوم من الخطأ، راجع قراراتك واختياراتك. وكمان انت أصلا ضعيف، هـ تعمل إيه لوحدك؟!"
وشوية بشوية، يقينك بقضيتك بـ يضعف وبـ يتمحى وبـ يُستبدل بما هو عكسه تماما. بس مش مهم، انت كده هـ ترتاح ومش بعيد كمان ترجع لحياتك الطبيعية بتاعة زمان، أيام ما كانت همومك مش بـ تتعدى محيطك الشخصى. جو القومية ده عمره ما كان أولوية أصلا!
تمام كده ...
لأ مش تمام!
"علشان انت مش انهزامى! علشان اللى اتعمى واللى اتحبس واللى انتـُهك عرضها! علشان ما ينفعش تبتدى حاجة – أقل ما يُـقال عنها إنها عظيمة – وتستسلم لليأس والاكتئاب قبل ما تكملها! علشان حزنك على الحاضر هـ يكون هو السبب فى سعادتك فى المستقبل! علشان انت مش أحسن من إخواتك اللى جعلوا من أرواحهم جسر علشان تعبر انت عليه وتكمل المشوار!"
الضوء اللى جواك بـ يقوى تانى ونبضاته بـ تعلى لدرجة إن "صاحبك" بـ يتنفض من مكانه وبـ يحاول يهرب، كالعادة. لكن المرة دى غير كل مرة، علشان انت خلاص عرفت ديته ومسكته من قفاه قبل ما يفلت وطبقت فى زمارة رقبته لحد ما تلاشى وذهب إلى غير رجعة!
روحك بـ تنفجر وبـ تحررك من زنزانتك.
تفاءل، مسيرها تروق وتحلى.
زنزانة كئيبة، يكتنفها ظلام دامس يحاول مرارا وتكرارا إنه يمتصك جواه، بس الحاجة الوحيدة اللى مانعاه هو الضوء الخافت اللى بـ ينبض من جواك على فترات. مفيش نسمة هواء جوا زنزانتك، بس الغريب إنك مازلت قادر تتنفس، كأن روحك بـ تقتصد فى التنفس علشان تبقى على آمالك فى نصر يبدو فى اللحظة دى بالذات بعيد المنال.
فى عز الظلام ترى ظل اعتدت على رؤيته، وبالرغم من كرهك له بقيت بـ تعتبره هو خليلك الوحيد فى أوقات الشدة والأزمات. صاحبك، اللى مش صاحبك أوى، بـ يقرب منك بابتسامة هى مزيج من السخرية والتشفى وبـ يقعد جنبك وبـ يبتدى الأسطوانة المشروخة بتاعة كل مرة! بس المرة دى مش زى كل مرة، علشان انت قربت تقتنع بالكلام اللى بـ يقوله لك، مع إنك كنت بـ تنفر منه كل ما بـ تسمعه. بس المرة دى انت تعبت، مش قادر، ما بقيتش قادر تحتمل الظلم والذل أكثر من كده!
وياريتها جَت على المهانة وبس، لكن اللى بـ يقتلك فعلا هو الشعور بالعجز! أصل الشعور بالعجز ده هو محمود المليجى بتاع المشاعر، أكثرها شرا وتدميرا، وانت ما بقيتش قادر تشوف شعب – فجأة اكتشفت إنك بـ تحبه – بـ تتهان كرامته وبـ تـُستحل دماؤه من غير ما تبقى قادر ترفع عنه ظلم أو أذى. فعلى إيه المقاومة والإصرار على العذاب؟ الكلام اللى بـ يقوله صاحبك مريح ومقنع ...
"مش ممكن فعلا يكون فيه ناس بـ تستغل ثورتكم علشان تخرب البلد؟ هو لازم يعنى يكون المجلس بـ يكدب عليكم طول الوقت؟ ما هم خايفين على البلد برضه! إيه ضمن لك إن كل اللى فى التحرير ناس كويسين بجد؟ عمرك ما حسيت إنكم زودتوها؟ طب بذمتك مش حرام الناس اللى عمالة تموت على الفاضى دى؟ أصل مهما المجلس عمل انتم مش هـ ترضوا، انتم دخلتوا فى حلقة مفرغة من الاعتراض! وبعدين، هل عندك حلول بديلة يا خبرة؟ ده غير إن مطالبك مش واقعية! روح بيتك لأهلك، هم أحوج لك، انت بشر ومش معصوم من الخطأ، راجع قراراتك واختياراتك. وكمان انت أصلا ضعيف، هـ تعمل إيه لوحدك؟!"
وشوية بشوية، يقينك بقضيتك بـ يضعف وبـ يتمحى وبـ يُستبدل بما هو عكسه تماما. بس مش مهم، انت كده هـ ترتاح ومش بعيد كمان ترجع لحياتك الطبيعية بتاعة زمان، أيام ما كانت همومك مش بـ تتعدى محيطك الشخصى. جو القومية ده عمره ما كان أولوية أصلا!
تمام كده ...
لأ مش تمام!
"علشان انت مش انهزامى! علشان اللى اتعمى واللى اتحبس واللى انتـُهك عرضها! علشان ما ينفعش تبتدى حاجة – أقل ما يُـقال عنها إنها عظيمة – وتستسلم لليأس والاكتئاب قبل ما تكملها! علشان حزنك على الحاضر هـ يكون هو السبب فى سعادتك فى المستقبل! علشان انت مش أحسن من إخواتك اللى جعلوا من أرواحهم جسر علشان تعبر انت عليه وتكمل المشوار!"
الضوء اللى جواك بـ يقوى تانى ونبضاته بـ تعلى لدرجة إن "صاحبك" بـ يتنفض من مكانه وبـ يحاول يهرب، كالعادة. لكن المرة دى غير كل مرة، علشان انت خلاص عرفت ديته ومسكته من قفاه قبل ما يفلت وطبقت فى زمارة رقبته لحد ما تلاشى وذهب إلى غير رجعة!
روحك بـ تنفجر وبـ تحررك من زنزانتك.
تفاءل، مسيرها تروق وتحلى.
أيها الجالسون على كراسى السلطة، تحية طيبة وبعد .. - كريم الدجوى
حوالى عام على أيام تشبه هذه الأيام ... أيام شعرنا فيها بالظلم والقهر كما نشعر بهما الآن ... أيام رأينا فيها مستقبل مظلم يكتبه حكام لا يخافون الله!
عام ونحن نصرخ لنطالب بإسقاط النظام، لكن دولة الظلم تأبى أن تسقط، تأبى أن تترك فرصة لهذا الشعب لكى يعيش ... لكى يذوق طعم الحياة!
لكنى لست متشائما ... لأننا سنتمسك بالأمل! فبعد كل ما رأيته خلال تلك الشهور الماضية أعلم أنهم غير قادرين على قتل هذا الحلم .... نعم، فالأحلام قد تؤجل لكنها لا تموت!
إنهم لا يقرأون المشهد جيدا، يحسبونها كما كانوا دائما يحسبونها ... يحسبونها بالورقة والقلم، بالقانون والقرارات ... بالسياسة والاستراتيجيات ... بالصفقات والاتفاقات ... بملايين الدولارات ... لكنهم لا يستطيعون أن يفهموا .... لا تسطيع عقولهم أن تدرك ... أن تصدق أن مِـن بعدهم خرج جيل يستطيع الحلم ... جيل لا يهاب الرصاص!
قد يظنون أن كل شىء تحت السيطرة ... أن مخططهم لإجهاض الثورة قد كـُلل بالنجاح ... أن هذا الشعب لم ولن يرى النور ... لكنهم لا يعرفون الحقيقة لأن المشاعر والأحاسيس لا يُمكن رصدها ... لأن الغضب لا مؤشر له سوى الانفجار ... لأن الظالم لن يرى النهاية قادمة إلا بعد فوات الأوان!
لا يفهمون كيف نشعر ... ماذا نحس! لا يفهمون ما تتركه تلك المشاهد بداخلنا، لا يصدقون أننا فعلا على استعداد أن نفتح صدورنا للنار ... لا يفهمون نظرتنا لحرارة، ولا حبنا للشيخ عماد، ولا احترامنا لفتاة مجلس الوزراء ... ولن يعرفوا تلك الحقائق إلا ونحن نأخذ بالثأر!
قد يظنون أن الضرب قد أزاد خوفنا ... أن الانتهاكات قد أثرت على عزيمتنا ... أن عجلة الحياة قد تشدنا من جديد لتلك الدوامة ... وننسى كيف كان طعم الحرية، لكنهم مخطئون ... وأعذرهم فهم لم يعرفوا يوما هذا المذاق! مخطئون لأننا لن نفرط فى فرصتنا الأخيرة ... مخطئون لأننا لن نكل ... مخطئون لأننا عرفنا الطريق وعرفنا مَن يريد أن يبعدنا عن طريقنا للحرية!
أيها الجالسون على كراسى السلطة وتنظرون إلينا من فوق ... لن تستطيعوا إخماد ثورتنا ... لن تسطيعوا أن تمحوها من ذاكرتنا ... لن تسطيعوا أن تضيعوا الحلم! وإن كنتم تعتقدون أنكم قد تـُحبطون ثورة هذا الجيل، فتذكروا أن سيأتى بعدنا أجيال وأجيال ثائرة لم يولدوا مثلنا فى الظلام!
عام ونحن نصرخ لنطالب بإسقاط النظام، لكن دولة الظلم تأبى أن تسقط، تأبى أن تترك فرصة لهذا الشعب لكى يعيش ... لكى يذوق طعم الحياة!
لكنى لست متشائما ... لأننا سنتمسك بالأمل! فبعد كل ما رأيته خلال تلك الشهور الماضية أعلم أنهم غير قادرين على قتل هذا الحلم .... نعم، فالأحلام قد تؤجل لكنها لا تموت!
إنهم لا يقرأون المشهد جيدا، يحسبونها كما كانوا دائما يحسبونها ... يحسبونها بالورقة والقلم، بالقانون والقرارات ... بالسياسة والاستراتيجيات ... بالصفقات والاتفاقات ... بملايين الدولارات ... لكنهم لا يستطيعون أن يفهموا .... لا تسطيع عقولهم أن تدرك ... أن تصدق أن مِـن بعدهم خرج جيل يستطيع الحلم ... جيل لا يهاب الرصاص!
قد يظنون أن كل شىء تحت السيطرة ... أن مخططهم لإجهاض الثورة قد كـُلل بالنجاح ... أن هذا الشعب لم ولن يرى النور ... لكنهم لا يعرفون الحقيقة لأن المشاعر والأحاسيس لا يُمكن رصدها ... لأن الغضب لا مؤشر له سوى الانفجار ... لأن الظالم لن يرى النهاية قادمة إلا بعد فوات الأوان!
لا يفهمون كيف نشعر ... ماذا نحس! لا يفهمون ما تتركه تلك المشاهد بداخلنا، لا يصدقون أننا فعلا على استعداد أن نفتح صدورنا للنار ... لا يفهمون نظرتنا لحرارة، ولا حبنا للشيخ عماد، ولا احترامنا لفتاة مجلس الوزراء ... ولن يعرفوا تلك الحقائق إلا ونحن نأخذ بالثأر!
قد يظنون أن الضرب قد أزاد خوفنا ... أن الانتهاكات قد أثرت على عزيمتنا ... أن عجلة الحياة قد تشدنا من جديد لتلك الدوامة ... وننسى كيف كان طعم الحرية، لكنهم مخطئون ... وأعذرهم فهم لم يعرفوا يوما هذا المذاق! مخطئون لأننا لن نفرط فى فرصتنا الأخيرة ... مخطئون لأننا لن نكل ... مخطئون لأننا عرفنا الطريق وعرفنا مَن يريد أن يبعدنا عن طريقنا للحرية!
أيها الجالسون على كراسى السلطة وتنظرون إلينا من فوق ... لن تستطيعوا إخماد ثورتنا ... لن تسطيعوا أن تمحوها من ذاكرتنا ... لن تسطيعوا أن تضيعوا الحلم! وإن كنتم تعتقدون أنكم قد تـُحبطون ثورة هذا الجيل، فتذكروا أن سيأتى بعدنا أجيال وأجيال ثائرة لم يولدوا مثلنا فى الظلام!
لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين
عبد الله السيد السجن المشدد 5 سنوات
أحمد حسن محمد السجن 5 سنوات
هانى منير عامر السجن 7 سنوات
مى متولى السجن 3 شهور
أمل عوض محمد السجن مع الشغل والنفاذ لمدة سنتين
أمير عبد الوهاب السجن 5 سنوات
محمد عبد المنعم أحمد السجن 5 سنوات
محمد فوزى السجن 25 سنة
الأسماء تصل إلى حوالى 12 ألف ... لكن تذهب بعض التقديرات للقول بأن عددهم قد يبلغ 16 ألف ... إنها ليست مجرد أرقام ولا هم مجرد أسماء ... هؤلاء بشر وتلك الأرقام هى أعمار من حياتهم ...
منذ تولى المجلس العسكرى شئون البلاد تم إحالت كل المدنيين لمحاكمات عسكرية وتعرض الكثير منهم لانتهاكات من قبل بعض عناصر الجيش ... محاكمات فى ظل غياب محامين للمتهمين وتهم الكثير منها زور ... والنتيجة ضياع حياة الكثير ...
بعد فض اعتصام التحرير بالقوة يوم 9 مارس 2011 قام مجموعة من النشطاء، والمحامين، وصحفيين، وممثلى جمعيات حقوقية بتشكيل ما سمى بـ "لا للمحاكمات العسكرية". وهى مبادرة تعمل 4 أهداف يصفها أصحابها بالتالى:
"وقف جميع أشكال التعذيب سواء فى سجون الشرطة أو معتقلات الجيش أو مقرات "جهاز الأمن العام"، ولأى إنسان حتى لو كان مجرما مدانا.
الوقف الفورى للمحاكمات العسكرية للمدنيين وإحالة الأحكام العسكرية التى صدرت بالفعل إلى القضاء المدنى.
الإفراج الفورى عن شباب الثورة ممن تم القبض عليهم فى التظاهرات والاعتصامات السلمية. إلغاء الأحكام العسكرية التى صدرت ضد البعض منهم.
التحقيق فى كافة التجاوزات التى مارسها "بعض عناصر الجيش" مع مواطنين منذ تسلم الجيش السلطة".
وحتى لا أتركك مع مجرد أسماء وأرقام، ما يلى أجزاء من شهادات من تم اعتقالهم خلال 2011 ... لعلك تدرك أن لكل اسم روح ولكل رقم حياة ...
"بعد وقف الضرب كنت عند المتحف المصرى فلاقيت واحد من الأهالى بـ يقول لى "تعالى الجيش عايزك" أخدنى وودانى لحد اللواء، ونزل بالأقلام على وشى وقال لى "ما انتم بتوع الدعارة اللى مليتوا البلد ومشيتوا الناس وراكم". الكهربا اشتغلت فى إيدى ورجلى، وبنات تانية بـ تتكهرب فى جسمها وصدرها ... أنا كان عندى انهيار عصبى فشافنى صديق يعرفنى فقال لهم دى خطيبتى فخدوه ونزلوا فيه ضرب وكسروا له دراعه" ...
سلوى جودة – فض اعتصام 9 مارس.
"الإجابة على أى سؤال كانت ضرب"
أحمد عبد السميع السيد – فض اعتصام يوليو.
"الضابط قال لى هـ طلعِك وأضربِك بالنار برا والحفلة عليكِ الليلة" ...
غادة كامل – أحداث مجلس الوزراء.
"كنا 104 شخص فى أوضة واحدة. كنا مكومين على بعض وطول الوقت يرموا علينا مياه. ضربونا بعصيان فيها حديد أطول من المسامير شوية. فجر يوم 4 فبراير نقلونا فى كونتينر مكومين ومعظمنا فاقد الوعى ومصاب بجروح وثقوب من الضرب والدق على أجسامنا بعصيان معدنية وبسبب طفى السجاير ... ونقلونا للسجن الحربى" ...
شاب 24 سنة – من باكوس – مساء 29 يناير.
"الأول جرونا قدامهم ويضربوا كرابيج على الأرض ويضربونا بإيديهم والعساكر صفين واحنا بـ نجرى يكعبلونا برجليهم وينزلوا ضرب. بعدها نزل 2 طوال لابسين نظارات شمس يكهربونا نص دقيقة ويسيبونا، العدد كان 100 أو أقل. أنا كنت أصغر واحد واديتهم كارنيه المدرسة" ...
تلميذ 15 سنة، قبض عليه هو ووالده 10 فبراير من ميدان رمسيس بعد حظر التجول.
"اعتقلت من المستشفى الميدانى فى أحداث محمد محمود، وبعدين توسط الشيخ مظهر شاهين لتبديل 10 من المتظاهرين مقابل ضابط وعسكرى أمن مركزى. دخل علينا مفتش المباحث لاختيار اللى هـ يتبدلوا فاختار 10 من اللى معاهم شهادات جامعية ولابسين هدوم غالية إلى حد ما وساب الباقى (الفقراء نسبيا) فى قسم الشرطة بالرغم من إن أغلبهم كانوا مصابين لأنهم اعتقلوا من المستشفى ... دول اللى هـ تصورهم الكاميرات وتشوفهم شاشات الإعلام المضلل على إنهم "بلطجية" ... وأقسم بالله إنهم كلهم ناس محترمة" ...
محمد حامد – أحداث محمد محمود.
أحمد حسن محمد السجن 5 سنوات
هانى منير عامر السجن 7 سنوات
مى متولى السجن 3 شهور
أمل عوض محمد السجن مع الشغل والنفاذ لمدة سنتين
أمير عبد الوهاب السجن 5 سنوات
محمد عبد المنعم أحمد السجن 5 سنوات
محمد فوزى السجن 25 سنة
الأسماء تصل إلى حوالى 12 ألف ... لكن تذهب بعض التقديرات للقول بأن عددهم قد يبلغ 16 ألف ... إنها ليست مجرد أرقام ولا هم مجرد أسماء ... هؤلاء بشر وتلك الأرقام هى أعمار من حياتهم ...
منذ تولى المجلس العسكرى شئون البلاد تم إحالت كل المدنيين لمحاكمات عسكرية وتعرض الكثير منهم لانتهاكات من قبل بعض عناصر الجيش ... محاكمات فى ظل غياب محامين للمتهمين وتهم الكثير منها زور ... والنتيجة ضياع حياة الكثير ...
بعد فض اعتصام التحرير بالقوة يوم 9 مارس 2011 قام مجموعة من النشطاء، والمحامين، وصحفيين، وممثلى جمعيات حقوقية بتشكيل ما سمى بـ "لا للمحاكمات العسكرية". وهى مبادرة تعمل 4 أهداف يصفها أصحابها بالتالى:
"وقف جميع أشكال التعذيب سواء فى سجون الشرطة أو معتقلات الجيش أو مقرات "جهاز الأمن العام"، ولأى إنسان حتى لو كان مجرما مدانا.
الوقف الفورى للمحاكمات العسكرية للمدنيين وإحالة الأحكام العسكرية التى صدرت بالفعل إلى القضاء المدنى.
الإفراج الفورى عن شباب الثورة ممن تم القبض عليهم فى التظاهرات والاعتصامات السلمية. إلغاء الأحكام العسكرية التى صدرت ضد البعض منهم.
التحقيق فى كافة التجاوزات التى مارسها "بعض عناصر الجيش" مع مواطنين منذ تسلم الجيش السلطة".
وحتى لا أتركك مع مجرد أسماء وأرقام، ما يلى أجزاء من شهادات من تم اعتقالهم خلال 2011 ... لعلك تدرك أن لكل اسم روح ولكل رقم حياة ...
"بعد وقف الضرب كنت عند المتحف المصرى فلاقيت واحد من الأهالى بـ يقول لى "تعالى الجيش عايزك" أخدنى وودانى لحد اللواء، ونزل بالأقلام على وشى وقال لى "ما انتم بتوع الدعارة اللى مليتوا البلد ومشيتوا الناس وراكم". الكهربا اشتغلت فى إيدى ورجلى، وبنات تانية بـ تتكهرب فى جسمها وصدرها ... أنا كان عندى انهيار عصبى فشافنى صديق يعرفنى فقال لهم دى خطيبتى فخدوه ونزلوا فيه ضرب وكسروا له دراعه" ...
سلوى جودة – فض اعتصام 9 مارس.
"الإجابة على أى سؤال كانت ضرب"
أحمد عبد السميع السيد – فض اعتصام يوليو.
"الضابط قال لى هـ طلعِك وأضربِك بالنار برا والحفلة عليكِ الليلة" ...
غادة كامل – أحداث مجلس الوزراء.
"كنا 104 شخص فى أوضة واحدة. كنا مكومين على بعض وطول الوقت يرموا علينا مياه. ضربونا بعصيان فيها حديد أطول من المسامير شوية. فجر يوم 4 فبراير نقلونا فى كونتينر مكومين ومعظمنا فاقد الوعى ومصاب بجروح وثقوب من الضرب والدق على أجسامنا بعصيان معدنية وبسبب طفى السجاير ... ونقلونا للسجن الحربى" ...
شاب 24 سنة – من باكوس – مساء 29 يناير.
"الأول جرونا قدامهم ويضربوا كرابيج على الأرض ويضربونا بإيديهم والعساكر صفين واحنا بـ نجرى يكعبلونا برجليهم وينزلوا ضرب. بعدها نزل 2 طوال لابسين نظارات شمس يكهربونا نص دقيقة ويسيبونا، العدد كان 100 أو أقل. أنا كنت أصغر واحد واديتهم كارنيه المدرسة" ...
تلميذ 15 سنة، قبض عليه هو ووالده 10 فبراير من ميدان رمسيس بعد حظر التجول.
"اعتقلت من المستشفى الميدانى فى أحداث محمد محمود، وبعدين توسط الشيخ مظهر شاهين لتبديل 10 من المتظاهرين مقابل ضابط وعسكرى أمن مركزى. دخل علينا مفتش المباحث لاختيار اللى هـ يتبدلوا فاختار 10 من اللى معاهم شهادات جامعية ولابسين هدوم غالية إلى حد ما وساب الباقى (الفقراء نسبيا) فى قسم الشرطة بالرغم من إن أغلبهم كانوا مصابين لأنهم اعتقلوا من المستشفى ... دول اللى هـ تصورهم الكاميرات وتشوفهم شاشات الإعلام المضلل على إنهم "بلطجية" ... وأقسم بالله إنهم كلهم ناس محترمة" ...
محمد حامد – أحداث محمد محمود.
توثيق لعام من انتهاكات العسكر (ديسمبر2011) - شهادة حسن شاهين - الصحفى الذى حاول إنقاذ قتاة مجلس الوزراء التى قام الجيش بتعريتها وسحلها
"نزلت الميدان قبل ما أروح الجامعة الساعة 9 الصبح، رحت أتابع الموقف عن مجلس الوزراء فى شارع القصر العينى وهناك قابلت زميلتى اللى مش هـ قول اسمها بناء على رغبة منها. المهم وقفنا نتكلم ونحلل الموقف سياسيا وعلى الساعة 10 ابتدى حريق المجمع العلمى، حاولنا نطفى أو نعمل أى حاجة، لكن كان فيه ناس فوق بـ يضربوا بالطوب أى حد يحاول يقرب من المجمع العلمى وكأنهم عايزينه يتحرق ...
الموقف كان غريب وشد وجذب وكر وفر لغاية ما جت الساعة 11 بالظبط، لاقينا هجوم كاسح من الجيش، ومنهم اللى مسكونى أنا وزميلتى اللى كل العالم شاف الفيديو بتاعها ... حاولت أنقذها ... حاولت أدافع عنها لكن اللى كان بـ يضربنى كان بـ يضرب بلا رحمة ويطير فى الهوا وينط عليا برجله.
بعد ما وقفت على رجلى ناس شالونى ودونى مستشفى خاص فى حى الدقى لأن المستشفيات الحكومية بـ يمسكوا فيها المصابين ...
طبيب العظام فى المستشفى دى كان بـ يعالجنى وهو قرفان، وتقريبا خيطنى غلط. بس دكتور العيون كان راجل محترم وقام بالواجب وزيادة، عالج لى عينى كويس وفى الآخر المستشفى ما رضيتش تاخد فلوس أو حد تانى دفعها مش فاكر بالظبط ...
لما روحت البيت بابا استقبلنى حلو أوى وكان فرحان بيا وسابنى أنزل تانى وما قفلش الباب ولا حبسنى لأنه مربينى على كلمة الحق".
الموقف كان غريب وشد وجذب وكر وفر لغاية ما جت الساعة 11 بالظبط، لاقينا هجوم كاسح من الجيش، ومنهم اللى مسكونى أنا وزميلتى اللى كل العالم شاف الفيديو بتاعها ... حاولت أنقذها ... حاولت أدافع عنها لكن اللى كان بـ يضربنى كان بـ يضرب بلا رحمة ويطير فى الهوا وينط عليا برجله.
بعد ما وقفت على رجلى ناس شالونى ودونى مستشفى خاص فى حى الدقى لأن المستشفيات الحكومية بـ يمسكوا فيها المصابين ...
طبيب العظام فى المستشفى دى كان بـ يعالجنى وهو قرفان، وتقريبا خيطنى غلط. بس دكتور العيون كان راجل محترم وقام بالواجب وزيادة، عالج لى عينى كويس وفى الآخر المستشفى ما رضيتش تاخد فلوس أو حد تانى دفعها مش فاكر بالظبط ...
لما روحت البيت بابا استقبلنى حلو أوى وكان فرحان بيا وسابنى أنزل تانى وما قفلش الباب ولا حبسنى لأنه مربينى على كلمة الحق".
توثيق لعام من انتهاكات العسكر (ديسمبر2011) - شهادة أحمد شاكر عن أحداث مجلس الوزراء
اليوم اللى المفروض يكون عادى!
هـ اتغاضى عن التفاصيل المملة بتاعة صحيانى من النوم يوم الجمعة 16 ديسمبر (اللى "المفروض" إنه يوم عادى) على متابعة خبر فى شريط الأخبار "تجدد الاشتباكات بين الأمن والمعتصمين عند مجلس الوزراء". طبعا استغربت من كلمة "تجدد" دى لأن لحد ما نمت ما كانش فى أى حاجة بـ تحصل هناك غير إن بعض المعتصمين بـ يحاولوا يقاوموا التسمم (وعلى فكرة أنا ما كنتش معتصم هناك). طبعا قعدت أقلب فى القنوات ما لاقيتش صورة واحدة حتى للى بـ يحصل هناك ففتحت الفيس بوك وتويتر ... أول حاجة شفتها "بنى آدمين" بـ يتسحلوا على الأرض وبـ يتضربوا بالشوم على دماغهم لحد ما يبقوا جثث والناس بـ تجرى على الأمن علشان تاخد الجثث منهم!!
ثانى حاجة صورة ناس (مش هـ اقدر أقول رجالة) واقفين فوق مبنى مجلس الوزراء بـ يحدفوا طوب وإزاز وأطباق على الناس تحت المبنى ... ثالث حاجة وأخيرا صورة واحدة بنت مسحولة على الأرض و"ناس" بـ تقلعها هدومها أثناء ما هم بـ يضربوها ... طبعا ده كافى إنه يخلى أى "إنسان" دمه يتحرق. لبست الجاكيت التقيل تحسبا لأن أنا ممكن أبقى بـ اتضرب بنفس الشوم ده كمان شوية ونزلت.
فى الطريق حاولت أكلم ناس أعرف منهم إيه اللى بـ يحصل لكن ما عرفتش معلومات أكتر من إن الجيش بـ يضرب فى الناس لأن معظم الناس اللى كلمتها يا إما نايمة يا إما ما تعرفش أكتر من اللى أنا أعرفه يا إما فى المستشفى دماغهم مفتوحة.
الوصول إلى الميدان
وصلت الميدان وأول حاجة شفتها على ناصية القصر العينى عربية إسعاف واقفة وواحد دماغه مفتوحة فيها وجنبها لمة ناس فى وسطهم راجل كبارة كده لابس بدلة وحواليه شوية شباب اللى منهم هدومه متقطعة واللى منهم دماغه مربوطة بشاش واللى منهم زيى كده لسه مش فاهم ... الراجل ده واقف يخطب فى الناس وعمال يقول لهم "ده جيش مصر" ... "حرام عليكم خربتوا البلد" ... طبعا من الجملة الأخيرة عرفت هو عايز إيه ... الغريب إن الشباب اللى واقفة دى واللى جيش مصر ده هو اللى لسه ضاربهم من شوية هم اللى عمالين يهدوا فيه ويقولوا له "رأى حضرتك على راسنا ... بس الناس جوا بـ تموت" طبعا أنا جى سخن بقى ولسه هـ افتح بقى لاقيت راجل كبارة تانى فى سنه ببدلة برضه جى وعمال يزعق للراجل ده وبـ يقول له "يا أخى خلى عندك دم ... العيال مش ناقصين!!".
مجلس الوزراء
دخلت شارع القصر العينى وانا بـ حاول ألاقى أى حد أعرفه لكن ما لاقيتش ... كل اللى شايفه ناس واقفة باصة فوق وماسكة موبايلات وبـ تصور. دخلت جوا الشارع أكتر وكل اللى نفسى أعرفه إيه اللى حصل، أول ما وصلت عند مجلس الوزراء لاقيت خراطيم مياه سخنة وطوب بـ يتحدف من عساكر جيش باللبس بتاعهم كامل (خوذ وشدة والذى منه) وناس تانية لابسة مدنى من فوق المبنى والناس تحت عمالة ترمى طوب وطبعا مفيش طوبة واحدة حتى بـ تقرب من اللى واقفين فى الشبابيك بتاعة المبنى وفوق السطوح فقلت "ماشى ... أحسن برضه من الخرطوش والحى" ولسه هـ اسأل واحد جنبى إيه اللى حصل لاقيته فجأة ملامحه اتغيرت وبـ يقول لى "حاسب" وسعت بتلقائية مع الناس لاقيت دولاب (ماركة إيديال من بتوع زمان دول) وقع قريب من المكان اللى كنا واقفين فيه ... الحقيقة استغربت من هدوء الناس ... بعد ما الدولاب وقع الناس رجعت تانى أماكنها ببساطة ومن غير أى زعيق ... يمكن كان فيه ست كبيرة فى السن زعقت وقعدت تقول للناس اللى فوق "حسبى الله ونعم الوكيل فيكم" كذا مرة. لتانى مرة لسه هـ اسأل واحد حصل إيه لاقيت كمية مرعبة من الطوب والبلاطات "كاملة" والسيراميك بـ تترمى من فوق ... حاولنا نرجع لورا شوية علشان نفادى الطوب ... أول ما لفيت لاقيت واحد جنبى وشه كله دم وماسك دماغه ... سندناه أنا وواحد تانى وطلعنا نجرى بيه على المستشفى الميدانى فى عمر مكرم.
مستشفى عمر مكرم
الحقيقة أول ما دخلت عمر مكرم حصل لى صدمة ... احنا أخدنا على منظر شبابنا وهو مضروب سواء بخرطوش أو مطاطى أو رصاص حى أو غيره، لكن اللى شفته كان غير كده. لاقيت كمية كبيرة من البنات والستات الكبيرة فى السن كلمة مضروبين دى قليلة عليهم ده طبعا غير الشباب.
وانا قاعد على باب المستشفى الميدانى بـ حاول أجمع اللى أنا شفته جوا ده وكمية مصابين كبيرة عمالة تيجى المستشفى جه سؤال فى بالى غريب شوية ... هم ليه ما بـ يضربوش البنات والستات بالنار؟ وفى طريقى للرجوع لشارع القصر العينى عرفت الإجابة ... الشاب أو الراجل اللى نازل يطالب بحقه لما بـ يضربوه بالنار، أهو التليفزيون المصرى فى الآخر هـ يقول عليه بلطجى والناس هـ تصدق ... لكن لما بنت تتضرب بالنار هـ يقولوا عليها إيه؟
ما كنتش مصدق إن المجلس العسكرى نزل طموحات أى شخص نازل يطالب بحقة الأرض، دلوقتى حلم أى راجل أو شاب نازل يطالب بحقه إنه ما ياخدش رصاصة فى دماغة أو صدره ... وحلم أى بنت أو ست أنها ما تتضربش وتتسحل على الأرض ويقلعوها هدومها!
المجمع العلمى
وصلت عند المحمع العلمى وأول حاجة شفتها نار طالعة منه ومجموعة ناس بـ تحاول تطفيه وعمالين يزعقوا "مطافى ... مطافى" وفوق مبنى مجلس الوزراء ومبنى هيئة الطرق والكبارى لسه فيه ناس بـ ترمى طوب وكراسى وإزاز وأطباق وشوك وسكاكين!! وقفت مع أصدقاء ليا كانوا موجودين من أول الأحداث بـ يحكوا لى قصة عبودى وازاى الموضوع بدأ وكل شوية عمالين نوسع لموتوسيكل من اللى شايلين ناس مصابة وفى وسط الكلام سمعت راجل واقف ورايا بالضبط عمال يشتم بصوت عالى "ولاد الكلب" بصيت له ورجعت أكمل كلامى وتانى "تصدق إن دى عيال بنت@#$" بصيت له تانى ورجعت وأخيرا اتحفنى بجملة "دى عيال بنت#$% المبنى ده هـ يتصلح بفلوسنا" ... كان أى حد بـ يقول الجمل دى كنت بـ تلاقى ناس اتلمت حواليه وابتدت تتناقش معاه وكان دايما نفس الكلام ونفس الردود زى "ما حضرتك العفش والسيراميك اللى بـ يترمى من فوق ده علشان يموت الناس بفلوسك برضه" ... فضل الوضع زى ما هو فترة، طوب ومولوتوف وخراطيم مياه مفتوحة من فوق المبنى والناس تحت بـ ترمى طوب برضه مش واصل لأى حد من اللى فوق المبنى وكل شوية يدخل مجموعة أشخاص يرموا كام إزازة مولوتوف برضه مش عاملين أى حاجة علشان كانوا بـ يتطفوا فى ثانية بخراطيم المياه اللى من فوق المبنى، فقررت أروح لشخص منهم أقول له المولوتوف مالوش لازمة ... روحت لواحد من اللى بـ يرموا مولوتوف أقول له الكلام ده لاقيته متعصب جدا وعلى فكرة اكتشفت بعدها إن واحدة من الستات الكبيرة اللى كانوا مضروبين فى المستشفى الميدانى كانت أمه.
زاد العدد فى شارع القصر العينى فقررنا نعمل طريق للموتوسيكلات اللى بـ تنقل المصابين وعملنا الطريق فعلا وأخدت بالى من راجل كبير بدقن حاجز ناس بدراعه وبـ يضحك لهم ضحكة بشوشة علشان يوسعوا لموتوسيكل شايل واحد مصاب وشفت صورة الراجل ده لما رحت وكان الشيخ عماد عفت الله يرحمه.
أثناء ما أنا واقف فى الكردون اللى معمول للموتوسيكلات لاقيت دوشة عند مجلس الشورى ومجموعة من الناس نطت السور ودخلت فى الجنينة وبـ تسحب عربية نقل حمراء وعايزين يطلعوها برا ... ما فهمتش ليه الصراحة لكن فى ثانية نط مجموعة تانية السور علشان يقنعوهم إنهم يرجعوا وفعلا فى ثوانى أقنعوهم وفى طريقهم للرجوع لاقينا فجأة صوت ضرب نار من جوا وظهر كمية كبيرة من عساكر الجيش معاهم أسلحة فقلنا لهم من برا خلاص الناس طالعة لكنهم صمموا برضه يضربوا نار تانى وقرروا إننا محتاجين ناخد دش فابتدوا يرشوا مياه من جوا مع إن الناس كانت رجعت فعلا وكنا عاملين كردون قدام البوابة فقررت أنا ومجموعة أشخاص إننا نفهمهم إن مفيش حاجة ومالوش لازمة المياه دى علشان ما يستفزوش الناس، فقربنا من البوابة اللى كانت مقفولة، لكن مفيش سلسلة عليها وقعدنا نقول لهم خلاص مفيش حد كله طلع والحقيقة الناس جوا كانت متعاونة أوى ... أول ما شافونا قعدوا يرشوا مياه علينا مع إن المسافة بيننا كانت 3 أو 4 متر فباين أوى إننا مش عايزين ندخل ده غير إنى قعدت أقول لهم هاتوا سلسلة اقفلوا بيها البوابة ففوجئت بشخص جوا بـ يشاور لى بالصباع إياه!! بعد الموقف ده بساعة تقريبا لاقيت صوت عالى جى من ناحية ميدان التحرير ومجموعة من الشباب شايلة ألواح صاج علشان يصدوا بها الطوب داخل شارع القصر العينى ... أول ما المجموعة دى وصلت ناحية مبنى مجلس الوزراء بدأ ضرب نار مكثف من بأسلحة آلية وابتدا عدد كبير من المصابين برصاص حى يخرجوا متشالين من جوا وكانت الإصابات اللى شفتها واحد فى الرقبة وواحد فى الصدر واتنين فى رجلهم.
17 ... 18 ... 19 ديسمبر
الحقيقة يحسب للجيش إنه من بعد ما عمل الجدار كان عامل لنا نظام باقى الأيام ... الصبح طوب وإزاز ... بالليل طوب ومولوتوف والفجر رصاص حى وخرطوش وغاز ... تانى يوم الأحداث كانت ناحية الجدار اللى كان اتعمل فى شارع القصر العينى وكان ضرب الطوب ناحية القصر العينى والشيخ ريحان شغال فلاقيت بنت واقفة جنبى لوحدها واضح من البلاستر اللى ظاهر من تحت الحجاب إنها كانت مصابة واتعالجت فعملت زى ما كل الناس اللى هناك بـ تعمل وقلت لها لو سمحتى ارجعى ورا شوية علشان مفيش حاجة تيجى فيكِ وفعلا رجعت كام خطوة ... بعد ساعة تقريبا من الموقف ده هجم الجيش هجمة قوية وطلعوا لحد قبل كنيسة الدوبارة اللى فيها المستشفى الميدانى و كانت الناس رجعت لورا وابتدت تشيل المصابين والأدوية اللى قدام قصر الدوبارة علشان كالعادة بـ يضربوا فى أى حد قدامهم حتى لو مصاب وبـ يولعوا فى الأدوية ... وبعد لحظات حصل مشهد تحسه فى حرب من بتوع الأفلام الأمريكانى ... الناس ابتدت تجرى فى اتجاه الجيش وهى بـ تصرخ بس ... مفيش طوبة اترمت وكان رد فعل الجيش إنه رجع مكانه تانى جوا شارع الشيخ ريحان وبعدها لاقيت نفس البنت اللى لسه كنت شايفها مضروبة على دماغها تانى والناس شايلاها وجاية بيها المستشفى وعرفت بعدها إنها طالبة فى طب وإن الإصابة الأولى كانت فتح أخد ثلاث غرز والإصابة الثانية فتح وشرخ فى الجمجمة.
ثالث يوم كان الجيش والداخلية والبلطجية وقفوا الضرب من ورا الجدار اللى فى القصر العينى ومن فوق المجمع العلمى فبالتالى الناس ما كانتش بـ ترمى طوب الناحية دى ... كان التركيز كله فى الرد على الطوب اللى بـ يترمى من ناحية الشيخ ريحان، وفى ناحية جدار القصر العينى كان فيه عربية نقل زرقاء عليها مجموعة دكاترة وشباب بـ ينقلوا الكتب من داخل المجمع العلمى ودى كانت حاجة معلنة ومعروف إن الكتب دى رايحة على دار الكتب وأثناء ما هم بـ ينقلوا الكتب على العربية بدأ رش المياه بخرطوم مطافى من ورا جدار القصر العينى من جوا مجلس الشعب ... طبعا الناس كملت اللى هى بـ تعمله وسط رش المياه وابتدوا يحطوا حاجات فوق الكتب علشان يحموها من المياه وفجأة وقف رش المياه ... وياريت محدش يفهم غلط ... الجيش كتر خيره كان عايز الكتب توصل نضيفة ... أثناء الضرب اللى كان شغال فى شارع الشيخ ريحان كانت المسافة بين الناس والجيش والداخلية قريبة ولاحظت إن العسكرى سواء جيش أو داخلية وهو بـ يرمى الطوبة لازم يشتم معاها. فيه غل واضح جدا على العساكر ده غير إن حتى اللى مش بـ يرمى طوب منهم واقف يا إما بـ يشاور للناس بإشارات مستفزة يا إما مقضيها شتيمة بس وفيه منهم كان بـ ينزل البنطلون ويبين (@#&$)!!
حكايتى مع حامد
رابع يوم كنت واقف ولاقيت طفل عرفت بعد كده إن اسمه حامد عنده تقريبا 13 أو 14 سنة لابس تى شيرت كلها دم وفوقها جاكيت واسع عليه جدا بـ يقرب منى وبـ يقول لى سلامتك فقلت له سلامتك انت كمان لأنه عنده إصابات كتير فى راسه وإيده كلها خرطوش سألته إذا كان هنا لوحده وإذا كان أهله عارفين إنه هنا ولا لأ؟ فرد بأنه هنا لوحده وبـ يبات فى جامع عمر مكرم وإنه من الدخيلة وسايب البيت. سألته ليه سايب البيت فرفع كم الجاكيت وورانى دراعه اللى كله آثار جروح وحروق قديمة وقال لى "أبويا" فسألته "انت بـ تعمل إيه هنا؟" فرد "علشان عايز أتعلم" ... الحقيقة أنا حبيت "أحشر" قصة حامد فى الكلام علشان هو عنده أمنيتين قالهم لى إنه نفسه يبقى مشهور ونفسه يتعلم ... أقل حاجة ممكن أعملها له إنى أقول قصته علشان موضوع إنه يتعلم ده لسه فيه كلام ... علشان الحكومة ما بـ تعتبروش ثائر ويمكن كمان ما بـ تعتبروش بنى آدم ... اشمعنى يعنى الرجالة تتضرب بالنار والستات تتضرب وتتسحل ... لازم الأطفال كمان يتقضى على حلمهم.
هـ اتغاضى عن التفاصيل المملة بتاعة صحيانى من النوم يوم الجمعة 16 ديسمبر (اللى "المفروض" إنه يوم عادى) على متابعة خبر فى شريط الأخبار "تجدد الاشتباكات بين الأمن والمعتصمين عند مجلس الوزراء". طبعا استغربت من كلمة "تجدد" دى لأن لحد ما نمت ما كانش فى أى حاجة بـ تحصل هناك غير إن بعض المعتصمين بـ يحاولوا يقاوموا التسمم (وعلى فكرة أنا ما كنتش معتصم هناك). طبعا قعدت أقلب فى القنوات ما لاقيتش صورة واحدة حتى للى بـ يحصل هناك ففتحت الفيس بوك وتويتر ... أول حاجة شفتها "بنى آدمين" بـ يتسحلوا على الأرض وبـ يتضربوا بالشوم على دماغهم لحد ما يبقوا جثث والناس بـ تجرى على الأمن علشان تاخد الجثث منهم!!
ثانى حاجة صورة ناس (مش هـ اقدر أقول رجالة) واقفين فوق مبنى مجلس الوزراء بـ يحدفوا طوب وإزاز وأطباق على الناس تحت المبنى ... ثالث حاجة وأخيرا صورة واحدة بنت مسحولة على الأرض و"ناس" بـ تقلعها هدومها أثناء ما هم بـ يضربوها ... طبعا ده كافى إنه يخلى أى "إنسان" دمه يتحرق. لبست الجاكيت التقيل تحسبا لأن أنا ممكن أبقى بـ اتضرب بنفس الشوم ده كمان شوية ونزلت.
فى الطريق حاولت أكلم ناس أعرف منهم إيه اللى بـ يحصل لكن ما عرفتش معلومات أكتر من إن الجيش بـ يضرب فى الناس لأن معظم الناس اللى كلمتها يا إما نايمة يا إما ما تعرفش أكتر من اللى أنا أعرفه يا إما فى المستشفى دماغهم مفتوحة.
الوصول إلى الميدان
وصلت الميدان وأول حاجة شفتها على ناصية القصر العينى عربية إسعاف واقفة وواحد دماغه مفتوحة فيها وجنبها لمة ناس فى وسطهم راجل كبارة كده لابس بدلة وحواليه شوية شباب اللى منهم هدومه متقطعة واللى منهم دماغه مربوطة بشاش واللى منهم زيى كده لسه مش فاهم ... الراجل ده واقف يخطب فى الناس وعمال يقول لهم "ده جيش مصر" ... "حرام عليكم خربتوا البلد" ... طبعا من الجملة الأخيرة عرفت هو عايز إيه ... الغريب إن الشباب اللى واقفة دى واللى جيش مصر ده هو اللى لسه ضاربهم من شوية هم اللى عمالين يهدوا فيه ويقولوا له "رأى حضرتك على راسنا ... بس الناس جوا بـ تموت" طبعا أنا جى سخن بقى ولسه هـ افتح بقى لاقيت راجل كبارة تانى فى سنه ببدلة برضه جى وعمال يزعق للراجل ده وبـ يقول له "يا أخى خلى عندك دم ... العيال مش ناقصين!!".
مجلس الوزراء
دخلت شارع القصر العينى وانا بـ حاول ألاقى أى حد أعرفه لكن ما لاقيتش ... كل اللى شايفه ناس واقفة باصة فوق وماسكة موبايلات وبـ تصور. دخلت جوا الشارع أكتر وكل اللى نفسى أعرفه إيه اللى حصل، أول ما وصلت عند مجلس الوزراء لاقيت خراطيم مياه سخنة وطوب بـ يتحدف من عساكر جيش باللبس بتاعهم كامل (خوذ وشدة والذى منه) وناس تانية لابسة مدنى من فوق المبنى والناس تحت عمالة ترمى طوب وطبعا مفيش طوبة واحدة حتى بـ تقرب من اللى واقفين فى الشبابيك بتاعة المبنى وفوق السطوح فقلت "ماشى ... أحسن برضه من الخرطوش والحى" ولسه هـ اسأل واحد جنبى إيه اللى حصل لاقيته فجأة ملامحه اتغيرت وبـ يقول لى "حاسب" وسعت بتلقائية مع الناس لاقيت دولاب (ماركة إيديال من بتوع زمان دول) وقع قريب من المكان اللى كنا واقفين فيه ... الحقيقة استغربت من هدوء الناس ... بعد ما الدولاب وقع الناس رجعت تانى أماكنها ببساطة ومن غير أى زعيق ... يمكن كان فيه ست كبيرة فى السن زعقت وقعدت تقول للناس اللى فوق "حسبى الله ونعم الوكيل فيكم" كذا مرة. لتانى مرة لسه هـ اسأل واحد حصل إيه لاقيت كمية مرعبة من الطوب والبلاطات "كاملة" والسيراميك بـ تترمى من فوق ... حاولنا نرجع لورا شوية علشان نفادى الطوب ... أول ما لفيت لاقيت واحد جنبى وشه كله دم وماسك دماغه ... سندناه أنا وواحد تانى وطلعنا نجرى بيه على المستشفى الميدانى فى عمر مكرم.
مستشفى عمر مكرم
الحقيقة أول ما دخلت عمر مكرم حصل لى صدمة ... احنا أخدنا على منظر شبابنا وهو مضروب سواء بخرطوش أو مطاطى أو رصاص حى أو غيره، لكن اللى شفته كان غير كده. لاقيت كمية كبيرة من البنات والستات الكبيرة فى السن كلمة مضروبين دى قليلة عليهم ده طبعا غير الشباب.
وانا قاعد على باب المستشفى الميدانى بـ حاول أجمع اللى أنا شفته جوا ده وكمية مصابين كبيرة عمالة تيجى المستشفى جه سؤال فى بالى غريب شوية ... هم ليه ما بـ يضربوش البنات والستات بالنار؟ وفى طريقى للرجوع لشارع القصر العينى عرفت الإجابة ... الشاب أو الراجل اللى نازل يطالب بحقه لما بـ يضربوه بالنار، أهو التليفزيون المصرى فى الآخر هـ يقول عليه بلطجى والناس هـ تصدق ... لكن لما بنت تتضرب بالنار هـ يقولوا عليها إيه؟
ما كنتش مصدق إن المجلس العسكرى نزل طموحات أى شخص نازل يطالب بحقة الأرض، دلوقتى حلم أى راجل أو شاب نازل يطالب بحقه إنه ما ياخدش رصاصة فى دماغة أو صدره ... وحلم أى بنت أو ست أنها ما تتضربش وتتسحل على الأرض ويقلعوها هدومها!
المجمع العلمى
وصلت عند المحمع العلمى وأول حاجة شفتها نار طالعة منه ومجموعة ناس بـ تحاول تطفيه وعمالين يزعقوا "مطافى ... مطافى" وفوق مبنى مجلس الوزراء ومبنى هيئة الطرق والكبارى لسه فيه ناس بـ ترمى طوب وكراسى وإزاز وأطباق وشوك وسكاكين!! وقفت مع أصدقاء ليا كانوا موجودين من أول الأحداث بـ يحكوا لى قصة عبودى وازاى الموضوع بدأ وكل شوية عمالين نوسع لموتوسيكل من اللى شايلين ناس مصابة وفى وسط الكلام سمعت راجل واقف ورايا بالضبط عمال يشتم بصوت عالى "ولاد الكلب" بصيت له ورجعت أكمل كلامى وتانى "تصدق إن دى عيال بنت@#$" بصيت له تانى ورجعت وأخيرا اتحفنى بجملة "دى عيال بنت#$% المبنى ده هـ يتصلح بفلوسنا" ... كان أى حد بـ يقول الجمل دى كنت بـ تلاقى ناس اتلمت حواليه وابتدت تتناقش معاه وكان دايما نفس الكلام ونفس الردود زى "ما حضرتك العفش والسيراميك اللى بـ يترمى من فوق ده علشان يموت الناس بفلوسك برضه" ... فضل الوضع زى ما هو فترة، طوب ومولوتوف وخراطيم مياه مفتوحة من فوق المبنى والناس تحت بـ ترمى طوب برضه مش واصل لأى حد من اللى فوق المبنى وكل شوية يدخل مجموعة أشخاص يرموا كام إزازة مولوتوف برضه مش عاملين أى حاجة علشان كانوا بـ يتطفوا فى ثانية بخراطيم المياه اللى من فوق المبنى، فقررت أروح لشخص منهم أقول له المولوتوف مالوش لازمة ... روحت لواحد من اللى بـ يرموا مولوتوف أقول له الكلام ده لاقيته متعصب جدا وعلى فكرة اكتشفت بعدها إن واحدة من الستات الكبيرة اللى كانوا مضروبين فى المستشفى الميدانى كانت أمه.
زاد العدد فى شارع القصر العينى فقررنا نعمل طريق للموتوسيكلات اللى بـ تنقل المصابين وعملنا الطريق فعلا وأخدت بالى من راجل كبير بدقن حاجز ناس بدراعه وبـ يضحك لهم ضحكة بشوشة علشان يوسعوا لموتوسيكل شايل واحد مصاب وشفت صورة الراجل ده لما رحت وكان الشيخ عماد عفت الله يرحمه.
أثناء ما أنا واقف فى الكردون اللى معمول للموتوسيكلات لاقيت دوشة عند مجلس الشورى ومجموعة من الناس نطت السور ودخلت فى الجنينة وبـ تسحب عربية نقل حمراء وعايزين يطلعوها برا ... ما فهمتش ليه الصراحة لكن فى ثانية نط مجموعة تانية السور علشان يقنعوهم إنهم يرجعوا وفعلا فى ثوانى أقنعوهم وفى طريقهم للرجوع لاقينا فجأة صوت ضرب نار من جوا وظهر كمية كبيرة من عساكر الجيش معاهم أسلحة فقلنا لهم من برا خلاص الناس طالعة لكنهم صمموا برضه يضربوا نار تانى وقرروا إننا محتاجين ناخد دش فابتدوا يرشوا مياه من جوا مع إن الناس كانت رجعت فعلا وكنا عاملين كردون قدام البوابة فقررت أنا ومجموعة أشخاص إننا نفهمهم إن مفيش حاجة ومالوش لازمة المياه دى علشان ما يستفزوش الناس، فقربنا من البوابة اللى كانت مقفولة، لكن مفيش سلسلة عليها وقعدنا نقول لهم خلاص مفيش حد كله طلع والحقيقة الناس جوا كانت متعاونة أوى ... أول ما شافونا قعدوا يرشوا مياه علينا مع إن المسافة بيننا كانت 3 أو 4 متر فباين أوى إننا مش عايزين ندخل ده غير إنى قعدت أقول لهم هاتوا سلسلة اقفلوا بيها البوابة ففوجئت بشخص جوا بـ يشاور لى بالصباع إياه!! بعد الموقف ده بساعة تقريبا لاقيت صوت عالى جى من ناحية ميدان التحرير ومجموعة من الشباب شايلة ألواح صاج علشان يصدوا بها الطوب داخل شارع القصر العينى ... أول ما المجموعة دى وصلت ناحية مبنى مجلس الوزراء بدأ ضرب نار مكثف من بأسلحة آلية وابتدا عدد كبير من المصابين برصاص حى يخرجوا متشالين من جوا وكانت الإصابات اللى شفتها واحد فى الرقبة وواحد فى الصدر واتنين فى رجلهم.
17 ... 18 ... 19 ديسمبر
الحقيقة يحسب للجيش إنه من بعد ما عمل الجدار كان عامل لنا نظام باقى الأيام ... الصبح طوب وإزاز ... بالليل طوب ومولوتوف والفجر رصاص حى وخرطوش وغاز ... تانى يوم الأحداث كانت ناحية الجدار اللى كان اتعمل فى شارع القصر العينى وكان ضرب الطوب ناحية القصر العينى والشيخ ريحان شغال فلاقيت بنت واقفة جنبى لوحدها واضح من البلاستر اللى ظاهر من تحت الحجاب إنها كانت مصابة واتعالجت فعملت زى ما كل الناس اللى هناك بـ تعمل وقلت لها لو سمحتى ارجعى ورا شوية علشان مفيش حاجة تيجى فيكِ وفعلا رجعت كام خطوة ... بعد ساعة تقريبا من الموقف ده هجم الجيش هجمة قوية وطلعوا لحد قبل كنيسة الدوبارة اللى فيها المستشفى الميدانى و كانت الناس رجعت لورا وابتدت تشيل المصابين والأدوية اللى قدام قصر الدوبارة علشان كالعادة بـ يضربوا فى أى حد قدامهم حتى لو مصاب وبـ يولعوا فى الأدوية ... وبعد لحظات حصل مشهد تحسه فى حرب من بتوع الأفلام الأمريكانى ... الناس ابتدت تجرى فى اتجاه الجيش وهى بـ تصرخ بس ... مفيش طوبة اترمت وكان رد فعل الجيش إنه رجع مكانه تانى جوا شارع الشيخ ريحان وبعدها لاقيت نفس البنت اللى لسه كنت شايفها مضروبة على دماغها تانى والناس شايلاها وجاية بيها المستشفى وعرفت بعدها إنها طالبة فى طب وإن الإصابة الأولى كانت فتح أخد ثلاث غرز والإصابة الثانية فتح وشرخ فى الجمجمة.
ثالث يوم كان الجيش والداخلية والبلطجية وقفوا الضرب من ورا الجدار اللى فى القصر العينى ومن فوق المجمع العلمى فبالتالى الناس ما كانتش بـ ترمى طوب الناحية دى ... كان التركيز كله فى الرد على الطوب اللى بـ يترمى من ناحية الشيخ ريحان، وفى ناحية جدار القصر العينى كان فيه عربية نقل زرقاء عليها مجموعة دكاترة وشباب بـ ينقلوا الكتب من داخل المجمع العلمى ودى كانت حاجة معلنة ومعروف إن الكتب دى رايحة على دار الكتب وأثناء ما هم بـ ينقلوا الكتب على العربية بدأ رش المياه بخرطوم مطافى من ورا جدار القصر العينى من جوا مجلس الشعب ... طبعا الناس كملت اللى هى بـ تعمله وسط رش المياه وابتدوا يحطوا حاجات فوق الكتب علشان يحموها من المياه وفجأة وقف رش المياه ... وياريت محدش يفهم غلط ... الجيش كتر خيره كان عايز الكتب توصل نضيفة ... أثناء الضرب اللى كان شغال فى شارع الشيخ ريحان كانت المسافة بين الناس والجيش والداخلية قريبة ولاحظت إن العسكرى سواء جيش أو داخلية وهو بـ يرمى الطوبة لازم يشتم معاها. فيه غل واضح جدا على العساكر ده غير إن حتى اللى مش بـ يرمى طوب منهم واقف يا إما بـ يشاور للناس بإشارات مستفزة يا إما مقضيها شتيمة بس وفيه منهم كان بـ ينزل البنطلون ويبين (@#&$)!!
حكايتى مع حامد
رابع يوم كنت واقف ولاقيت طفل عرفت بعد كده إن اسمه حامد عنده تقريبا 13 أو 14 سنة لابس تى شيرت كلها دم وفوقها جاكيت واسع عليه جدا بـ يقرب منى وبـ يقول لى سلامتك فقلت له سلامتك انت كمان لأنه عنده إصابات كتير فى راسه وإيده كلها خرطوش سألته إذا كان هنا لوحده وإذا كان أهله عارفين إنه هنا ولا لأ؟ فرد بأنه هنا لوحده وبـ يبات فى جامع عمر مكرم وإنه من الدخيلة وسايب البيت. سألته ليه سايب البيت فرفع كم الجاكيت وورانى دراعه اللى كله آثار جروح وحروق قديمة وقال لى "أبويا" فسألته "انت بـ تعمل إيه هنا؟" فرد "علشان عايز أتعلم" ... الحقيقة أنا حبيت "أحشر" قصة حامد فى الكلام علشان هو عنده أمنيتين قالهم لى إنه نفسه يبقى مشهور ونفسه يتعلم ... أقل حاجة ممكن أعملها له إنى أقول قصته علشان موضوع إنه يتعلم ده لسه فيه كلام ... علشان الحكومة ما بـ تعتبروش ثائر ويمكن كمان ما بـ تعتبروش بنى آدم ... اشمعنى يعنى الرجالة تتضرب بالنار والستات تتضرب وتتسحل ... لازم الأطفال كمان يتقضى على حلمهم.
توثيق لعام من انتهاكات العسكر (نوفمبر2011) - شهادة بريهان أبو زيد- أحداث 20 نوفمبر
أنا هـ احكى لكم عن اللى حصل لى يوم ٢٠ نوفمبر.
بس فى الأول عايزة أقول إن شهادتى مش مهمة علشان اللى حصل لى لأن فيه غيرى كتير اتهانوا واتأذوا أكتر منى بكتير، سواء فى نفس اليوم أو بعده، شهادتى مهمة علشان بـ تكمل ملف الجرائم البشعة اللى ارتكبها الجيش ضد الشباب اللى كل ذنبهم إنهم حلموا بمصر أحلى وحلفوا يكملوا المشوار مهما كان صعب لحد الحلم ده ما يبقى حقيقة.
مع بداية الاعتصام كنت أنا وأصدقائى بـ نروح كل يوم الميدان، معظم الوقت كنا بـ نقضيه فى الميدان نفسه بس كنا بـ ندخل شارع محمد محمود على الأقل ٣-٤ مرات فى اليوم، نأخذ الجرعة المتينة من الغاز (اللى كان فعلا مختلف عن غاز يناير فى الريحة والتأثير) ولما نبقى خلاص مش قادرين، نرجع تانى على الميدان علشان ناخد نفسنا. كنت فاكرة إن دخولنا شارع محمد محمود كان مهم لمساندة زملائنا الأبطال اللى كانوا بـ يتصدوا لقوات الأمن المركزى علشان يمنعوهم من التقدم والوصول للميدان وإيذاء المتواجدين فيه. لكن اتضح بعد كده إن دخولنا الشارع كان له أهمية أكبر بكتير ما كنتش واخدة بالى منها، وهى إننا نشوف الحقيقة بنفسنا وننقلها للى ما شافهاش، وبالذات حقيقة يوم ٢٠ نوفمبر.
الحقيقة إنى ما سمعتش ولا مرة حد بـ يقول تعالوا نهجم على وزارة الداخلية، لكن شفت صف عساكر (ودول ما كانوش بـ يتشافوا بالنسبة لى غير الصبح لأنى ما كنتش بـ اقدر أقرب أوى من كتر الدخان) وكانوا لابسين ماسكات وماسكين دروع ولا كأنهم فى حرب، ضرب الغاز ما كانش بـ يقف ٥ دقائق تقريبا، ولما الكرم يطلب معاهم كنا بـ ناخد اللى فيه النصيب من الخراطيش. ناس بـ تقول إن كان فيه ضرب مطاطى بس أنا ما شفتهوش بعينى فما أقدرش أؤكد المعلومة. قصادهم الناحية التانية كان الشباب بـ يردوا الضرب بطوب اللى معظمه كان ما بـ يوصلش من بُعد المسافة عن صفوف العساكر أو ما بـ يأثرش علشان هم بـ يقدروا يحموا نفسهم بالدروع اللى ماسكينها. أيا كان الوضع، الحاجة الوحيدة المؤكدة إن الثوار كانوا فى خطر أكبر بكتير وغير مجهزين بالمرة، لكن ثباتهم كان من شدة إيمانهم بقضيتهم وتمسكهم بحلمهم.
يوم ٢٠ نوفمبر دخلت أنا و٢ من أصدقائى، أحمد أبو حسين وشريف محرز، شارع محمد محمود كالعادة. كانت الساعة حوالى ٤ العصر تقريبا. وطبعا كان دخان الغاز منتشر والضرب مستمر، لما ضرب الغاز اشتد علينا جرينا كام خطوة لحد شارع يوسف الجندى تقريبا وساعتها أنا وأحمد فقدنا شريف. بعدها بحوالى دقيقتين مثلا ضرب الغاز توقف فتقدمنا تانى وفجأة لاقينا صوت زى ما يكون رصاص، أحمد خلانة قدامه وأوطى راسى بحيث إنه يحمينى بجسمه. طلع الضرب ده خرطوش وأحمد نال نصيبه منه بس أنا ما حصليش حاجة. فضلنا نجرى لحد ما وصلنا عند آخر محمد محمود ناحية الميدان ووقفنا هناك علشان نستنى شريف لحد ما ييجى لنا.
على بال ما التليفون جمع وعرفنا نوصل لشريف ونقول له على مكاننا كان فات حوالى ١٠ دقائق، استنيناه هناك قدام هارديز يا دوب دقيقتين وفجـأة لاقينا الناس بـ تجرى من شارع محمد محمود بطريقة هيستيرية، وفجأة لاقيت أحمد بـ يصرخ وبـ يقول لى اجرى، جريت زى المجنونة وانا مش عارفة أنا بـ اجرى من إيه، الناس كانت بـ تدفع بينا جامد والرصيف أصلا ضيق وفيه أشجار وكشك جرائد وكابينة تليفون، مش مساحة واسعة للجرى يعنى. مفيش كام ثانية لما وصلنا لآخر الرصيف ولاقيت قوات عسكرية واقفة فى انتظارنا بعصيان سميكة جدا. ساعتها بس عرفت احنا كنا بـ نجرى من إيه ... قوات الجيش كانت بـ تحاوطنا من ورا وقدام. أنا كنت تقريبا فى الصف الرابع من قدام واللى ورايا كانوا كتير ما أعرفش قد إيه بس حسيت بيهم لما الناس بطأت فى مواجهة العساكر اللى استقبلونا بالضرب ووقعنا كلنا فوق بعض. حسيت بـ تقلهم لما وقعوا كلهم على ضهرى وفى لحظة بقيت مش قادرة آخذ نفسى وحسيت باختناق خلانى أستسلم لفكرة إن ممكن تكون هى دى النهاية واتشاهدت.
بس اللى اكتشفته عن نفسى بعد كده إنى مش جاهزة للموت علشان كده أنا ما أساويش حاجة جنب كل الضحايا اللى راحوا، لأنى تمسكت بالحياة وابتديت أقاوم. جربت أصرخ للعسكرى اللى كان مش بـ يبطل ضرب فينا بعصايته واحنا متكومين فوق بعض على الأرض، وأقول له أنا بنت، بس العسكرى بص لى وكمل ضرب. كنا بالظبط عاملين زى صور جثث العراقيين اللى قتلهم الأمريكان ورموهم فوق بعض.
المصيبة إن العسكرى وهو بـ يضرب كان بـ يقول حاجة فيها الـ "١٨ يوم" بس ما أعرفش الجملة الكاملة كانت إيه. بس واضح إنها بـ تعبر عن غل وكره غير مفهوم بالمرة من عسكرى فى المؤسسة اللى بـ تدعى إنها قامت بحماية الثورة والثوار. واللى مش مفهوم أكتر هو إن عسكرى "مجند" يعنى ما بقالوش غير كام شهر فى العسكرية يكون عنده كل الغضب ده تجاه الثوار. هو مش المفروض المؤسسة العسكرية بـ تزرع عقيدة الجيش فى مجنديها اللى هى حماية الوطن والمواطنين ضد العدو، ولا الآية اتقلبت والعساكر بقوا يتشحنوا نفسيا ضد أبناء وطنهم؟
اللى نجانى يومها إن جه شاب من ورا العسكرى وراح زق له الخوذة اللى على دماغه، فالعسكرى التف وقعد يضرب فى الشاب ده، ساعتها شوية من الناس اللى فوقى يقدروا يجروا بس برضه أنا ما قدرتش أقوم. صرخت لشاب تانى كان واقف بـ يحاول يساعدنا فقعد يشدنى من بين كومة الناس اللى فوقى لحد ما قدر يقومنى. قمت لاقيت طرحتى مشدودة وجزمتى مقلوعة بس ما لحقتش أفكر ولاقيت أحمد بـ يشدنى وبـ يجرى بيا علشان نهرب من العساكر اللى فضلوا يجروا ورانا لحد ميدان طلعت حرب وهناك بس عرفنا نهرب منهم ونستخبى فى شارع لحد ما صديقنا إبراهيم الهضيبى عدى علينا بالعربية وروحنا وده كان حوالى بعدها ساعة ونص على الأقل، قضيناهم أنا وأحمد خايفين يتقبض علينا من الجيش لأن شكلنا كان باين علينا إننا جايين من الميدان من لبسنا المتبهدل وجزمنا احنا الاثنين المفقودة، أو من أهالى المنطقة اللى كانوا بـ يقفلوا فى وشنا أبواب البيوت وبـ يرفضوا يخبونا احنا وغيرنا لما كنا بـ نحاول نهرب من الجيش.
أنا لحد دلوقتى ما أعرفش مين الشاب اللى شدنى من وسط كومة البنى آدمين الواقعين فوق بعض والجيش بـ يضرب من غير رحمة. ونفسى أعرفه علشان أشكره لأنه راجل بمعنى الكلمة. أنا مديونة له بحياتى هو وأحمد أبو حسين اللى حمانى من طلقات الخراطيش. أنا الحمد لله ربنا نجانى، بس غيرى اترمى جنب الزبالة أو فقد عينه، ودول يستحقوا شكر كل مصرى صادق. وبقدر فخرى بأبطال مصر دول حاسة بخجل إنى ما قدمتش أى حاجة تشفى غليل أم فقدت ابنها أو شاب سجن أو أصيب. بس كل اللى أقدر أعمله هو إنى أدعى ربنا إنه يعلى صوت الحق وينصر كل مظلوم وإنى أساعد فى نشر الحقيقة وعلشان كده أنا بـ احكى لكم حكايتى. أقسم بالله العظيم إن شهادتى كلها صحيحة من واقع الأحداث اللى عشتها والله على ما أقول شهيد.
بس فى الأول عايزة أقول إن شهادتى مش مهمة علشان اللى حصل لى لأن فيه غيرى كتير اتهانوا واتأذوا أكتر منى بكتير، سواء فى نفس اليوم أو بعده، شهادتى مهمة علشان بـ تكمل ملف الجرائم البشعة اللى ارتكبها الجيش ضد الشباب اللى كل ذنبهم إنهم حلموا بمصر أحلى وحلفوا يكملوا المشوار مهما كان صعب لحد الحلم ده ما يبقى حقيقة.
مع بداية الاعتصام كنت أنا وأصدقائى بـ نروح كل يوم الميدان، معظم الوقت كنا بـ نقضيه فى الميدان نفسه بس كنا بـ ندخل شارع محمد محمود على الأقل ٣-٤ مرات فى اليوم، نأخذ الجرعة المتينة من الغاز (اللى كان فعلا مختلف عن غاز يناير فى الريحة والتأثير) ولما نبقى خلاص مش قادرين، نرجع تانى على الميدان علشان ناخد نفسنا. كنت فاكرة إن دخولنا شارع محمد محمود كان مهم لمساندة زملائنا الأبطال اللى كانوا بـ يتصدوا لقوات الأمن المركزى علشان يمنعوهم من التقدم والوصول للميدان وإيذاء المتواجدين فيه. لكن اتضح بعد كده إن دخولنا الشارع كان له أهمية أكبر بكتير ما كنتش واخدة بالى منها، وهى إننا نشوف الحقيقة بنفسنا وننقلها للى ما شافهاش، وبالذات حقيقة يوم ٢٠ نوفمبر.
الحقيقة إنى ما سمعتش ولا مرة حد بـ يقول تعالوا نهجم على وزارة الداخلية، لكن شفت صف عساكر (ودول ما كانوش بـ يتشافوا بالنسبة لى غير الصبح لأنى ما كنتش بـ اقدر أقرب أوى من كتر الدخان) وكانوا لابسين ماسكات وماسكين دروع ولا كأنهم فى حرب، ضرب الغاز ما كانش بـ يقف ٥ دقائق تقريبا، ولما الكرم يطلب معاهم كنا بـ ناخد اللى فيه النصيب من الخراطيش. ناس بـ تقول إن كان فيه ضرب مطاطى بس أنا ما شفتهوش بعينى فما أقدرش أؤكد المعلومة. قصادهم الناحية التانية كان الشباب بـ يردوا الضرب بطوب اللى معظمه كان ما بـ يوصلش من بُعد المسافة عن صفوف العساكر أو ما بـ يأثرش علشان هم بـ يقدروا يحموا نفسهم بالدروع اللى ماسكينها. أيا كان الوضع، الحاجة الوحيدة المؤكدة إن الثوار كانوا فى خطر أكبر بكتير وغير مجهزين بالمرة، لكن ثباتهم كان من شدة إيمانهم بقضيتهم وتمسكهم بحلمهم.
يوم ٢٠ نوفمبر دخلت أنا و٢ من أصدقائى، أحمد أبو حسين وشريف محرز، شارع محمد محمود كالعادة. كانت الساعة حوالى ٤ العصر تقريبا. وطبعا كان دخان الغاز منتشر والضرب مستمر، لما ضرب الغاز اشتد علينا جرينا كام خطوة لحد شارع يوسف الجندى تقريبا وساعتها أنا وأحمد فقدنا شريف. بعدها بحوالى دقيقتين مثلا ضرب الغاز توقف فتقدمنا تانى وفجأة لاقينا صوت زى ما يكون رصاص، أحمد خلانة قدامه وأوطى راسى بحيث إنه يحمينى بجسمه. طلع الضرب ده خرطوش وأحمد نال نصيبه منه بس أنا ما حصليش حاجة. فضلنا نجرى لحد ما وصلنا عند آخر محمد محمود ناحية الميدان ووقفنا هناك علشان نستنى شريف لحد ما ييجى لنا.
على بال ما التليفون جمع وعرفنا نوصل لشريف ونقول له على مكاننا كان فات حوالى ١٠ دقائق، استنيناه هناك قدام هارديز يا دوب دقيقتين وفجـأة لاقينا الناس بـ تجرى من شارع محمد محمود بطريقة هيستيرية، وفجأة لاقيت أحمد بـ يصرخ وبـ يقول لى اجرى، جريت زى المجنونة وانا مش عارفة أنا بـ اجرى من إيه، الناس كانت بـ تدفع بينا جامد والرصيف أصلا ضيق وفيه أشجار وكشك جرائد وكابينة تليفون، مش مساحة واسعة للجرى يعنى. مفيش كام ثانية لما وصلنا لآخر الرصيف ولاقيت قوات عسكرية واقفة فى انتظارنا بعصيان سميكة جدا. ساعتها بس عرفت احنا كنا بـ نجرى من إيه ... قوات الجيش كانت بـ تحاوطنا من ورا وقدام. أنا كنت تقريبا فى الصف الرابع من قدام واللى ورايا كانوا كتير ما أعرفش قد إيه بس حسيت بيهم لما الناس بطأت فى مواجهة العساكر اللى استقبلونا بالضرب ووقعنا كلنا فوق بعض. حسيت بـ تقلهم لما وقعوا كلهم على ضهرى وفى لحظة بقيت مش قادرة آخذ نفسى وحسيت باختناق خلانى أستسلم لفكرة إن ممكن تكون هى دى النهاية واتشاهدت.
بس اللى اكتشفته عن نفسى بعد كده إنى مش جاهزة للموت علشان كده أنا ما أساويش حاجة جنب كل الضحايا اللى راحوا، لأنى تمسكت بالحياة وابتديت أقاوم. جربت أصرخ للعسكرى اللى كان مش بـ يبطل ضرب فينا بعصايته واحنا متكومين فوق بعض على الأرض، وأقول له أنا بنت، بس العسكرى بص لى وكمل ضرب. كنا بالظبط عاملين زى صور جثث العراقيين اللى قتلهم الأمريكان ورموهم فوق بعض.
المصيبة إن العسكرى وهو بـ يضرب كان بـ يقول حاجة فيها الـ "١٨ يوم" بس ما أعرفش الجملة الكاملة كانت إيه. بس واضح إنها بـ تعبر عن غل وكره غير مفهوم بالمرة من عسكرى فى المؤسسة اللى بـ تدعى إنها قامت بحماية الثورة والثوار. واللى مش مفهوم أكتر هو إن عسكرى "مجند" يعنى ما بقالوش غير كام شهر فى العسكرية يكون عنده كل الغضب ده تجاه الثوار. هو مش المفروض المؤسسة العسكرية بـ تزرع عقيدة الجيش فى مجنديها اللى هى حماية الوطن والمواطنين ضد العدو، ولا الآية اتقلبت والعساكر بقوا يتشحنوا نفسيا ضد أبناء وطنهم؟
اللى نجانى يومها إن جه شاب من ورا العسكرى وراح زق له الخوذة اللى على دماغه، فالعسكرى التف وقعد يضرب فى الشاب ده، ساعتها شوية من الناس اللى فوقى يقدروا يجروا بس برضه أنا ما قدرتش أقوم. صرخت لشاب تانى كان واقف بـ يحاول يساعدنا فقعد يشدنى من بين كومة الناس اللى فوقى لحد ما قدر يقومنى. قمت لاقيت طرحتى مشدودة وجزمتى مقلوعة بس ما لحقتش أفكر ولاقيت أحمد بـ يشدنى وبـ يجرى بيا علشان نهرب من العساكر اللى فضلوا يجروا ورانا لحد ميدان طلعت حرب وهناك بس عرفنا نهرب منهم ونستخبى فى شارع لحد ما صديقنا إبراهيم الهضيبى عدى علينا بالعربية وروحنا وده كان حوالى بعدها ساعة ونص على الأقل، قضيناهم أنا وأحمد خايفين يتقبض علينا من الجيش لأن شكلنا كان باين علينا إننا جايين من الميدان من لبسنا المتبهدل وجزمنا احنا الاثنين المفقودة، أو من أهالى المنطقة اللى كانوا بـ يقفلوا فى وشنا أبواب البيوت وبـ يرفضوا يخبونا احنا وغيرنا لما كنا بـ نحاول نهرب من الجيش.
أنا لحد دلوقتى ما أعرفش مين الشاب اللى شدنى من وسط كومة البنى آدمين الواقعين فوق بعض والجيش بـ يضرب من غير رحمة. ونفسى أعرفه علشان أشكره لأنه راجل بمعنى الكلمة. أنا مديونة له بحياتى هو وأحمد أبو حسين اللى حمانى من طلقات الخراطيش. أنا الحمد لله ربنا نجانى، بس غيرى اترمى جنب الزبالة أو فقد عينه، ودول يستحقوا شكر كل مصرى صادق. وبقدر فخرى بأبطال مصر دول حاسة بخجل إنى ما قدمتش أى حاجة تشفى غليل أم فقدت ابنها أو شاب سجن أو أصيب. بس كل اللى أقدر أعمله هو إنى أدعى ربنا إنه يعلى صوت الحق وينصر كل مظلوم وإنى أساعد فى نشر الحقيقة وعلشان كده أنا بـ احكى لكم حكايتى. أقسم بالله العظيم إن شهادتى كلها صحيحة من واقع الأحداث اللى عشتها والله على ما أقول شهيد.
توثيق لعام من انتهاكات العسكر (نوفمبر2011) - شهادة نهى زايد - زوجة تحكى عن رؤيتها لزوجها ملقى وسط الجثث بجانب الزبالة
نزلت التحرير أنا وجوزى محمد يوم 20 نوفمبر زى ما كل الناس اللى نزلت بسبب فض الاعتصام يوم 18 نوفمبر، صحيح أنا وهو مالناش فى ضرب الطوب ولا الحاجات دى، بس كنا بـ نحاول نجيب معاونات ونسعف المصابين أو حتى نقف بس علشان نحسس الناس اللى موجودين فى محمد محمود إننا معاهم.
وفى يوم 20 كنا فى محمد محمود، تقريبا عند المستشفى الميدانى اللى عند أول الشارع، وكنت أخدت طلقة مطاطية قبلها بشوية، وكان الموضوع بـ يتكرر زى اليوم اللى قبله، ضرب خرطوش ومطاطى وغاز، وكل شوية الداخلية تتقدم والناس تجرى وبعدين نرجع تانى علشان نرجعهم!
فجأة كده وبدون مقدمات، لاقينا الناس بـ يجروا وهـمّ مرعوبين أكتر من المرات اللى فات، محمد جوزى قعد زى كل مرة يقول "ثابت" و"ما تجريش" ويحاول يهدى الناس لكن المرة دى الناس ما بطلتش جرى وبقينا فى حالة من الفوضى والخوف غريبة! قعدت أقول له "ياللا نجرى" و"المرة دى لازم نجرى" لكن هو ما كانش مقتنع إن المفروض نجرى!
فجأة الضغط زاد أوى ولاقيت الناس بـ تندفع بطريقة غير معقولة، لدرجت إن محمد اللى كان على بُعد نص متر منى فى ثانية ما بقيتش شايفاه! قعدت أحاول أرجع أدور عليه لكن تدافع الناس خلانى مش عارفة أرجع متر لورا! فجأة لاقيت نفسى بـ اتزق ناحية المترو، ولاقيت العساكر بتوع الجيش ومعاهم العصيان وبـ يقربوا جدا وبـ يضربوا الناس بطريقة بشعة! بعدها لاقيت نفسى مستخبية فى شارع طلعت حرب، وأول ما بعدت عن الأحداث بدأت أكلمه لكنه كان ما بـ يردش!
طبعا أصابتنى حالة من الخوف لما محمد ما كانش بـ يرد عليا، لأنى كنت متعودة لما بـ نتفرق وأبص على تليفونى ألاقيه هو اللى مكلمنى قبل ما أكلمه، وده طبعا كان معناه حاجة من اتنين، يا اعتقلوه يا حصل له حاجة! ما بقيتش عارفة أفكر فى أنهى سيناريو، بقى كل تفكيرى لما هـ روح هـ اقول للعيال إيه؟ هـ قول لهم "بابى" فين؟
وقتها كنت حاسة إن أنا نادلة لأنى مش قادرة أرجع تانى لنفس المكان بالرغم من إنه كان مستحيل بسبب الغاز والعساكر، قعدت أكلم أصحابنا اللى كانوا فى الميدان ألاقيهم يا بـ يجروا يا مش بـ يردوا! ومن نايحة تانية لاقيت تليفونى بـ يقطع فطلعت على العربية وحاولت أشحنه علشان يفضل مفتوح!
حوالى ساعة ونص وانا بـ دور على محمد ومفيش أمل، لحد ما رن تليفونى، لاقيت رقم غريب بـ يكلمنى:
"جوزك عندنا فى المستشفى الميدانى اللى فى محمد محمود ... تعالى لو سمحتى"
كانت دكتورة من المستشفى مش عارفة جابت نمرتى منين، كانت رافضة تقول أى تفاصيل، حاولت أرجع لكن كل ما أقرب شوية ألاقى الناس بـ تجرى من الميدان لبرا! حاولت أدخل من الشوارع الجانبية كانت المتظاهرين بـ يمنعونى لأنها كانت خطر جدا! لحد ما قدرت أوصل لهناك بعد كتير.
دخلت فى وسط المستشفى والمصابين اللى بالعشرات ومغرقين كل حتة، لاقيته فى حالة ما توقعتش إننى ممكن أشوفها فى حياتى! كان فاقد الوعى وكل حتة فيه مصابة زى ما يكون داسه قطر بجد! طبعا قلت أوديه المستشفى لكن طبعا كنا خايفين ليقبضوا عليه هناك زى ما بـ نسمع. فاضطريت أستنى لحد ما إخواته جم وأخدناها على مستشفى يعرفوا فيها حد.
طبعا فى الفترة دى كان بـ يهلوس بسبب الارتجاج، وانا كنت حاسة بخوف عليه وغضب من اللى عمل فيه كده. وصلنا المستشفى وبدأت التحليل والإشاعات، وانا واقفة برا مستنية لاقيت صورة الجثث على تويتر، وما صدقتش لما لاقيته فى وسطهم!
لما روحت البيت بالليل لاقيت نفسى بـ دور على الصورة علشان أتأكد، والصورة اللى فتحتها كان حد عامل أسهم ومرقم الجثث، وكان محمد رقم 7، وقت ما شفت الرقم حسيت بصدمة، حسيت إن جوزى كان ممكن يبقى مجرد رقم بـ يتعد فى وسط الشهداء، رقم ما يعنيش حاجة لناس كتير! بدأت أفكر لو كان محمد ما رجعش، كنت هـ حس بإيه وانا شايفاه جثة فى الزبالة، وبدأت أفهم الناس اللى بـ يفقدوا حد قريب منهم بالصورة دى بـ يحسوا بإيه!
فى الآخر طبعا أنا بـ احمد ربنا على إنه رجع سليم لبيته وأولاده، وبـ حس إنى مكسوفة أحكى لأن فيه ناس تانية استشهدوا وناس فقدوا أبصارهم ...
مش ناسية لما فرجنا أولادنا (4 و7 سنين) على الفيديو، وتأثروا رغم إنهم مش فاهمين اللى بـ يحصل ... ومش ناسية ابنى (7 سنين) وهو بـ يقول لباباه بعدها:
I am proud of you
أنا فخور بك
وفى يوم 20 كنا فى محمد محمود، تقريبا عند المستشفى الميدانى اللى عند أول الشارع، وكنت أخدت طلقة مطاطية قبلها بشوية، وكان الموضوع بـ يتكرر زى اليوم اللى قبله، ضرب خرطوش ومطاطى وغاز، وكل شوية الداخلية تتقدم والناس تجرى وبعدين نرجع تانى علشان نرجعهم!
فجأة كده وبدون مقدمات، لاقينا الناس بـ يجروا وهـمّ مرعوبين أكتر من المرات اللى فات، محمد جوزى قعد زى كل مرة يقول "ثابت" و"ما تجريش" ويحاول يهدى الناس لكن المرة دى الناس ما بطلتش جرى وبقينا فى حالة من الفوضى والخوف غريبة! قعدت أقول له "ياللا نجرى" و"المرة دى لازم نجرى" لكن هو ما كانش مقتنع إن المفروض نجرى!
فجأة الضغط زاد أوى ولاقيت الناس بـ تندفع بطريقة غير معقولة، لدرجت إن محمد اللى كان على بُعد نص متر منى فى ثانية ما بقيتش شايفاه! قعدت أحاول أرجع أدور عليه لكن تدافع الناس خلانى مش عارفة أرجع متر لورا! فجأة لاقيت نفسى بـ اتزق ناحية المترو، ولاقيت العساكر بتوع الجيش ومعاهم العصيان وبـ يقربوا جدا وبـ يضربوا الناس بطريقة بشعة! بعدها لاقيت نفسى مستخبية فى شارع طلعت حرب، وأول ما بعدت عن الأحداث بدأت أكلمه لكنه كان ما بـ يردش!
طبعا أصابتنى حالة من الخوف لما محمد ما كانش بـ يرد عليا، لأنى كنت متعودة لما بـ نتفرق وأبص على تليفونى ألاقيه هو اللى مكلمنى قبل ما أكلمه، وده طبعا كان معناه حاجة من اتنين، يا اعتقلوه يا حصل له حاجة! ما بقيتش عارفة أفكر فى أنهى سيناريو، بقى كل تفكيرى لما هـ روح هـ اقول للعيال إيه؟ هـ قول لهم "بابى" فين؟
وقتها كنت حاسة إن أنا نادلة لأنى مش قادرة أرجع تانى لنفس المكان بالرغم من إنه كان مستحيل بسبب الغاز والعساكر، قعدت أكلم أصحابنا اللى كانوا فى الميدان ألاقيهم يا بـ يجروا يا مش بـ يردوا! ومن نايحة تانية لاقيت تليفونى بـ يقطع فطلعت على العربية وحاولت أشحنه علشان يفضل مفتوح!
حوالى ساعة ونص وانا بـ دور على محمد ومفيش أمل، لحد ما رن تليفونى، لاقيت رقم غريب بـ يكلمنى:
"جوزك عندنا فى المستشفى الميدانى اللى فى محمد محمود ... تعالى لو سمحتى"
كانت دكتورة من المستشفى مش عارفة جابت نمرتى منين، كانت رافضة تقول أى تفاصيل، حاولت أرجع لكن كل ما أقرب شوية ألاقى الناس بـ تجرى من الميدان لبرا! حاولت أدخل من الشوارع الجانبية كانت المتظاهرين بـ يمنعونى لأنها كانت خطر جدا! لحد ما قدرت أوصل لهناك بعد كتير.
دخلت فى وسط المستشفى والمصابين اللى بالعشرات ومغرقين كل حتة، لاقيته فى حالة ما توقعتش إننى ممكن أشوفها فى حياتى! كان فاقد الوعى وكل حتة فيه مصابة زى ما يكون داسه قطر بجد! طبعا قلت أوديه المستشفى لكن طبعا كنا خايفين ليقبضوا عليه هناك زى ما بـ نسمع. فاضطريت أستنى لحد ما إخواته جم وأخدناها على مستشفى يعرفوا فيها حد.
طبعا فى الفترة دى كان بـ يهلوس بسبب الارتجاج، وانا كنت حاسة بخوف عليه وغضب من اللى عمل فيه كده. وصلنا المستشفى وبدأت التحليل والإشاعات، وانا واقفة برا مستنية لاقيت صورة الجثث على تويتر، وما صدقتش لما لاقيته فى وسطهم!
لما روحت البيت بالليل لاقيت نفسى بـ دور على الصورة علشان أتأكد، والصورة اللى فتحتها كان حد عامل أسهم ومرقم الجثث، وكان محمد رقم 7، وقت ما شفت الرقم حسيت بصدمة، حسيت إن جوزى كان ممكن يبقى مجرد رقم بـ يتعد فى وسط الشهداء، رقم ما يعنيش حاجة لناس كتير! بدأت أفكر لو كان محمد ما رجعش، كنت هـ حس بإيه وانا شايفاه جثة فى الزبالة، وبدأت أفهم الناس اللى بـ يفقدوا حد قريب منهم بالصورة دى بـ يحسوا بإيه!
فى الآخر طبعا أنا بـ احمد ربنا على إنه رجع سليم لبيته وأولاده، وبـ حس إنى مكسوفة أحكى لأن فيه ناس تانية استشهدوا وناس فقدوا أبصارهم ...
مش ناسية لما فرجنا أولادنا (4 و7 سنين) على الفيديو، وتأثروا رغم إنهم مش فاهمين اللى بـ يحصل ... ومش ناسية ابنى (7 سنين) وهو بـ يقول لباباه بعدها:
I am proud of you
أنا فخور بك
توثيق لعام من انتهاكات العسكر (يوليو 2011) - شهادة الناشط ماجد الزيني عن أحداث العباسية
أنا ماجد الزينى طالب بالجامعة الألمانية بالقاهرة وعضو بحركة ثوار الجامعة الألمانية وهذه شهادة منى على أحداث ميدان مسجد النور الشهيرة بأحداث العباسية يا رب قدرنى على سرد الحقيقة كاملة كما عاصرتها ورأيتها وقدرنى على تحمل مسئولية هذه الشهادة!!
ما قبل العباسية
كانت قد تزايدت حدة الاحتجاجات على المجلس العسكرى وعلى أدائه فى الفترة التى قضاها فى إدارة البلاد. كانت هذه الاحتجاجات المتزايدة نتيجة لبطء شديد فى محاكمات رموز النظام القديم وعلى رأسهم مبارك وأسباب أخرى متعلقة بطريقة تواصل المجلس مع الشعب وطريقة توجيهه اتهامات جزافا لأى فئة فى أى مناسبة لأى سبب. لكن كانت الكارثة الكبرى هى عندما أصدر المجلس العسكرى بيانا يتهم فيه حركة 6 أبريل صراحة بإشاعة البلبلة وتحريض الجماهير، بل واتهمهم بتلقى تمويل مادى من دول أجنبية وهو ما أدى لأن رفعت حركة 6 أبريل دعوى قضائية ضد اللواء محسن الفنجرى لتوجيهه هذه الاتهامات دون أى أدلة وبالفعل تم تبرئة الحركة من كل هذه التهم (بالمناسبة أنا لست عضوا بـ 6 أبريل ولا أعرف شخصيا أيا من أعضائها).
المهم ... كان هذا البيان الغريب من المجلس العسكرى بمثابة توجيه رسالة لجميع ثوار مصر وحثهم على مساندة 6 أبريل والتضامن معها وهو عكس ما كان ينتويه البيان من تحريض واضح ضد حركة 6 أبريل. وبالفعل تم الدعوة لمسيرة سلمية إلى مقر وزارة الدفاع تضامنا مع حركة 6 أبريل ورفضا لسياسة المجلس العسكرى بتوجيه الاتهامات كما يشاء دون أدلة ومطالبة لاستكمال مطالب الثورة المتباطئ فى تنفيذها وعلى رأسها سرعة المحاكمات.
كنت متابع لكل هذه التطورات وأخذت قرارى بالمشاركة فى المسيرة خاصة وأن منزلى فى منتصف صلاح سالم تقريبا، أى قريب جدا من وجهة المسيرة وكان لى أصدقاء فى المسيرة كنت أتابعهم حتى تقترب المسيرة السلمية إلى حد ما من منطقة العباسية لأنضم لها. إلا أنهم فجأة لم يعد أحد منهم يرد على هاتفه. لا أحد منهم على الإطلاق! بدأت أقرأ على تويتر أخبار من المسيرة عن تعرضها لهجوم بلطجية بزجاجات المولوتوف من فوق أسطح المبانى آخر شارع رمسيس قبل ميدان مسجد النور وأيضا هجوم بالأسلحة البيضاء من بلطجية أتوا من الشوارع الجانبية وبدأ عداد المصابين فى التصاعد، كل هذه الأخبار كانت ثانية بثانية على تويتر من أشخاص فى المسيرة. بعدها رد علىَّ أحد أصدقائى فى المسيرة وأكد لى كل هذه الأخبار بالنص، وقال لى باللفظ "إن المسيرة وقعت فى (كماشة) فتحت عليهم من البلطجية من كل الاتجاهات حتى من فوق أسطح المبانى وأن المتظاهرين بدأوا بالرد عليهم بإلقاء الحجارة" وكنت أسمع صوته وهو يقول "جمع طوب بسرعة" وقال لى فى عجالة حاول أن لا تأتى الآن وأغلَق الهاتف.
كل هذا ولم يكن هناك أى إشارة لقوات الجيش فى أى خبر من الأخبار الواردة من هناك سواء مكان تواجدهم أو هل هم أصلا متواجدين أم لا أو أى شىء عنهم. قررت أن أنزل من بيتى فورا وأذهب إلى هناك. فى الطريق بدأت أتابع على تويتر أخبار جديدة بسماع صوت طلقات كثيف جدا من أمام مسجد النور وأن مع تقدم المتظاهرين بضع أمتار فوجئوا بوجود قوات الجيش بكثافة أمام مسجد النور. ولكن لم يتمكن المتظاهرون من معرفة هل كانت هذه الطلقات من الجيش أو أن بعض البلطجية كانوا يحملون أسلحة نارية.
كوبرى الفنجرى
وصلت تحت كوبرى الفنجرى وكان طريق صلاح سالم شبه مغلق من التزاحم نظرا لقيام قوات الأمن بسرعة رهيبة بغلق جميع الطرق المؤدية للعباسية وأهمها من أسفل كوبرى أكتوبر. المسافة من أول شارع الطيران إلى أسفل كوبرى الفنجرى استغرقت تقريبا ساعة كاملة بالسيارة. ركنت السيارة أسفل كوبرى الفنجرى وقررت أن أكمل المشوار إلى العباسية سيرا. سرت فى طريق صلاح سالم مع اتجاه سير السيارات.
فى أثناء سيرى كنت أرى طائرات مروحية تابعة للقوات المسلحة تطوف أعلى المنطقة بالكامل، كانت الساعة تقريبا الثامنة مساء وكان قد مر حوالى ثلاث ساعات أو أقل قليلا على بدء الأحداث. دخلت يمينا من أسفل كوبرى أكتوبر فى اتجاه ميدان العباسية. كانت المنطقة بالكامل مغلقة بالحواجز وقوات الأمن منتشرة انتشارا ملحوظا. وفى هذه اللحظات كنت أتابع الأخبار على الإنترنت من التليفون وقد انتشر خبر تدخل قوات الأمن المركزى لفض الاشتباك بين المتظاهرين والبلطجية وهدوء الموقف نسبيا، لكن فى نفس الوقت كانت أخبار عن أن أعداد المصابين تتزايد بشدة. لم يكن أحد غيرى تقريبا أو بضع أشخاص يتجهون فى نفس خط سيرى إلى ميدان مسجد النور.
مسجد النور
وصلت قبل المسجد تقريبا بمسافة 50 متر ووجدت بالفعل قوات جيش يقفون بعرض الطريق لكن وجههم للأمام ناحية مسجد النور وأنا فى خلفهم ويضعون أمامهم أسلاكا شائكة ويقف أمامهم مجموعة عددها أقل بكثير من عدد الذين كانوا فى المسيرة على حسب العدد المعلن للمسيرة على الإنترنت والذى قدر بحوالى عشرين ألفا. وكان يقف فى نفس مكانى خلف قوات الجيش مجموعة أيضا من الناس حاملين أعلام مصر. لم أكن أعرف مَن منهم المتظاهرين ومَن منهم أهالى العباسية ومَن ليس هذا أو ذاك.
أن تكون فى الجانب الخاطئ!
لم أكن أعرف التقسيمة "مَن يقف أين"!! وكان يساعد قوات الجيش قوات الأمن فى غلق الميدان لكنهم كانوا يمررون حركة السير فى اتجاه واحد فقط الخروج وليس الدخول. بدأت أسمع من الناس الواقفين بجانبى خلف قوات الجيش كلاما مساندا ومؤيدا للجيش ومتهكما بشدة على الثوار الذين يريدون حرق وزارة الدفاع على حد قولهم، فأيقنت أنى واقف فى المكان الخطأ وأن منطقى أن يكون الجانب الآخر هم المتظاهرين. أردت أن أصل إليهم بأى طريقة فقررت أن أدخل من شارع ضيق كان على اليسار وقلت أتصرف فى الحوارى والشوارع الجانبية حتى أتمكن من الوصول للجهة الأخرى مع المتظاهرين.
لم أكن أعلم بطبيعة الحال داخل هذه الشوارع ولكن الذى كان واضحا من الأخبار منذ بداية الأحداث أن سكان هذه المنطقة هم الذين هاجموا المسيرة واتضح هذا عندما تم إلقاء الطوب والمولوتوف من فوق المبانى لكنى لم أكن أعلم هل هذه المنطقة التى أنا بها الآن هى التى خرج سكانها على المسيرة أو منطقة ثانية ناحية شارع رمسيس؟
الأهالى المتحفزين
دخلت الشارع بسهولة بالغة وما أن دخلت حتى بدأت تتضح لى ملامح الحقيقة التى كانت بمثابة مفاجأة مدوية. رأيت كما هائلا من حاملى السلاح الأبيض بجميع أشكاله وأنواعه حتى السيف، وأقسم بالله أنى رأيت هذا بعينى. رأيت نساء يجلسن على مداخل العقارات ويقلن لأبنائهن حاملى الأسلحة البيضاء: "اقطعوا رقبة أى حد يجرؤ ييجى هنا". وبدأت أشتم رائحة غاز مسيل للدموع وكان تأثيره قوى مما يعنى أنه كان قد أطلق قبل ثوانٍ معدودة. رأيت كما من العصبية والتشنج من هؤلاء الشباب وكانوا يتحدثون بصوت عالٍ ويلوحون بأسلحتهم البيضاء ويقولون: "ارجع وراء وسيبك من الشارع ده، اللى هـ يعتب هنا هـ ندبحه" بدأت أيقن أن هؤلاء هم بالفعل أهل المنطقة وأنهم يعتقدون أن أحدا سوف يقتحم عليهم منازلهم فيقومون هم بحمايتها. لا أخفى رعبى وخوفى من أن يشتبهون فى أننى واحد من المتظاهرين، وكنت أفكر فى إجابة إذا سألنى أحدهم عن سبب تواجدى هناك أو إلى أين أذهب.
تنسيق الأهالى والأمن!
ولكن كانت المفاجأة الثانية، والتى كانت بقدر ما أزعجتنى بشدة، وقفت بجانبى وحمتنى من بطش أهل المنطقة بى. كانت هذه المفاجأة هى وقوف جنود أمن مركزى وتجميع صفوفهم داخل شوارع هذه المنطقة. وكان يحميهم ويساعدهم بل ويوجههم لمداخل ومخارج هذه المنطقة هؤلاء الشباب. وكان ما أنقذنى فى هذه اللحظة هو أن أتيحت لى الفرصة فى وسط تلك الحالة من الهرج والمرج الناتجة عن إطلاق الغازات المسيلة للدموع بأن ألوذ بالفرار إلى ناحية المتظاهرين بعد أن كنت أسير ويسير بجانبى بالضبط أشخاص يحملون السيوف، وأحمد الله على عدم ارتيابهم فى وجودى وكان هذا شيئا غريبا جدا والحمد لله.
الشارع الذى خرجت منه لأكون فى صف المتظاهرين هو الشارع الملاصق تماما لبنزينة التعاون الشهيرة الموجودة فى آخر شارع رمسيس قبل مسجد النور مباشرة.
وصولى للمسيرة
عندما وقفت لأول مرة وسط صفوف المتظاهرين لم أكن أصدق أنى أخيرا قد وصلت لهم وأنى وسطهم لدرجة جعلتنى أسأل أكثر من مرة "هل أنتم من كنتم بالمسيرة؟" حتى أطمئن لوجودى فى المكان الصحيح، وبعد دقائق بدأت أتوغل فى وسط صفوفهم لأرى كم الإصابات الرهيبة فى صفوف المتظاهرين وبدأت أرى المشهد الكامل. شارع مغطى بالزجاج المكسور، شارع مغطى بكم هائل من الحجارة، رصيف بالكامل منزوع الرخام والبلاط، بنزينة فر منها العاملون وبداخلها كم هائل من صناديق الزجاج الملىء بالبنزين والذى عرفت فيما بعد من المتظاهرين أن الطرف الآخر والذى هو فى هذه الحالة سكان المنطقة ومعهم مَن يعاونهم من البلطجية كانوا قد استولوا على هذه البنزينة واستخدموها لملء زجاجات المولوتوف التى كانوا يلقون بها من فوق البنايات. رأيت أطباء المستشفى المجاورة لمسجد النور وهى تقريبا، إن لم أكن مخطئا، مستشفى الدمرداش وكانوا يقفون ليس لعلاج المصابين الذين يحتاجون إلى علاج فورى ولكن لحماية المستشفى، على حد قولهم، من الهجوم الذى كان ينتوى البعض تنفيذه على المستشفى. كانت الاشتباكات فى هذه اللحظات متوقفة تماما.
كان المشهد الرئيسى فى هذه اللحظة هو وجود مصابين بأعداد هائلة على الأرض وأصوات تنادى: "أين العلاج نريد أطباء نريد إسعاف". وآخرون يحتمون داخل أسوار مسجد النور وقوات جيش تقف من وراء الأسلاك الشائكة تشاهد المشهد ولا تحرك ساكنا. دقائق وبدأت أسمع الروايات التى كانت إلى حد كبير متطابقة وكانت تنص على الآتى: "المسيرة كانت تتجه سلميا من شارع رمسيس إلى وزارة الدفاع. عند وصولهم قبل هذه البنزينة المذكورة فوجئوا بوابل من زجاجات المولوتوف تسقط عليهم من أسطح البنايات، وأناس يحملون أسلحة بيضاء يهاجمونهم من الوراء ومن الأمام وكانوا يخرجون من الشوارع الجانبية ولم يكن لدى المتظاهرين سوى تكسير حجارة الرصيف والبدء بالرد بإلقاء الحجارة وسمعت أن بعض هؤلاء حاملى الأسلحة البيضاء كانوا يأسرون بعضا من الشباب وينهالون عليهم بالأسلحة البيضاء ثم يرمونهم إلى المتظاهرين ليكونوا عبرة، حتى أننى سمعت رواية من أكثر من شخص أن أحد الشباب أمسك به اثنان يستقلون دراجة بخارية (فيسبا) زرقاء اللون وظلوا ينهالون عليه أمام أعين الناس بالأسلحة البيضاء ثم رموه وفروا هاربين. وكان معظم المتظاهرين يتحدثون عن هذه الواقعة بالتحديد".
شهادات المتظاهرين
كان يتحدث المتظاهرون عن كلام غريب يسمعونه تكرارا من أهالى المنطقة أثناء تعديهم بالضرب عليهم على سبيل المثال: "يا خونة يا اللى قابضين من برا" و"يا يهود يا اللى عايزين تخربوا مصر" و "مش هـ نسمحلكم تخربوا بيوتنا" و"قولوا قابضين كام علشان تحاربوا جيشنا" إضافة إلى وقوف أطباء المستشفى ومشاهدتهم للمصابين بهذا الكم دون محاولات إسعافهم بل كانوا معنيين فقط بحماية المستشفى.
بدأت تتضح الصورة، فهناك من أقنعهم بأن هذه المسيرة هى مسيرة لإحراق مصر. ثم استكملت الروايات بأن بعد فترة من الاشتباكات لاحظ بعض المتقدمين من صفوف المتظاهرين وقوف قوات الجيش أمام مسجد النور. واضعين أمامهم فاصلا من الأسلاك الشائكة وهذا يعني وجودهم من قبل وصول المسيرة بكثير وانتظارهم فى هذا المكان منذ مدة. وتعجب المتظاهرون من موقف الجيش السلبى الذى اكتفى بمشاهدة فئتين يشتبكان بهذا العنف ولم يتدخل بأى شكل ما لوقف هذا العنف خاصة وأن كم الهجوم والضرب الذى تعرض له المتظاهرون كان واضحا كما اتضح أيضا إلقاء زجاجات المولوتوف من فوق أسطح البنايات التى يقف تحتها قوات الجيش وكأنه يستمتع بما يتعرض له المتظاهرون بل ويحمى من يفعل بهم ذلك.
كل هذا كنت أسمعه من أشخاص متعددين فى ظل بحثى عن أصدقائى والذين عرفت بعد ذلك أن واحدا منهم قد أصيب وأخذوه ليعالجوه بعيدا عن موقع الاشتباكات. ثم استكملت الروايات بأن قوات الأمن المركزى قد ظهرت من داخل هذه الشوارع الجانبية ووقفوا بجانب أهل المنطقة وقاموا بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين ليكملوا سلسلة الهجوم عليهم وكأنهم لم يكتفوا بما فعله البلطجية بهم. بعد لحظات من وجودى هناك بدأت موجة ثانية من الهجوم. هذه المرة شاهدتها بعينى وكنت أقف بجوار سور مسجد النور تماما. بدأ إلقاء الحجارة من شبابيك الشقق وبدأ إلقاء زجاجات المولوتوف من فوق أسطح البنايات وفى هذه الحالة لم يكن فى صفوف المتظاهرين من يقدر على رد هذا الهجوم بالحجارة لأن الجميع كان منشغلا بالمصابين. ففر الجميع فى اتجاه مسجد النور حتى يحتموا بداخله. وكنت أنا أول من قفز من سور المسجد. وتأكد لى موقف قوات الجيش السلبى لأن هذا المشهد لا يمكن أن يحدث وتظل قوات الجيش بهذا الهدوء المستفز.
خلفت هذه الموجة من الهجوم كمية أخرى من المصابين وبدأت عربات الإسعاف تصل من ناحية شارع رمسيس لتقل المصابين ... وبالفعل كان هناك عربات إسعافات أولية لإسعاف الإصابات السطحية والبسيطة فى مكان الحدث وعربات أخرى لنقل الحالات الخطرة إلى المستشفيات. وكانت تحدث مثل هذه الموجات من الهجوم على المتظاهرين كل عشرة أو خمس عشرة دقيقة وبعد كل مرة كان يقف المتظاهرون فى وجه قوات الجيش هاتفين: "يسقط يسقط حكم العسكر".
بدأت أعداد المؤيدين لصفوف الجيش فى التزايد نسبيا من خلف مدرعات الجيش وبدأ إمام مسجد النور يخطب فى المتظاهرين من داخل المسجد عبر مكبرات الصوت بأن يتركوا ميدان المسجد حقنا للدماء وأن يتوجهوا بالمسيرة إلى ميدان التحرير وليفعلوا هناك ما يشاؤون. فليعتصموا أو ليهتفوا أو ليفعلوا ما يحلو لهم هناك. وبدأ يوجه بعض كلمات اللوم على قوات الجيش المتواجدة على سلبيتها وعدم تدخلها. حتى ظهر بعض الشباب والرجال الواضح من ملابسهم وهيئتهم أنهم متعلمون وبدأوا يصيحون فى وسط صفوف المتظاهرين بأنهم من سكان هذه المنطقة وأنهم شاهدوا المشهد كاملا بأعينهم، وأن بالفعل من هاجمهم هم من سكان المنطقة أيضا ولكنهم أقسموا بالله أن من يتحمل المسئولية كاملة هم قوات الجيش التى أتت منذ صباح ذلك اليوم وظلت تشيع بين سكان المنطقة أنه سوف تصل مساء ذلك اليوم مسيرة ضخمة من أعضاء حركة 6 أبريل الخونة الممولين الذين يهدفون إلى هدم وزارة الدفاع وأنهم سوف يعتصمون فى هذا الميدان ليغلقوا منازلكم ويمنعوكم من الذهاب إلى أعمالكم ويغلقون محلاتكم ويوقفون حالكم وواجبكم أن تتصدوا لهم بكل حزم حتى تحموا حياتكم الخاصة وبيوتكم . وبالفعل ظهر أكثر من شخص من داخل المنطقة ليقر هذا الكلام بالضبط.
وهنا اتضحت الصورة غير المنطقية لشراسة هجوم السكان على المتظاهرين وسلبية أطباء المستشفى المجاورة للمسجد وتأكدت الشكوك بأن أحدا كان لقنهم كلاما تسبب فى موقفهم هذا واتضح أيضا السبب وراء برود قوات الجيش وسكوتهم بل وحمايتهم لمهاجمى المسيرة السلمية حتى ينفذوا هجومهم بكل أريحية على المتظاهرين ... وبالفعل تم الاستجابة لشيخ مسجد النور وجمع المتظاهرون صفوفهم واتجهوا من شارع آخر خلف مسجد النور حتى لا يحتكوا مرة أخرى بأهل المنطقة وساروا فى مسيرة واحدة فى اتجاه ميدان التحرير عبر شارع غمرة وبدأ من يومها اعتصام يوليو. كانت هذه شهادتى على أحداث هذا اليوم الصعب كما عشته وكما رأيته بأم عينى ... والله على ما أقول شهيد.
ما قبل العباسية
كانت قد تزايدت حدة الاحتجاجات على المجلس العسكرى وعلى أدائه فى الفترة التى قضاها فى إدارة البلاد. كانت هذه الاحتجاجات المتزايدة نتيجة لبطء شديد فى محاكمات رموز النظام القديم وعلى رأسهم مبارك وأسباب أخرى متعلقة بطريقة تواصل المجلس مع الشعب وطريقة توجيهه اتهامات جزافا لأى فئة فى أى مناسبة لأى سبب. لكن كانت الكارثة الكبرى هى عندما أصدر المجلس العسكرى بيانا يتهم فيه حركة 6 أبريل صراحة بإشاعة البلبلة وتحريض الجماهير، بل واتهمهم بتلقى تمويل مادى من دول أجنبية وهو ما أدى لأن رفعت حركة 6 أبريل دعوى قضائية ضد اللواء محسن الفنجرى لتوجيهه هذه الاتهامات دون أى أدلة وبالفعل تم تبرئة الحركة من كل هذه التهم (بالمناسبة أنا لست عضوا بـ 6 أبريل ولا أعرف شخصيا أيا من أعضائها).
المهم ... كان هذا البيان الغريب من المجلس العسكرى بمثابة توجيه رسالة لجميع ثوار مصر وحثهم على مساندة 6 أبريل والتضامن معها وهو عكس ما كان ينتويه البيان من تحريض واضح ضد حركة 6 أبريل. وبالفعل تم الدعوة لمسيرة سلمية إلى مقر وزارة الدفاع تضامنا مع حركة 6 أبريل ورفضا لسياسة المجلس العسكرى بتوجيه الاتهامات كما يشاء دون أدلة ومطالبة لاستكمال مطالب الثورة المتباطئ فى تنفيذها وعلى رأسها سرعة المحاكمات.
كنت متابع لكل هذه التطورات وأخذت قرارى بالمشاركة فى المسيرة خاصة وأن منزلى فى منتصف صلاح سالم تقريبا، أى قريب جدا من وجهة المسيرة وكان لى أصدقاء فى المسيرة كنت أتابعهم حتى تقترب المسيرة السلمية إلى حد ما من منطقة العباسية لأنضم لها. إلا أنهم فجأة لم يعد أحد منهم يرد على هاتفه. لا أحد منهم على الإطلاق! بدأت أقرأ على تويتر أخبار من المسيرة عن تعرضها لهجوم بلطجية بزجاجات المولوتوف من فوق أسطح المبانى آخر شارع رمسيس قبل ميدان مسجد النور وأيضا هجوم بالأسلحة البيضاء من بلطجية أتوا من الشوارع الجانبية وبدأ عداد المصابين فى التصاعد، كل هذه الأخبار كانت ثانية بثانية على تويتر من أشخاص فى المسيرة. بعدها رد علىَّ أحد أصدقائى فى المسيرة وأكد لى كل هذه الأخبار بالنص، وقال لى باللفظ "إن المسيرة وقعت فى (كماشة) فتحت عليهم من البلطجية من كل الاتجاهات حتى من فوق أسطح المبانى وأن المتظاهرين بدأوا بالرد عليهم بإلقاء الحجارة" وكنت أسمع صوته وهو يقول "جمع طوب بسرعة" وقال لى فى عجالة حاول أن لا تأتى الآن وأغلَق الهاتف.
كل هذا ولم يكن هناك أى إشارة لقوات الجيش فى أى خبر من الأخبار الواردة من هناك سواء مكان تواجدهم أو هل هم أصلا متواجدين أم لا أو أى شىء عنهم. قررت أن أنزل من بيتى فورا وأذهب إلى هناك. فى الطريق بدأت أتابع على تويتر أخبار جديدة بسماع صوت طلقات كثيف جدا من أمام مسجد النور وأن مع تقدم المتظاهرين بضع أمتار فوجئوا بوجود قوات الجيش بكثافة أمام مسجد النور. ولكن لم يتمكن المتظاهرون من معرفة هل كانت هذه الطلقات من الجيش أو أن بعض البلطجية كانوا يحملون أسلحة نارية.
كوبرى الفنجرى
وصلت تحت كوبرى الفنجرى وكان طريق صلاح سالم شبه مغلق من التزاحم نظرا لقيام قوات الأمن بسرعة رهيبة بغلق جميع الطرق المؤدية للعباسية وأهمها من أسفل كوبرى أكتوبر. المسافة من أول شارع الطيران إلى أسفل كوبرى الفنجرى استغرقت تقريبا ساعة كاملة بالسيارة. ركنت السيارة أسفل كوبرى الفنجرى وقررت أن أكمل المشوار إلى العباسية سيرا. سرت فى طريق صلاح سالم مع اتجاه سير السيارات.
فى أثناء سيرى كنت أرى طائرات مروحية تابعة للقوات المسلحة تطوف أعلى المنطقة بالكامل، كانت الساعة تقريبا الثامنة مساء وكان قد مر حوالى ثلاث ساعات أو أقل قليلا على بدء الأحداث. دخلت يمينا من أسفل كوبرى أكتوبر فى اتجاه ميدان العباسية. كانت المنطقة بالكامل مغلقة بالحواجز وقوات الأمن منتشرة انتشارا ملحوظا. وفى هذه اللحظات كنت أتابع الأخبار على الإنترنت من التليفون وقد انتشر خبر تدخل قوات الأمن المركزى لفض الاشتباك بين المتظاهرين والبلطجية وهدوء الموقف نسبيا، لكن فى نفس الوقت كانت أخبار عن أن أعداد المصابين تتزايد بشدة. لم يكن أحد غيرى تقريبا أو بضع أشخاص يتجهون فى نفس خط سيرى إلى ميدان مسجد النور.
مسجد النور
وصلت قبل المسجد تقريبا بمسافة 50 متر ووجدت بالفعل قوات جيش يقفون بعرض الطريق لكن وجههم للأمام ناحية مسجد النور وأنا فى خلفهم ويضعون أمامهم أسلاكا شائكة ويقف أمامهم مجموعة عددها أقل بكثير من عدد الذين كانوا فى المسيرة على حسب العدد المعلن للمسيرة على الإنترنت والذى قدر بحوالى عشرين ألفا. وكان يقف فى نفس مكانى خلف قوات الجيش مجموعة أيضا من الناس حاملين أعلام مصر. لم أكن أعرف مَن منهم المتظاهرين ومَن منهم أهالى العباسية ومَن ليس هذا أو ذاك.
أن تكون فى الجانب الخاطئ!
لم أكن أعرف التقسيمة "مَن يقف أين"!! وكان يساعد قوات الجيش قوات الأمن فى غلق الميدان لكنهم كانوا يمررون حركة السير فى اتجاه واحد فقط الخروج وليس الدخول. بدأت أسمع من الناس الواقفين بجانبى خلف قوات الجيش كلاما مساندا ومؤيدا للجيش ومتهكما بشدة على الثوار الذين يريدون حرق وزارة الدفاع على حد قولهم، فأيقنت أنى واقف فى المكان الخطأ وأن منطقى أن يكون الجانب الآخر هم المتظاهرين. أردت أن أصل إليهم بأى طريقة فقررت أن أدخل من شارع ضيق كان على اليسار وقلت أتصرف فى الحوارى والشوارع الجانبية حتى أتمكن من الوصول للجهة الأخرى مع المتظاهرين.
لم أكن أعلم بطبيعة الحال داخل هذه الشوارع ولكن الذى كان واضحا من الأخبار منذ بداية الأحداث أن سكان هذه المنطقة هم الذين هاجموا المسيرة واتضح هذا عندما تم إلقاء الطوب والمولوتوف من فوق المبانى لكنى لم أكن أعلم هل هذه المنطقة التى أنا بها الآن هى التى خرج سكانها على المسيرة أو منطقة ثانية ناحية شارع رمسيس؟
الأهالى المتحفزين
دخلت الشارع بسهولة بالغة وما أن دخلت حتى بدأت تتضح لى ملامح الحقيقة التى كانت بمثابة مفاجأة مدوية. رأيت كما هائلا من حاملى السلاح الأبيض بجميع أشكاله وأنواعه حتى السيف، وأقسم بالله أنى رأيت هذا بعينى. رأيت نساء يجلسن على مداخل العقارات ويقلن لأبنائهن حاملى الأسلحة البيضاء: "اقطعوا رقبة أى حد يجرؤ ييجى هنا". وبدأت أشتم رائحة غاز مسيل للدموع وكان تأثيره قوى مما يعنى أنه كان قد أطلق قبل ثوانٍ معدودة. رأيت كما من العصبية والتشنج من هؤلاء الشباب وكانوا يتحدثون بصوت عالٍ ويلوحون بأسلحتهم البيضاء ويقولون: "ارجع وراء وسيبك من الشارع ده، اللى هـ يعتب هنا هـ ندبحه" بدأت أيقن أن هؤلاء هم بالفعل أهل المنطقة وأنهم يعتقدون أن أحدا سوف يقتحم عليهم منازلهم فيقومون هم بحمايتها. لا أخفى رعبى وخوفى من أن يشتبهون فى أننى واحد من المتظاهرين، وكنت أفكر فى إجابة إذا سألنى أحدهم عن سبب تواجدى هناك أو إلى أين أذهب.
تنسيق الأهالى والأمن!
ولكن كانت المفاجأة الثانية، والتى كانت بقدر ما أزعجتنى بشدة، وقفت بجانبى وحمتنى من بطش أهل المنطقة بى. كانت هذه المفاجأة هى وقوف جنود أمن مركزى وتجميع صفوفهم داخل شوارع هذه المنطقة. وكان يحميهم ويساعدهم بل ويوجههم لمداخل ومخارج هذه المنطقة هؤلاء الشباب. وكان ما أنقذنى فى هذه اللحظة هو أن أتيحت لى الفرصة فى وسط تلك الحالة من الهرج والمرج الناتجة عن إطلاق الغازات المسيلة للدموع بأن ألوذ بالفرار إلى ناحية المتظاهرين بعد أن كنت أسير ويسير بجانبى بالضبط أشخاص يحملون السيوف، وأحمد الله على عدم ارتيابهم فى وجودى وكان هذا شيئا غريبا جدا والحمد لله.
الشارع الذى خرجت منه لأكون فى صف المتظاهرين هو الشارع الملاصق تماما لبنزينة التعاون الشهيرة الموجودة فى آخر شارع رمسيس قبل مسجد النور مباشرة.
وصولى للمسيرة
عندما وقفت لأول مرة وسط صفوف المتظاهرين لم أكن أصدق أنى أخيرا قد وصلت لهم وأنى وسطهم لدرجة جعلتنى أسأل أكثر من مرة "هل أنتم من كنتم بالمسيرة؟" حتى أطمئن لوجودى فى المكان الصحيح، وبعد دقائق بدأت أتوغل فى وسط صفوفهم لأرى كم الإصابات الرهيبة فى صفوف المتظاهرين وبدأت أرى المشهد الكامل. شارع مغطى بالزجاج المكسور، شارع مغطى بكم هائل من الحجارة، رصيف بالكامل منزوع الرخام والبلاط، بنزينة فر منها العاملون وبداخلها كم هائل من صناديق الزجاج الملىء بالبنزين والذى عرفت فيما بعد من المتظاهرين أن الطرف الآخر والذى هو فى هذه الحالة سكان المنطقة ومعهم مَن يعاونهم من البلطجية كانوا قد استولوا على هذه البنزينة واستخدموها لملء زجاجات المولوتوف التى كانوا يلقون بها من فوق البنايات. رأيت أطباء المستشفى المجاورة لمسجد النور وهى تقريبا، إن لم أكن مخطئا، مستشفى الدمرداش وكانوا يقفون ليس لعلاج المصابين الذين يحتاجون إلى علاج فورى ولكن لحماية المستشفى، على حد قولهم، من الهجوم الذى كان ينتوى البعض تنفيذه على المستشفى. كانت الاشتباكات فى هذه اللحظات متوقفة تماما.
كان المشهد الرئيسى فى هذه اللحظة هو وجود مصابين بأعداد هائلة على الأرض وأصوات تنادى: "أين العلاج نريد أطباء نريد إسعاف". وآخرون يحتمون داخل أسوار مسجد النور وقوات جيش تقف من وراء الأسلاك الشائكة تشاهد المشهد ولا تحرك ساكنا. دقائق وبدأت أسمع الروايات التى كانت إلى حد كبير متطابقة وكانت تنص على الآتى: "المسيرة كانت تتجه سلميا من شارع رمسيس إلى وزارة الدفاع. عند وصولهم قبل هذه البنزينة المذكورة فوجئوا بوابل من زجاجات المولوتوف تسقط عليهم من أسطح البنايات، وأناس يحملون أسلحة بيضاء يهاجمونهم من الوراء ومن الأمام وكانوا يخرجون من الشوارع الجانبية ولم يكن لدى المتظاهرين سوى تكسير حجارة الرصيف والبدء بالرد بإلقاء الحجارة وسمعت أن بعض هؤلاء حاملى الأسلحة البيضاء كانوا يأسرون بعضا من الشباب وينهالون عليهم بالأسلحة البيضاء ثم يرمونهم إلى المتظاهرين ليكونوا عبرة، حتى أننى سمعت رواية من أكثر من شخص أن أحد الشباب أمسك به اثنان يستقلون دراجة بخارية (فيسبا) زرقاء اللون وظلوا ينهالون عليه أمام أعين الناس بالأسلحة البيضاء ثم رموه وفروا هاربين. وكان معظم المتظاهرين يتحدثون عن هذه الواقعة بالتحديد".
شهادات المتظاهرين
كان يتحدث المتظاهرون عن كلام غريب يسمعونه تكرارا من أهالى المنطقة أثناء تعديهم بالضرب عليهم على سبيل المثال: "يا خونة يا اللى قابضين من برا" و"يا يهود يا اللى عايزين تخربوا مصر" و "مش هـ نسمحلكم تخربوا بيوتنا" و"قولوا قابضين كام علشان تحاربوا جيشنا" إضافة إلى وقوف أطباء المستشفى ومشاهدتهم للمصابين بهذا الكم دون محاولات إسعافهم بل كانوا معنيين فقط بحماية المستشفى.
بدأت تتضح الصورة، فهناك من أقنعهم بأن هذه المسيرة هى مسيرة لإحراق مصر. ثم استكملت الروايات بأن بعد فترة من الاشتباكات لاحظ بعض المتقدمين من صفوف المتظاهرين وقوف قوات الجيش أمام مسجد النور. واضعين أمامهم فاصلا من الأسلاك الشائكة وهذا يعني وجودهم من قبل وصول المسيرة بكثير وانتظارهم فى هذا المكان منذ مدة. وتعجب المتظاهرون من موقف الجيش السلبى الذى اكتفى بمشاهدة فئتين يشتبكان بهذا العنف ولم يتدخل بأى شكل ما لوقف هذا العنف خاصة وأن كم الهجوم والضرب الذى تعرض له المتظاهرون كان واضحا كما اتضح أيضا إلقاء زجاجات المولوتوف من فوق أسطح البنايات التى يقف تحتها قوات الجيش وكأنه يستمتع بما يتعرض له المتظاهرون بل ويحمى من يفعل بهم ذلك.
كل هذا كنت أسمعه من أشخاص متعددين فى ظل بحثى عن أصدقائى والذين عرفت بعد ذلك أن واحدا منهم قد أصيب وأخذوه ليعالجوه بعيدا عن موقع الاشتباكات. ثم استكملت الروايات بأن قوات الأمن المركزى قد ظهرت من داخل هذه الشوارع الجانبية ووقفوا بجانب أهل المنطقة وقاموا بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين ليكملوا سلسلة الهجوم عليهم وكأنهم لم يكتفوا بما فعله البلطجية بهم. بعد لحظات من وجودى هناك بدأت موجة ثانية من الهجوم. هذه المرة شاهدتها بعينى وكنت أقف بجوار سور مسجد النور تماما. بدأ إلقاء الحجارة من شبابيك الشقق وبدأ إلقاء زجاجات المولوتوف من فوق أسطح البنايات وفى هذه الحالة لم يكن فى صفوف المتظاهرين من يقدر على رد هذا الهجوم بالحجارة لأن الجميع كان منشغلا بالمصابين. ففر الجميع فى اتجاه مسجد النور حتى يحتموا بداخله. وكنت أنا أول من قفز من سور المسجد. وتأكد لى موقف قوات الجيش السلبى لأن هذا المشهد لا يمكن أن يحدث وتظل قوات الجيش بهذا الهدوء المستفز.
خلفت هذه الموجة من الهجوم كمية أخرى من المصابين وبدأت عربات الإسعاف تصل من ناحية شارع رمسيس لتقل المصابين ... وبالفعل كان هناك عربات إسعافات أولية لإسعاف الإصابات السطحية والبسيطة فى مكان الحدث وعربات أخرى لنقل الحالات الخطرة إلى المستشفيات. وكانت تحدث مثل هذه الموجات من الهجوم على المتظاهرين كل عشرة أو خمس عشرة دقيقة وبعد كل مرة كان يقف المتظاهرون فى وجه قوات الجيش هاتفين: "يسقط يسقط حكم العسكر".
بدأت أعداد المؤيدين لصفوف الجيش فى التزايد نسبيا من خلف مدرعات الجيش وبدأ إمام مسجد النور يخطب فى المتظاهرين من داخل المسجد عبر مكبرات الصوت بأن يتركوا ميدان المسجد حقنا للدماء وأن يتوجهوا بالمسيرة إلى ميدان التحرير وليفعلوا هناك ما يشاؤون. فليعتصموا أو ليهتفوا أو ليفعلوا ما يحلو لهم هناك. وبدأ يوجه بعض كلمات اللوم على قوات الجيش المتواجدة على سلبيتها وعدم تدخلها. حتى ظهر بعض الشباب والرجال الواضح من ملابسهم وهيئتهم أنهم متعلمون وبدأوا يصيحون فى وسط صفوف المتظاهرين بأنهم من سكان هذه المنطقة وأنهم شاهدوا المشهد كاملا بأعينهم، وأن بالفعل من هاجمهم هم من سكان المنطقة أيضا ولكنهم أقسموا بالله أن من يتحمل المسئولية كاملة هم قوات الجيش التى أتت منذ صباح ذلك اليوم وظلت تشيع بين سكان المنطقة أنه سوف تصل مساء ذلك اليوم مسيرة ضخمة من أعضاء حركة 6 أبريل الخونة الممولين الذين يهدفون إلى هدم وزارة الدفاع وأنهم سوف يعتصمون فى هذا الميدان ليغلقوا منازلكم ويمنعوكم من الذهاب إلى أعمالكم ويغلقون محلاتكم ويوقفون حالكم وواجبكم أن تتصدوا لهم بكل حزم حتى تحموا حياتكم الخاصة وبيوتكم . وبالفعل ظهر أكثر من شخص من داخل المنطقة ليقر هذا الكلام بالضبط.
وهنا اتضحت الصورة غير المنطقية لشراسة هجوم السكان على المتظاهرين وسلبية أطباء المستشفى المجاورة للمسجد وتأكدت الشكوك بأن أحدا كان لقنهم كلاما تسبب فى موقفهم هذا واتضح أيضا السبب وراء برود قوات الجيش وسكوتهم بل وحمايتهم لمهاجمى المسيرة السلمية حتى ينفذوا هجومهم بكل أريحية على المتظاهرين ... وبالفعل تم الاستجابة لشيخ مسجد النور وجمع المتظاهرون صفوفهم واتجهوا من شارع آخر خلف مسجد النور حتى لا يحتكوا مرة أخرى بأهل المنطقة وساروا فى مسيرة واحدة فى اتجاه ميدان التحرير عبر شارع غمرة وبدأ من يومها اعتصام يوليو. كانت هذه شهادتى على أحداث هذا اليوم الصعب كما عشته وكما رأيته بأم عينى ... والله على ما أقول شهيد.
توثيق لعام من انتهاكات العسكر (مايو 2011) - شهادة الناشط طارق شلبي عن القبض على المتظاهرين أمام السفارة الإسرائيلية
الحكاية بدأت لما تأكدنا إن المجلس الأعلى للقوات المسلحة مش هـ يسمح بمساندة الإخوة الفلسطينيين، كان فيه حماس فى الوقت ده للتضامن مع غزة، لكن المجلس كان بـ يحاول يمنع ده بكل الطرق! ما كانش فيه إرسال محمول فى شمال سينا، قفل كوبرى مبارك السلام اللى بـ يعبر قناة السويس، تخفيض عدد الرحلات اللى بـ تعبر من نفق أحمد حلمى. طبعا الكلام ده فى نفس الوقت اللى أصدر فيه ضباط من الجيش تعليمات لأصحاب شركات السياحة بعدم تأجير أوتوبيسات لشمال سيناء تحديدا، وده طبعا لغى كل الترتيبات اللى الناس كانوا عاملينها لتوصيل الإمدادات لغزة، لكن بالرغم من ده كله أنا كنت ضمن أحد المجموعات اللى قدرت توصل.
فى يوم 15 مايو كنت فى طريقى راجع من سينا، تحديدا من بورسعيد لما سمعت عن اللى بـ يحصل عند السفارة، اتجهت إلى هناك على طول. ووصلت عند السفارة فى حدود الساعة واحدة فجرا أنا وأصدقائى كريم صلاح وحسام أسامة ومحمد عفت وهبة عزوز. وفى حدود الساعة واحدة تقريبا شهدت مفاوضات بين 3 من ضباط الجيش ومجموعة من المتظاهرين، واللى أسفرت عن انتقال حوالى 200 متظاهر اللى كانوا هناك إلى الناحية التانية من كوبرى الجامعة، تحديدا قدام حديقة الحيوانات. دقائق وبدأ مطر من قنابل الغاز فى كل اتجاه واللى وصلت لداخل حديقة الحيوان نفسها!
طبعا تراجعت لورا أنا وأصدقائى لحد ما وصلنا تقريبا لمنطقة كنتاكى وبيتزا هت فى شارع مراد هربا من الغاز، وفجأة سمعت ست كبيرة معانا بـ تصرخ "جايين علينا ... جايين علينا"، بصيت لورا فى اتجاه ميدان الجيزة لاقيت عدد كبير من جنود الجيش شايلين بنادقهم وبـ يجروا ناحيتنا وبـ يضربوا رصاص فى الهوا، فطبعا رجعنا تانى فى اتجاه السفارة، واستقبلنا مجموعة من ضباط الشرطة من ناحية السفارة، وهنا وضحت الرؤية ... احنا اتعمل علينا كماشة!
فى الوقت ده ما بقاش قدامنا مهرب غير الشوارع الجانبية اللى بـ تؤدى إلى النيل لأن ما كانش فيه طريق تانى، وفى الفترة دى قدرت أكتب على تويتر إننا محاصرين، وعلى ما وصلنا آخر الشارع الجانبى، كان عساكر الجيش سيطروا على كل حتة من ناحية النيل وما بقاش فيه أى مهرب!
"ع الأرض ووشك فى الأرض ... انزلوا على الأرض يا ولاد الشـ $"
"ده الشارع هـ يتغرق بدمك ... وهـ تشـ &*) دم يا ولاد الـ *&$"
"انتم فاكرين إنكم عملتم ثورة؟ احنا كاتبين على البلد دى على سنة الله ورسوله يا ولاد الوســ*&)"
كنت بـ اسمع الكلام ده وانا على ركبى، راسى لتحت، وإيدى فوق دماغى. وفى الوقت ده اقترب منا عساكر الأمن المركزى، لكن ضباط الجيش قالوا لهم يرجعوا، وقبض علينا عساكر الجيش بدالهم!
فى الوقت ده أنا ما كنتش خايف، كنت عارف إن آخرتها 3 أو 4 ساعات على ما أكون فى بيتنا، لكن ما كنتش عارف اللى بـ يقبض علينا ده بـ يعمل كده ليه وبأمر من مين، وكنت مستغرب جدا من التوافق اللى بين الشرطة والجيش!
سمعت ضابط جيش بـ يقول للعساكر بتوعه "امسكوا كل خـ*& من دول من رقبته وجروهم على العربيات"، الصراحة توقعت إن العملية تكون عنيفة، لكن العسكرى اللى مسكنى مسكنى بمنتهى الهدوء والاحترام لحد عربيات الأمن المركزى مكان ما جمعوا المعتقلين، وهناك لاقيت أصدقائى ممسوكين زيى!
أول ما وصلنا لاقيت عسكرى بـ يقول لى "احنا مانمناش بقالنا 4 أيام بسببكم!"، رديت وقلت له "معلش ... ربنا مش هـ يضيع تعبكم!"
واحنا واقفين عند عربيات الأمن المركزى وبـ نلبس الكلبشات، جه ضابط وقال لى "انت شكلك نضيف ومالكش دعوة ... انت خريج إيه؟"، فقلت له إنى متخرج من جامعة برا، فاستغرب أوى وقال لى "وانت بـ تعمل إيه مع العالم دول! خلينى أقول إنى روحت فلسطين وعشت معاهم كمان، والفلسطينيين فرحانين بوجود إسرائيل ومصلحتهم معاها!" ... فقلت له "أنا هنا علشان أتظاهر سلميا لمساندتهم" ... طبعا ردى عليه فهمه إن مش هـ يعرف يقنعنى بالكلمتين الفاضيين بتوعه دول فسابنى ومشى!
شوية، وشفت ظابط تانى عمال يلف يضرب المعتقلين بالأقلام واللكميات فى وشوشهم، شوية وجالى، قال لى "أنهى ناحية اللى بـ تلسع؟" فقلت له "إيه؟" فلاقيته ضربنى بالكف على وشى، طبعا ما رديتش عليه، وفضلت باصص فى الأرض وانا متكلبش وعلى ركبى! بعدها جه واحد لابس مدنى وأخد موبايلى وبطاقتى واختفى، وطبعا دى آخر مرة أشوف الموبايل ده فى حياتى!
شوية وكلبشونا مع بعض، كل اتنين فى كلبش، وخزنونا فى عربيات الأمن المركزى، وبعد فترة طبعا بدأت الناس داخل العربية ييجى لهم هلع ورعب، وبدأنا نحاول نهديهم. كان فيه 6 عربيات أمن مركزى مليانة شباب، ولحسن حظى طبعا العربية اللى أنا فيها تعطل وما ترداش تتحرك، أنا قلت خلاص هـ يمشونا، لكن اللى حصل غير كده، وزعوا الـ 24 اللى كانوا معايا على الـ 5 عربيات اللى فاضلين، وطبعا مش لازم أوضح إننا كنا هـ نتخنق من الزحمة جوا وخصوصا إننا متكلبشين!
أخدونا على س 28 (الشرطة العسكرية)، لكن ما خرجوناش من العربيات، شوية وطلعوا على الهايكستب أو تحديدا السجن الحربى وهناك وقفونا طوابير كل واحد قدام زنزانته، وقدام الزنزانة رقم 10 فهمت إن نظريتى بتاعة المرواح فى نفس اليوم طلعت غلط!
إحنا: أخلى سبيل طارق شلبى بعد 4 أيام من القبض عليه.
فى يوم 15 مايو كنت فى طريقى راجع من سينا، تحديدا من بورسعيد لما سمعت عن اللى بـ يحصل عند السفارة، اتجهت إلى هناك على طول. ووصلت عند السفارة فى حدود الساعة واحدة فجرا أنا وأصدقائى كريم صلاح وحسام أسامة ومحمد عفت وهبة عزوز. وفى حدود الساعة واحدة تقريبا شهدت مفاوضات بين 3 من ضباط الجيش ومجموعة من المتظاهرين، واللى أسفرت عن انتقال حوالى 200 متظاهر اللى كانوا هناك إلى الناحية التانية من كوبرى الجامعة، تحديدا قدام حديقة الحيوانات. دقائق وبدأ مطر من قنابل الغاز فى كل اتجاه واللى وصلت لداخل حديقة الحيوان نفسها!
طبعا تراجعت لورا أنا وأصدقائى لحد ما وصلنا تقريبا لمنطقة كنتاكى وبيتزا هت فى شارع مراد هربا من الغاز، وفجأة سمعت ست كبيرة معانا بـ تصرخ "جايين علينا ... جايين علينا"، بصيت لورا فى اتجاه ميدان الجيزة لاقيت عدد كبير من جنود الجيش شايلين بنادقهم وبـ يجروا ناحيتنا وبـ يضربوا رصاص فى الهوا، فطبعا رجعنا تانى فى اتجاه السفارة، واستقبلنا مجموعة من ضباط الشرطة من ناحية السفارة، وهنا وضحت الرؤية ... احنا اتعمل علينا كماشة!
فى الوقت ده ما بقاش قدامنا مهرب غير الشوارع الجانبية اللى بـ تؤدى إلى النيل لأن ما كانش فيه طريق تانى، وفى الفترة دى قدرت أكتب على تويتر إننا محاصرين، وعلى ما وصلنا آخر الشارع الجانبى، كان عساكر الجيش سيطروا على كل حتة من ناحية النيل وما بقاش فيه أى مهرب!
"ع الأرض ووشك فى الأرض ... انزلوا على الأرض يا ولاد الشـ $"
"ده الشارع هـ يتغرق بدمك ... وهـ تشـ &*) دم يا ولاد الـ *&$"
"انتم فاكرين إنكم عملتم ثورة؟ احنا كاتبين على البلد دى على سنة الله ورسوله يا ولاد الوســ*&)"
كنت بـ اسمع الكلام ده وانا على ركبى، راسى لتحت، وإيدى فوق دماغى. وفى الوقت ده اقترب منا عساكر الأمن المركزى، لكن ضباط الجيش قالوا لهم يرجعوا، وقبض علينا عساكر الجيش بدالهم!
فى الوقت ده أنا ما كنتش خايف، كنت عارف إن آخرتها 3 أو 4 ساعات على ما أكون فى بيتنا، لكن ما كنتش عارف اللى بـ يقبض علينا ده بـ يعمل كده ليه وبأمر من مين، وكنت مستغرب جدا من التوافق اللى بين الشرطة والجيش!
سمعت ضابط جيش بـ يقول للعساكر بتوعه "امسكوا كل خـ*& من دول من رقبته وجروهم على العربيات"، الصراحة توقعت إن العملية تكون عنيفة، لكن العسكرى اللى مسكنى مسكنى بمنتهى الهدوء والاحترام لحد عربيات الأمن المركزى مكان ما جمعوا المعتقلين، وهناك لاقيت أصدقائى ممسوكين زيى!
أول ما وصلنا لاقيت عسكرى بـ يقول لى "احنا مانمناش بقالنا 4 أيام بسببكم!"، رديت وقلت له "معلش ... ربنا مش هـ يضيع تعبكم!"
واحنا واقفين عند عربيات الأمن المركزى وبـ نلبس الكلبشات، جه ضابط وقال لى "انت شكلك نضيف ومالكش دعوة ... انت خريج إيه؟"، فقلت له إنى متخرج من جامعة برا، فاستغرب أوى وقال لى "وانت بـ تعمل إيه مع العالم دول! خلينى أقول إنى روحت فلسطين وعشت معاهم كمان، والفلسطينيين فرحانين بوجود إسرائيل ومصلحتهم معاها!" ... فقلت له "أنا هنا علشان أتظاهر سلميا لمساندتهم" ... طبعا ردى عليه فهمه إن مش هـ يعرف يقنعنى بالكلمتين الفاضيين بتوعه دول فسابنى ومشى!
شوية، وشفت ظابط تانى عمال يلف يضرب المعتقلين بالأقلام واللكميات فى وشوشهم، شوية وجالى، قال لى "أنهى ناحية اللى بـ تلسع؟" فقلت له "إيه؟" فلاقيته ضربنى بالكف على وشى، طبعا ما رديتش عليه، وفضلت باصص فى الأرض وانا متكلبش وعلى ركبى! بعدها جه واحد لابس مدنى وأخد موبايلى وبطاقتى واختفى، وطبعا دى آخر مرة أشوف الموبايل ده فى حياتى!
شوية وكلبشونا مع بعض، كل اتنين فى كلبش، وخزنونا فى عربيات الأمن المركزى، وبعد فترة طبعا بدأت الناس داخل العربية ييجى لهم هلع ورعب، وبدأنا نحاول نهديهم. كان فيه 6 عربيات أمن مركزى مليانة شباب، ولحسن حظى طبعا العربية اللى أنا فيها تعطل وما ترداش تتحرك، أنا قلت خلاص هـ يمشونا، لكن اللى حصل غير كده، وزعوا الـ 24 اللى كانوا معايا على الـ 5 عربيات اللى فاضلين، وطبعا مش لازم أوضح إننا كنا هـ نتخنق من الزحمة جوا وخصوصا إننا متكلبشين!
أخدونا على س 28 (الشرطة العسكرية)، لكن ما خرجوناش من العربيات، شوية وطلعوا على الهايكستب أو تحديدا السجن الحربى وهناك وقفونا طوابير كل واحد قدام زنزانته، وقدام الزنزانة رقم 10 فهمت إن نظريتى بتاعة المرواح فى نفس اليوم طلعت غلط!
إحنا: أخلى سبيل طارق شلبى بعد 4 أيام من القبض عليه.
توثيق لعام من انتهاكات العسكر (مايو 2011) - شهادة هاني فخري عن مقتل رامي فخري
رامى فخرى ... مش أخويا، مع إنه أخويا فى حاجات كتير وكان يحب دايما ينادينى ويقول لى: "أخويا" ... وانا أضحك وأقول له: "بس يااااد" ... "أيوا يا أخويااا" ...
كان أخويا فى الإيمان بإن ربنا موجود وبيحب الناس الحقيقية اللى مش بـ تمثل لأن محبة ربنا نفسه حقيقية وواضحة ...
كان أخويا فى إن أحسن ما عندك من وقت وإمكانيات هو من حق ربنا فكان بـ يعمل حاجات كتير له:
كان بـ يخدم ربنا مع الأطفال، وفى العشوائيات، وكان شماس ملتزم، وكان عضو أساسى فى أكتر من كورال كنسى.
كان أخويا فى حبه للموسيقى والغنا ... كنا بـ نغنى سوا فى كورال القاهرة الاحتفالى بالأوبرا ولنا نفس اللون الصوتى "تينور".
لم تفارقه الابتسامة ... الروح الخفيفة الطافية فوق مصاعب الزمن ... كان بسيطا، ودودا، مسالما لأقصى حد، لم نسمع صوته مرتفعا أو محتدا، لم أره أبدا يتشاجر أو يخاصم أو يتكلم بعنف مع أحد، بل كسب الحب من الجميع بأقصر الطرق، بأن يظهر محبة خالصة صافية بدون أى انتظارات أو توقعات، بل "محبة من قلب طاهر وبشدة" كما يقول الإنجيل.
هذه الابتسامة لم تكن بسبب رفاهية العيش أو انعدام المشاكل .. رامى واحد مطحون زينا وأكتر مننا كمان.
ظروف عائلية مش سهلة؛ والد متوفى من سنين وهو العائل لوالدته لأنه وحيدها ورفيقها الوحيد فى المنزل بعد وفاة والده وزواج أخته ...
ظروف عمل صعبة؛ مهندس فى بريمة (منصة) بترول فى صحراء محافظة الشرقية، 14 يوما فى البريمة و14 آخرين فى القاهرة ... مشوار البريمة بعيد ومتعب .. اشتكى لى منه واحنا داخلين الفرح يوم الجمعة 13 مايو 2011 وقال لى: "أنا قرفت من المشوار ده، أنا جاى سايق 300 كيلو وهـ ارجعهم تانى بعد الفرح" ...
وانا فكرت وقلت فى بالى: "إيه المحبة دى؟ تستأذن من شغلك ساعات قليلة وتسوق 300 كيلو رايح علشان تحضر فرح صاحبنا وترجعهم تانى بالليل؟!" ...
استمتعنا بفرح صديقنا لأن صاحبنا ده غالى علينا أوى وكنا فرحانين له هو وخطيبته أوى. كان زى يوم عيد ... ورامى كان فرحان ... وغنى لهم والابتسامة العجيبة العريضة مستمرة على وجهه حتى لما مر الوقت وفوجئت بيه بـ يقول لى: "سلام أنا بقى علشان انت عارف مشوارى" ... بصّيت فى الساعة كانت 11 مساء وكان نفسى يستنى بس هو كان عامل حسابه يخلص كل طريق السفر قبل الساعة 2 صباحا ميعاد حظر التجول ... لأنه كان ملتزم مع مديره بكلمة إنه يرجع له فى نفس الليلة ...
سلمت عليه وقلت له: "طمـنا لما توصل"
وقال لى: "حاضر".
خلص الفرح وروحنا بيوتنا
ونمنا
وصحينا السبت صباحا
اليوم غريب ... إحساسه من الصباح غريب ...
كان فيه فرح اتنين تانيين من أصحابنا ...
ما كنتش حاسس إنى عايز أروح ...
"الكنيسة امتى يا جماعة؟"
"الساعة 3 يا هانى"
"طب حد رايح؟"
محدش رد ...
بالعافية أخدت بعضى ورحت
وكانت الكنيسة اللى فيها الفرح فى الزمالك
وانا سايق جت رسالة ... قلت أقراها لما أنزل من العربية
وانا بـ اوصل الزمالك ... جالى تليفون ...
"هانى ... قريت الرسالة؟؟"
"لأ"
(صمت)
"فيه إيه؟؟" (وانا بـ زعق)
"طب لما توصل"
"فيه إيييه؟؟" (وانا بـ زعق أكتر)
"رامى فخرى"
"ماله؟"
(صمت رهيب)
"ماله رامى؟"
"مات"
"إيه ده؟ إيه ده؟ إيه ده؟ إيه اللى حصل؟ حادثة؟" (بصراخ هيستيرى)
"ما نعرفش حاجة"
"يبقى حادثة ... ده كان معايا امبارح وكان شايل هم المشوار ده ... أصله بـ يسافر لشغله ... ياااه؟ رااامى؟ لأ مش مصدق ... إيه ده؟ إيــــــــــه ده؟!"
انتهت المكالمة وانا بـ اركن برا الكنيسة، طب يا ربى هـ ادخل أعيط؟ ولا هـ مثل عليهم؟ طب ولو سألونى على رامى؟
طب أعمل إيه؟
دخلت
ومثلت
وباركت
وبعدت وانهرت
ورجعت تانى
ورسمت ابتسامة غلسة صفرا مش حقيقية
وقلت الخبر لأصحابنا اللى يعرفوا يداروا
وتأكدت إنهم هـ يعرفوا يخبوا على الزوجين الجداد دول ...
ومشيت ...
وبكيت ... بكيت كتير فى العربية ...
رامى؟ رامى يا رب؟ اللى انت خليتنى أتأخر عن فرح امبارح علشان أقابله صدفة وندخل سوا ويحكى لى عن آخر ظروفه؟
رامى؟ ليه ؟ وازاى؟
رن التليفون تانى ...
واحد من الأصحاب قال لى: "هانى ... رامى اتقتل ... الجيش ضربه بالنار ... وما نعرفش ليه وازاى" !!
وساعتها تحولت إلى كتلة صامتة أصابها الذهول
بعدها عرفنا – على حد رواية المستشفى التى سمعتها من أفراد الجيش الذين أحضروا رامى للمستشفى فى حوالى الثالثة صباحا – إن الجيش أطلق النار على رامى قرب كمين على الطريق لأنه حاول يتفادى إطلاق نار بين الجيش وتجار للمخدرات ... ومثل أى شخص منا كان هـ يحاول ألا يقترب من هذا ... حاول رامى أن يتفادى هذا بأن يرجع للخلف، فأطلق الجيش عليه النار، عليه هو مش على العربية، فقتله بدم بارد، رصاصة بالرأس ورصاصة بالرقبة وثالثة بالصدر، فمات فى الحال.
برافو يا جيش مصر العظيم ...
قتلتوا صديقى المسالم؟ أمال لو كان شرانى ولا عدوانى ولا صوته عالى ولا عصبى ولا معاه سلاح كنتوا عملتوا إيه؟
آخر مكالمة لرامى مع والدته كانت بعد الواحدة صباحا بقليل.
هاتفه المحمول تم غلقه حوالى الواحدة والنصف
ماذا فعلتم به؟
وإن كنتم قتلتوه فلماذا استقبلتكم المستشفى حوالى الثالثة صباحا؟
ماذا حدث بين الواحدة والثالثة؟
مَن قتل رامى؟
ولماذا؟
ألم تكن مدافعكم الرشاشة بها طلقات فشنك كما بالتعليمات؟
كيف مات برصاص حى؟
من أطلق النار؟
لماذا يحقق الجيش فى القضية؟ أليس هو القاتل؟
أين النائب العام؟ أليس هذا مدنيا قتله العسكر؟
أين حقوق المدنيين؟
وما الذى يضمن أنه فيه زى رامى كتير قبله وسيأتى بعده أيضا: ناس يقتلهم الجيش دون شاهد أو رقيب أو تحقيق؟
لماذا كانت الجنازة الساعة 8 مساء؟ ليه اندفن صاحبى فى الضلمة؟
لماذا لا يوجد تقرير طب شرعى؟
مَر الآن أكثر من أسبوع ولم نعرف أى إجابة؟
هل الجيش فوق القانون؟
أم لأنه الحاكم يأخذ حصانة اللى ما بـ يغلطش؟
أين ثورتنا؟
أين حق رامى؟
رامى اتقتل ليه؟
(كتبت هذه الشهادة يوم 23 مايو الماضى)
كان أخويا فى الإيمان بإن ربنا موجود وبيحب الناس الحقيقية اللى مش بـ تمثل لأن محبة ربنا نفسه حقيقية وواضحة ...
كان أخويا فى إن أحسن ما عندك من وقت وإمكانيات هو من حق ربنا فكان بـ يعمل حاجات كتير له:
كان بـ يخدم ربنا مع الأطفال، وفى العشوائيات، وكان شماس ملتزم، وكان عضو أساسى فى أكتر من كورال كنسى.
كان أخويا فى حبه للموسيقى والغنا ... كنا بـ نغنى سوا فى كورال القاهرة الاحتفالى بالأوبرا ولنا نفس اللون الصوتى "تينور".
لم تفارقه الابتسامة ... الروح الخفيفة الطافية فوق مصاعب الزمن ... كان بسيطا، ودودا، مسالما لأقصى حد، لم نسمع صوته مرتفعا أو محتدا، لم أره أبدا يتشاجر أو يخاصم أو يتكلم بعنف مع أحد، بل كسب الحب من الجميع بأقصر الطرق، بأن يظهر محبة خالصة صافية بدون أى انتظارات أو توقعات، بل "محبة من قلب طاهر وبشدة" كما يقول الإنجيل.
هذه الابتسامة لم تكن بسبب رفاهية العيش أو انعدام المشاكل .. رامى واحد مطحون زينا وأكتر مننا كمان.
ظروف عائلية مش سهلة؛ والد متوفى من سنين وهو العائل لوالدته لأنه وحيدها ورفيقها الوحيد فى المنزل بعد وفاة والده وزواج أخته ...
ظروف عمل صعبة؛ مهندس فى بريمة (منصة) بترول فى صحراء محافظة الشرقية، 14 يوما فى البريمة و14 آخرين فى القاهرة ... مشوار البريمة بعيد ومتعب .. اشتكى لى منه واحنا داخلين الفرح يوم الجمعة 13 مايو 2011 وقال لى: "أنا قرفت من المشوار ده، أنا جاى سايق 300 كيلو وهـ ارجعهم تانى بعد الفرح" ...
وانا فكرت وقلت فى بالى: "إيه المحبة دى؟ تستأذن من شغلك ساعات قليلة وتسوق 300 كيلو رايح علشان تحضر فرح صاحبنا وترجعهم تانى بالليل؟!" ...
استمتعنا بفرح صديقنا لأن صاحبنا ده غالى علينا أوى وكنا فرحانين له هو وخطيبته أوى. كان زى يوم عيد ... ورامى كان فرحان ... وغنى لهم والابتسامة العجيبة العريضة مستمرة على وجهه حتى لما مر الوقت وفوجئت بيه بـ يقول لى: "سلام أنا بقى علشان انت عارف مشوارى" ... بصّيت فى الساعة كانت 11 مساء وكان نفسى يستنى بس هو كان عامل حسابه يخلص كل طريق السفر قبل الساعة 2 صباحا ميعاد حظر التجول ... لأنه كان ملتزم مع مديره بكلمة إنه يرجع له فى نفس الليلة ...
سلمت عليه وقلت له: "طمـنا لما توصل"
وقال لى: "حاضر".
خلص الفرح وروحنا بيوتنا
ونمنا
وصحينا السبت صباحا
اليوم غريب ... إحساسه من الصباح غريب ...
كان فيه فرح اتنين تانيين من أصحابنا ...
ما كنتش حاسس إنى عايز أروح ...
"الكنيسة امتى يا جماعة؟"
"الساعة 3 يا هانى"
"طب حد رايح؟"
محدش رد ...
بالعافية أخدت بعضى ورحت
وكانت الكنيسة اللى فيها الفرح فى الزمالك
وانا سايق جت رسالة ... قلت أقراها لما أنزل من العربية
وانا بـ اوصل الزمالك ... جالى تليفون ...
"هانى ... قريت الرسالة؟؟"
"لأ"
(صمت)
"فيه إيه؟؟" (وانا بـ زعق)
"طب لما توصل"
"فيه إيييه؟؟" (وانا بـ زعق أكتر)
"رامى فخرى"
"ماله؟"
(صمت رهيب)
"ماله رامى؟"
"مات"
"إيه ده؟ إيه ده؟ إيه ده؟ إيه اللى حصل؟ حادثة؟" (بصراخ هيستيرى)
"ما نعرفش حاجة"
"يبقى حادثة ... ده كان معايا امبارح وكان شايل هم المشوار ده ... أصله بـ يسافر لشغله ... ياااه؟ رااامى؟ لأ مش مصدق ... إيه ده؟ إيــــــــــه ده؟!"
انتهت المكالمة وانا بـ اركن برا الكنيسة، طب يا ربى هـ ادخل أعيط؟ ولا هـ مثل عليهم؟ طب ولو سألونى على رامى؟
طب أعمل إيه؟
دخلت
ومثلت
وباركت
وبعدت وانهرت
ورجعت تانى
ورسمت ابتسامة غلسة صفرا مش حقيقية
وقلت الخبر لأصحابنا اللى يعرفوا يداروا
وتأكدت إنهم هـ يعرفوا يخبوا على الزوجين الجداد دول ...
ومشيت ...
وبكيت ... بكيت كتير فى العربية ...
رامى؟ رامى يا رب؟ اللى انت خليتنى أتأخر عن فرح امبارح علشان أقابله صدفة وندخل سوا ويحكى لى عن آخر ظروفه؟
رامى؟ ليه ؟ وازاى؟
رن التليفون تانى ...
واحد من الأصحاب قال لى: "هانى ... رامى اتقتل ... الجيش ضربه بالنار ... وما نعرفش ليه وازاى" !!
وساعتها تحولت إلى كتلة صامتة أصابها الذهول
بعدها عرفنا – على حد رواية المستشفى التى سمعتها من أفراد الجيش الذين أحضروا رامى للمستشفى فى حوالى الثالثة صباحا – إن الجيش أطلق النار على رامى قرب كمين على الطريق لأنه حاول يتفادى إطلاق نار بين الجيش وتجار للمخدرات ... ومثل أى شخص منا كان هـ يحاول ألا يقترب من هذا ... حاول رامى أن يتفادى هذا بأن يرجع للخلف، فأطلق الجيش عليه النار، عليه هو مش على العربية، فقتله بدم بارد، رصاصة بالرأس ورصاصة بالرقبة وثالثة بالصدر، فمات فى الحال.
برافو يا جيش مصر العظيم ...
قتلتوا صديقى المسالم؟ أمال لو كان شرانى ولا عدوانى ولا صوته عالى ولا عصبى ولا معاه سلاح كنتوا عملتوا إيه؟
آخر مكالمة لرامى مع والدته كانت بعد الواحدة صباحا بقليل.
هاتفه المحمول تم غلقه حوالى الواحدة والنصف
ماذا فعلتم به؟
وإن كنتم قتلتوه فلماذا استقبلتكم المستشفى حوالى الثالثة صباحا؟
ماذا حدث بين الواحدة والثالثة؟
مَن قتل رامى؟
ولماذا؟
ألم تكن مدافعكم الرشاشة بها طلقات فشنك كما بالتعليمات؟
كيف مات برصاص حى؟
من أطلق النار؟
لماذا يحقق الجيش فى القضية؟ أليس هو القاتل؟
أين النائب العام؟ أليس هذا مدنيا قتله العسكر؟
أين حقوق المدنيين؟
وما الذى يضمن أنه فيه زى رامى كتير قبله وسيأتى بعده أيضا: ناس يقتلهم الجيش دون شاهد أو رقيب أو تحقيق؟
لماذا كانت الجنازة الساعة 8 مساء؟ ليه اندفن صاحبى فى الضلمة؟
لماذا لا يوجد تقرير طب شرعى؟
مَر الآن أكثر من أسبوع ولم نعرف أى إجابة؟
هل الجيش فوق القانون؟
أم لأنه الحاكم يأخذ حصانة اللى ما بـ يغلطش؟
أين ثورتنا؟
أين حق رامى؟
رامى اتقتل ليه؟
(كتبت هذه الشهادة يوم 23 مايو الماضى)
توثيق لعام من انتهاكات العسكر ( أبريل 2011) - شهادة لؤى عمران عن فض اعتصام 8 أبريل
كنت فى الميدان من بعد صلاة الجمعة وفضلت قاعد لغاية المغرب بعدين روحت آكل فى مطعم ورجعت على الساعة 10 مساء لاقيت الجو مكهرب والثوار عاملين خيمة كبيرة نسبيا وحاطين فيها حوالى 7 ظباط جيش وموقفين عليهم كوردون لحمايتهم لأن الشرطة العسكرية كانت بـ تحوم حوالين الميدان وبـ تستعد بأعداد كبيرة من ناحية المتحف المصرى عايزة تقبض على الظباط لأنها اعتبرتهم منشقين عن الجيش.
أنا فضلت واقف مش عارف أعمل إيه ولفت انتباهى إن مفيش ولا كاميرا واحدة بـ تصور اللى بـ يحصل فاتصلت بواحد مصور صاحبى ييجى يغطى الجو المكهرب ده.
على ما صاحبى جه كنت دخلت الخيمة اللى فيها الظباط واتكلمت مع واحد فيهم قلت له يا فندم الشرطة العسكرية مش هـ تسيبكم والثوار مش هـ يتخلوا عنكم وهـ تبقى بركة دم فارجوك حقنا للدماء أنا هـ روح أجيب لحضراتكم ملابس مدنية ليكم كلكم وتخرجوا وسطينا ومحدش هـ يعرفكم ولا هـ يقدر يميزكم ولا يقبض عليكم.
الظابط رد وقال لى لو عملنا كده هـ نبقى متآمرين على الجيش وجبناء واحنا ولا متآمرين ولا جبناء احنا نازلين نقف معاكم واحنا عارفين إن حياتنا ممكن تكون الثمن، نزلنا بس علشان نفديكم بدمنا، علشان الميدان يعرف إن الجيش مش كله راضى على اللى بـ يحصل وإن فيه شرفاء فى الجيش مصلحتها من مصلحة الشعب ومن مصلحة مصر، نزلنا علشان نسجل موقف اعتراض كظباط جيش على السياسة العليا لقادة الجيش مش نازلين نهرب ونغير لبسنا العسكرى.
ساعتها ما لاقيتش كلام أقوله ولا عرفت أرد وفضلت مبلم لغاية ما بقت الساعة 3 بعد نص الليل؛ يعنى بداية يوم 9 أبريل. واتفاجئت بهجوم كاسح من قوات الجيش بـ تقتحم الميدان وبـ تشيل قدامها أى حد، شفت ناس بـ تجرى فى كل اتجاه وانا كمان بـ اجرى معاهم مش عارفين رايحين فين المهم نجرى من الضرب الشديد شفت الناس وهى بـ تجرجر ظابط على الأرض من خيمة الظباط علشان ينقذوه من الجيش والظابط يقول لهم سيبونى مالكوش دعوة بيا اهربوا انتم والناس أبدا مش راضية تسيبه إلا لما تطلعه بعيد عن الميدان.
الجيش فضى الميدان قبض على الظباط المتضامنين مع الثوار، وفجأة حصلت حاجة غريبة، جه أتوبيس كبير نزلن منه قوات الجيش وقفلت بسلك شائك الميدان، وبعدين حرقت الأتوبيس وأنسحبت، ومش لاقى أى تفسير منطقى للى حصل ده لحد دلوقتى.
أنا فضلت واقف مش عارف أعمل إيه ولفت انتباهى إن مفيش ولا كاميرا واحدة بـ تصور اللى بـ يحصل فاتصلت بواحد مصور صاحبى ييجى يغطى الجو المكهرب ده.
على ما صاحبى جه كنت دخلت الخيمة اللى فيها الظباط واتكلمت مع واحد فيهم قلت له يا فندم الشرطة العسكرية مش هـ تسيبكم والثوار مش هـ يتخلوا عنكم وهـ تبقى بركة دم فارجوك حقنا للدماء أنا هـ روح أجيب لحضراتكم ملابس مدنية ليكم كلكم وتخرجوا وسطينا ومحدش هـ يعرفكم ولا هـ يقدر يميزكم ولا يقبض عليكم.
الظابط رد وقال لى لو عملنا كده هـ نبقى متآمرين على الجيش وجبناء واحنا ولا متآمرين ولا جبناء احنا نازلين نقف معاكم واحنا عارفين إن حياتنا ممكن تكون الثمن، نزلنا بس علشان نفديكم بدمنا، علشان الميدان يعرف إن الجيش مش كله راضى على اللى بـ يحصل وإن فيه شرفاء فى الجيش مصلحتها من مصلحة الشعب ومن مصلحة مصر، نزلنا علشان نسجل موقف اعتراض كظباط جيش على السياسة العليا لقادة الجيش مش نازلين نهرب ونغير لبسنا العسكرى.
ساعتها ما لاقيتش كلام أقوله ولا عرفت أرد وفضلت مبلم لغاية ما بقت الساعة 3 بعد نص الليل؛ يعنى بداية يوم 9 أبريل. واتفاجئت بهجوم كاسح من قوات الجيش بـ تقتحم الميدان وبـ تشيل قدامها أى حد، شفت ناس بـ تجرى فى كل اتجاه وانا كمان بـ اجرى معاهم مش عارفين رايحين فين المهم نجرى من الضرب الشديد شفت الناس وهى بـ تجرجر ظابط على الأرض من خيمة الظباط علشان ينقذوه من الجيش والظابط يقول لهم سيبونى مالكوش دعوة بيا اهربوا انتم والناس أبدا مش راضية تسيبه إلا لما تطلعه بعيد عن الميدان.
الجيش فضى الميدان قبض على الظباط المتضامنين مع الثوار، وفجأة حصلت حاجة غريبة، جه أتوبيس كبير نزلن منه قوات الجيش وقفلت بسلك شائك الميدان، وبعدين حرقت الأتوبيس وأنسحبت، ومش لاقى أى تفسير منطقى للى حصل ده لحد دلوقتى.
توثيق لعام من انتهاكات العسكر ( مارس 2011) - شهادة مطرب الثورة رامي عصام - تعذيب رامي عصام أثناء فض اعتصام 9 مارس
كتبت هذه الشهادة فى شهر مارس الماضى، لكن لم تسمح الظروف بـ نشر مثل هذه الشهادات التى تدين الجيش فى وقت كان الشعب يلهث لأخذ الصور مع رجال الجيش فى الشوارع! وهاهـى شهادة رامى عصام تخرج للنور ...
أتصلنا برامى عصام فى يوم الخميس التالى للإعتداء عليه فى 9 مارس، لكن لم نستطيع الوصول إليه إلا بعد مرور أكثر من 15 يوم بسبب حالته الصحية والنفسية، وكان هذا أول يوم يقدر على مغادرة فراشه، سألناه
"يعنى فعلا الموضوع كان بالبشاعة اللى بـ نسمع عنها؟"
"وأكتر مما تتخيل ... بس يا كريم عايز أطلب منك حاجة؟"
"طبعا ... أى حاجة"
"ممكن وانت بـ تكتب الموضوع تقول للناس إن رامى عصام شاب مصرى زى أى شاب تانى، وإنه أكتر واحد يكره إن يكون فيه فتنة بين الشعب والجيش، وإنى مستعد أضحى بحقى وأسامح فى اللى حصل لى علشان البلد. ولازم نقول للناس إن مهما حصل فيه ناس كويسين ومحترمين أوى فى الجيش وإنه مش معنى إن فيه تجاوزات يبقى نفقد الثقة فيهم خلاص، لأ الجيش فيه ناس شرفاء كتير ودول اللى إن شاء الله هـ ياخدوا حق الناس اللى اتظلمت واضربوا زيى!"
9 مارس
كنا بـ معتصمين بس مش زى الأول، علشان كنا أقل وكنا داخل الجنينة اللى فى النص، وما بـ نعطلش المرور، كنا بس بـ نعتصم فى هدوء علشان نضغط على المجلس العسكرى علشان يحقق مطالبنا ويفرج عن المعتقلين ويحاكم قتلة الشهداء. وكانت علاقتنا بالقوات المسلحة ممتازة، وكانت كل المشدات اللى حصلت دى حوادث فردية فعلا. وكان كل شىء كويس لحد يوم الجمعة 25 فبراير، لما كان العدد قل جدا بالليل، وكانت دى أول مرة الجيش يضرب فيها المتظاهرين ويعتقلهم. لكن بالرغم من كده كنا متسامحين مع الموضوع جدا واعتذار الجيش بعدها عدل الموازين.
ما كنتش معتصم يوم 9 مارس لما انضربت!
بعدها رجعت على المنصورة لأهلى قضيت يومين ثلاثة علشان أستريح واطمنهم عليا. ورجعت على القاهرة بعد كده علشان كان عندى حفلات. ويوم الأربع 9 مارس كان عندى حفلة فى جامعة عين شمس مع حركة 9 مارس (حركة 9 مارس لاستقلال الجامعة) ومجموعة من الطلبة اللى كانوا معتصمين علشان يقيلوا العميد والدكاترة اللى كانوا بـ يساندوا النظام قبل الثورة. وبعد الحفلة كنت متجه إلى نقابة الصحفيين علشان كان عندى حفلة تانية الساعة 6 مساء. وكنت فى وسط البلد قريب من النقابة بـ آكل وقت ما بدأ الجيش يضرب المعتصمين.
الجيش والبلطجية ضد المعتصمين!
لما بدأت أشوف الناس وهم جايين جرى من التحرير، ما قدرتش أمسك نفسى ولاقيتنى بـ أجرى ناحية التحرير، كنت شايف الوشوش اللى كانوا فى التحرير معانا وهم مفزوعين بـ يجروا من الميدان. وتوقعت إن البلطجية يكونوا اقتحموا الميدان زى يوم موقعة الجمل، لكن لما وصلت الميدان شفت منظر خلانى عايز أعيط، شفت البلطجية بـ يكسروا الخيم وبـ يضربوا المعتصمين فى حماية الجيش. مش عارف ليه ما هانش عليا أمشى وأسيب المكان ده، وقبل ما أعمل أى تصرف كان البلطجية شاوروا عليا، فلاقيت العساكر بـ يهجموا عليا وبـ يمسكونى. مش عارف ليه ما كانش عندى ذرة خوف، كنت متأكد إن لما العساكر هـ ياخدونى لضباط الجيش هـ يطلقوا سراحى على طول. أصل أكيد الضباط المثقفين والمتعلمين هـ يعرفوا اللى بـ يخرب فى البلد من اللى بـ يدافع عنها، وعلى الأقل أنا وشى معروف نسبيا، ومعظم الضباط اللى حرسوا التحرير عارفينى شكلا!
الاعتداء
كنت متخيل إن الضباط هـ يسيبونى فى دقايق، وإنى حتى هـ الحق حفلة نقابة الصحفيين اللى كان فاضل عليها شوية قليلين، لكن اللى حصل عكس كده بالظبط، لكن لما أخدونى ورا الكوردون اللى عاملينه فى الساحة اللى قدام سور المتحف لاقيت ضابط 999 (لا نعرف إذا كان هناك كتيبة بهذا الاسم، لكن رامى أكد إنه عندما وصف ملابس وطريقة تسليح الضابط أجمعوا على أنه ينتمى لكتيبة الـ 999) بـ يشدنى مش شعرى وبـ يخبط دماغى فى العمود كذا مرة، ووقعنى فى الأرض وقعد يضربنى فى دماغى، وبعد كده ربطونى فى العمود وقعد العساكر يضربوا فيا بالخراطيم والطوب والعصيان ... بس لحد الوقت ده كنت بـ انضرب زى أى حد تانى بـ يمسكوه.
التوصية
بعدها فيه ظابط عرف أنا مين راح قايل لهم ياخدونى جوا المتحف. فسحلونى على الأرض لحد ما دخلت جوا، وقتها قلعونى هدومى وسابونى بالبوكسر بس، والضابط راح رابط إيديا الاثنين ورا ظهرى وبعدها راح رابط رجلى اليمين فى إيديا برضه، فحركتى اتشلت تقريبا (الرابطة دى رامى قال لنا إنها فى الجيش اسمها رابطة الأسير) ... وبدأوا يضربوا فيا بطريقة بشعة، مواسير وأحزمة فى كل حتة فى جسمى ... حوالى 8 عساكر ... وبالرغم من كل الضرب ده ما كنتش بـ استغيث ولا بـ اصرخ، كنت من كتر الذهول ساكت ومش مصدق.
وفى وسط الضرب عدا ظابط برتبة كبيرة، وقال لهم إنه عايز ظهرى يجيب دم، فراح جى الضابط بتاع الـ 999 وبقى ينط فى الهوا وينزل على ظهرى بالبيادة بتاعته. ولما ما صرختش، قعد يكررها تانى بس أنا مسكت نفسى، فبقى ينزل بالبيادة على وشى!
شوية وجه ظابط متعور فسألوه العساكر إذا كنت أنا اللى ضربته، ومع إنى أول مرة أشوفه الضابط قال لهم إن أنا اللى ضربته! فبدأوا يكرموا الظابط ضرب فيا! وراحوا ساحلينى ورا الكشك وحطوا وشى فى الرمل وبقوا بـ يحدفونى بالرمل بـ يحاولوا يذلونى. وجه ظابط معاه موس وكــَتـَر وقعد يحلق لى شعرى، وقعد يشتمنى!
شوية وبدأت وانا بـ انضرب أسمع صوت غريب وصراخ، عرفت بعد شوية إنه صوت العصيان الكهربا، كل شوية الصوت يقرب وتسمع حد بـ يصرخ من الألم ... لحد ما وصلوا عندى ... كهربونى 3 مرات علشان أنا كنت معاند ومش عايز أصرخ! بعدها ضابط كبير عدى فلاقانى لسه فى وعيى فزعق فى العساكر علشان أنا لسه فايق ... فكملوا ضرب فيا!
الإفراج
بعد 4 ساعات من الضرب بدون رحمة كانت حالتى سيئة جدا، لدرجة إنهم خافوا ياخدونى مع المعتقلين ليحصل لى حاجة وانا فى السجن الحربى، ولبسونى هدوم مش بتاعتى ورمونى برا الكوردون اللى كانوا عاملينه، كنت نايم على الأرض مفيش حته فى جسمى مافيهاش كدمة أو جرح أو حرق، قمت وانا حافى ووقفت تاكسى ورحت لناس أصحابى فى وسط البلد، وهم اللى نقلونى لبيتنا فى المنصورة، وطبعا أمى لما شافتنى كانت هـ تموت ... بكاء هيستيرى بسبب الصدمة اللى حصلت لها لما عرفت اللى حصل لى!
أنا ليه بـ احكى الحكاية
أنا مش هاممنى دلوقتى اللى حصل لى، لأنى من أول يوم فى الثورة وانا كنت على استعداد إنى حتى أموت، لكن اللى ضايقنى إن اللى حصل ده يبقى على إيد الجيش بعد تنحى مبارك، مش على إيد أمن الدولة مثلا! واللى ضايقنى أكتر إن فيه ناس كتير ما كانوش مصدقين اللى حصل لى أنا وناس كتير زيى، مش مصدقين علشان هم عايزين يخلصوا ومش عايزين يشككوا فى أى جهة حتى لو حصل منها تجاوزات ... بس أنا عموما اللى حصل لى ده كله مش مهم لأنه ما كسرنيش، بالعكس ده خلانى أصمم أكتر إنى أعمل دايما اللى أنا شايفه صح ...
لمشاهدة فيديو عرض رامى للإصابات التى تعرض لها ابحث على يوتيوب:
"رامى عصام 9 مارس"
أتصلنا برامى عصام فى يوم الخميس التالى للإعتداء عليه فى 9 مارس، لكن لم نستطيع الوصول إليه إلا بعد مرور أكثر من 15 يوم بسبب حالته الصحية والنفسية، وكان هذا أول يوم يقدر على مغادرة فراشه، سألناه
"يعنى فعلا الموضوع كان بالبشاعة اللى بـ نسمع عنها؟"
"وأكتر مما تتخيل ... بس يا كريم عايز أطلب منك حاجة؟"
"طبعا ... أى حاجة"
"ممكن وانت بـ تكتب الموضوع تقول للناس إن رامى عصام شاب مصرى زى أى شاب تانى، وإنه أكتر واحد يكره إن يكون فيه فتنة بين الشعب والجيش، وإنى مستعد أضحى بحقى وأسامح فى اللى حصل لى علشان البلد. ولازم نقول للناس إن مهما حصل فيه ناس كويسين ومحترمين أوى فى الجيش وإنه مش معنى إن فيه تجاوزات يبقى نفقد الثقة فيهم خلاص، لأ الجيش فيه ناس شرفاء كتير ودول اللى إن شاء الله هـ ياخدوا حق الناس اللى اتظلمت واضربوا زيى!"
9 مارس
كنا بـ معتصمين بس مش زى الأول، علشان كنا أقل وكنا داخل الجنينة اللى فى النص، وما بـ نعطلش المرور، كنا بس بـ نعتصم فى هدوء علشان نضغط على المجلس العسكرى علشان يحقق مطالبنا ويفرج عن المعتقلين ويحاكم قتلة الشهداء. وكانت علاقتنا بالقوات المسلحة ممتازة، وكانت كل المشدات اللى حصلت دى حوادث فردية فعلا. وكان كل شىء كويس لحد يوم الجمعة 25 فبراير، لما كان العدد قل جدا بالليل، وكانت دى أول مرة الجيش يضرب فيها المتظاهرين ويعتقلهم. لكن بالرغم من كده كنا متسامحين مع الموضوع جدا واعتذار الجيش بعدها عدل الموازين.
ما كنتش معتصم يوم 9 مارس لما انضربت!
بعدها رجعت على المنصورة لأهلى قضيت يومين ثلاثة علشان أستريح واطمنهم عليا. ورجعت على القاهرة بعد كده علشان كان عندى حفلات. ويوم الأربع 9 مارس كان عندى حفلة فى جامعة عين شمس مع حركة 9 مارس (حركة 9 مارس لاستقلال الجامعة) ومجموعة من الطلبة اللى كانوا معتصمين علشان يقيلوا العميد والدكاترة اللى كانوا بـ يساندوا النظام قبل الثورة. وبعد الحفلة كنت متجه إلى نقابة الصحفيين علشان كان عندى حفلة تانية الساعة 6 مساء. وكنت فى وسط البلد قريب من النقابة بـ آكل وقت ما بدأ الجيش يضرب المعتصمين.
الجيش والبلطجية ضد المعتصمين!
لما بدأت أشوف الناس وهم جايين جرى من التحرير، ما قدرتش أمسك نفسى ولاقيتنى بـ أجرى ناحية التحرير، كنت شايف الوشوش اللى كانوا فى التحرير معانا وهم مفزوعين بـ يجروا من الميدان. وتوقعت إن البلطجية يكونوا اقتحموا الميدان زى يوم موقعة الجمل، لكن لما وصلت الميدان شفت منظر خلانى عايز أعيط، شفت البلطجية بـ يكسروا الخيم وبـ يضربوا المعتصمين فى حماية الجيش. مش عارف ليه ما هانش عليا أمشى وأسيب المكان ده، وقبل ما أعمل أى تصرف كان البلطجية شاوروا عليا، فلاقيت العساكر بـ يهجموا عليا وبـ يمسكونى. مش عارف ليه ما كانش عندى ذرة خوف، كنت متأكد إن لما العساكر هـ ياخدونى لضباط الجيش هـ يطلقوا سراحى على طول. أصل أكيد الضباط المثقفين والمتعلمين هـ يعرفوا اللى بـ يخرب فى البلد من اللى بـ يدافع عنها، وعلى الأقل أنا وشى معروف نسبيا، ومعظم الضباط اللى حرسوا التحرير عارفينى شكلا!
الاعتداء
كنت متخيل إن الضباط هـ يسيبونى فى دقايق، وإنى حتى هـ الحق حفلة نقابة الصحفيين اللى كان فاضل عليها شوية قليلين، لكن اللى حصل عكس كده بالظبط، لكن لما أخدونى ورا الكوردون اللى عاملينه فى الساحة اللى قدام سور المتحف لاقيت ضابط 999 (لا نعرف إذا كان هناك كتيبة بهذا الاسم، لكن رامى أكد إنه عندما وصف ملابس وطريقة تسليح الضابط أجمعوا على أنه ينتمى لكتيبة الـ 999) بـ يشدنى مش شعرى وبـ يخبط دماغى فى العمود كذا مرة، ووقعنى فى الأرض وقعد يضربنى فى دماغى، وبعد كده ربطونى فى العمود وقعد العساكر يضربوا فيا بالخراطيم والطوب والعصيان ... بس لحد الوقت ده كنت بـ انضرب زى أى حد تانى بـ يمسكوه.
التوصية
بعدها فيه ظابط عرف أنا مين راح قايل لهم ياخدونى جوا المتحف. فسحلونى على الأرض لحد ما دخلت جوا، وقتها قلعونى هدومى وسابونى بالبوكسر بس، والضابط راح رابط إيديا الاثنين ورا ظهرى وبعدها راح رابط رجلى اليمين فى إيديا برضه، فحركتى اتشلت تقريبا (الرابطة دى رامى قال لنا إنها فى الجيش اسمها رابطة الأسير) ... وبدأوا يضربوا فيا بطريقة بشعة، مواسير وأحزمة فى كل حتة فى جسمى ... حوالى 8 عساكر ... وبالرغم من كل الضرب ده ما كنتش بـ استغيث ولا بـ اصرخ، كنت من كتر الذهول ساكت ومش مصدق.
وفى وسط الضرب عدا ظابط برتبة كبيرة، وقال لهم إنه عايز ظهرى يجيب دم، فراح جى الضابط بتاع الـ 999 وبقى ينط فى الهوا وينزل على ظهرى بالبيادة بتاعته. ولما ما صرختش، قعد يكررها تانى بس أنا مسكت نفسى، فبقى ينزل بالبيادة على وشى!
شوية وجه ظابط متعور فسألوه العساكر إذا كنت أنا اللى ضربته، ومع إنى أول مرة أشوفه الضابط قال لهم إن أنا اللى ضربته! فبدأوا يكرموا الظابط ضرب فيا! وراحوا ساحلينى ورا الكشك وحطوا وشى فى الرمل وبقوا بـ يحدفونى بالرمل بـ يحاولوا يذلونى. وجه ظابط معاه موس وكــَتـَر وقعد يحلق لى شعرى، وقعد يشتمنى!
شوية وبدأت وانا بـ انضرب أسمع صوت غريب وصراخ، عرفت بعد شوية إنه صوت العصيان الكهربا، كل شوية الصوت يقرب وتسمع حد بـ يصرخ من الألم ... لحد ما وصلوا عندى ... كهربونى 3 مرات علشان أنا كنت معاند ومش عايز أصرخ! بعدها ضابط كبير عدى فلاقانى لسه فى وعيى فزعق فى العساكر علشان أنا لسه فايق ... فكملوا ضرب فيا!
الإفراج
بعد 4 ساعات من الضرب بدون رحمة كانت حالتى سيئة جدا، لدرجة إنهم خافوا ياخدونى مع المعتقلين ليحصل لى حاجة وانا فى السجن الحربى، ولبسونى هدوم مش بتاعتى ورمونى برا الكوردون اللى كانوا عاملينه، كنت نايم على الأرض مفيش حته فى جسمى مافيهاش كدمة أو جرح أو حرق، قمت وانا حافى ووقفت تاكسى ورحت لناس أصحابى فى وسط البلد، وهم اللى نقلونى لبيتنا فى المنصورة، وطبعا أمى لما شافتنى كانت هـ تموت ... بكاء هيستيرى بسبب الصدمة اللى حصلت لها لما عرفت اللى حصل لى!
أنا ليه بـ احكى الحكاية
أنا مش هاممنى دلوقتى اللى حصل لى، لأنى من أول يوم فى الثورة وانا كنت على استعداد إنى حتى أموت، لكن اللى ضايقنى إن اللى حصل ده يبقى على إيد الجيش بعد تنحى مبارك، مش على إيد أمن الدولة مثلا! واللى ضايقنى أكتر إن فيه ناس كتير ما كانوش مصدقين اللى حصل لى أنا وناس كتير زيى، مش مصدقين علشان هم عايزين يخلصوا ومش عايزين يشككوا فى أى جهة حتى لو حصل منها تجاوزات ... بس أنا عموما اللى حصل لى ده كله مش مهم لأنه ما كسرنيش، بالعكس ده خلانى أصمم أكتر إنى أعمل دايما اللى أنا شايفه صح ...
لمشاهدة فيديو عرض رامى للإصابات التى تعرض لها ابحث على يوتيوب:
"رامى عصام 9 مارس"
توثيق لعام من انتهاكات العسكر ( فبراير 2011) - شهادة الناشط والأكاديمى تقادم الخطيب عن القبض على عمرو البحيري
يوم 25 فبراير بليل تقريبا فجر 26 فبراير كنت فى الاعتصام بتاع مجلس الوزراء اللى كان بـ يطالب بإقالة شفيق، وكان فيه مجموعة كبيرة من الناشطين والشباب اللى مقتنعين بإن وجود شفيق على رأس الحكومة معناه إننا ما عملناش حاجة!
فجأة دخل علينا عساكر بالعصيان والكهرباء، وحصلت إصابات كتير واعتقالات، وبعدها رجعنا تانى لموقعنا، أنا حتى فاكر كان معانا دكتورة ليلى سويف، وعلاء عبد الفتاح وزوجته منال، وكان حوالينا كردون من العساكر. شوية وحاول مجموعة من المدنيين كسر الكردون، طبعا العساكر رفضوا يعدوهم، فقام واحد من المدنيين دول طلع كارنيه للضابط، فأمر بالسماح لهم بالدخول، وعرفنا إنهم ضباط أمن الدولة، وبمجرد اقترابهم بدأنا نهتف ضد سماح الجيش لأمن الدولة بالتواجد داخل الاعتصام!
ثوانى وبدأ الضرب من جديد، والعساكر كان بـ يركزوا ضربهم على ناس بعينهم، وكان منهم عمرو البحيرى، اللى شفناه بـ يضرب بصورة بشعة قبل ما ياخدوه! قعدنا نهتف علشان يسيبوه، وفعلا سابوه بعد فترة لكن ووشه كله دم وإصابات!
بعد ما رجع عمرو، فيه ناس تطوعوا إنهم ينقلوه علشان يتعالج فى عربيتهم، وبمجرد ما ركب العربية قام عساكر الجيش وقفوا العربية وأخدوه منها وقعدوا يضربوه بصورة وحشية بالبيادات فى دماغه لحد ما تهشمت أسنانه! ما دريتش بنفسى غير وانا بـ قول لهم حرام عليكم، وكانت النتيجة إنهم أخدونى معاه، عمر اتسحل من شارع القصر العينى لحد داخل مجلس الوزراء، وانا رحت بقوة الضرب والعصيان والشلاليت!
جوا مجلس الوزراء شفت أصعب وأسوأ مناظر شفتها فى حياتى بالرغم من إن تم اعتقالى أكثر من مرة فى عصر مبارك، لكن اللى شفته فى اليوم ده لا يقارن! كوم لحم بمعنى كوم لحم من شباب متكومين فوق بعض، شباب الـ آه بتاعتهم لسه بـ تهز ركبى لما أفتركها لحد النهارده! دهس، كهربا، تعذيب، كل ما تتوقعه وأكتر بكتير شفته جوا!
كنا طبعا كلنا بالشورت والفانلة أو الشورت بس، وفى وسط الضرب كان الضباط بـ يتهمونا بالعمالة والجاسوسية وإننا احنا اللى خربنا البلد! كان الضرب أكتر مما تتصوروا بصورة وحشية تخليك تتساءل عن كم الشحن اللى شحنينه للعساكر!
شوية ولاقيتهم بـ يتكلموا عن طبنجة صوت، وفهمت إنهم كانوا عايزين يلبسوها لحد، وطبعا أنا كنت من المرشحين إنى ألبس التهمة، لكنهم عرفوا بعد كده إنى معيد فى الجامعة وعضو فى الجمعية الوطنية للتغير وحركة 9 مارس، فقرروا إنهم يسيبونى وفى آخر المطاف لبسوها لعمرو!
فضلت فى وسط هذه الدوامة لمدة خمس ساعات قبل ما يفرجوا عنى، لكن عمرو أخد 5 سنين!
فجأة دخل علينا عساكر بالعصيان والكهرباء، وحصلت إصابات كتير واعتقالات، وبعدها رجعنا تانى لموقعنا، أنا حتى فاكر كان معانا دكتورة ليلى سويف، وعلاء عبد الفتاح وزوجته منال، وكان حوالينا كردون من العساكر. شوية وحاول مجموعة من المدنيين كسر الكردون، طبعا العساكر رفضوا يعدوهم، فقام واحد من المدنيين دول طلع كارنيه للضابط، فأمر بالسماح لهم بالدخول، وعرفنا إنهم ضباط أمن الدولة، وبمجرد اقترابهم بدأنا نهتف ضد سماح الجيش لأمن الدولة بالتواجد داخل الاعتصام!
ثوانى وبدأ الضرب من جديد، والعساكر كان بـ يركزوا ضربهم على ناس بعينهم، وكان منهم عمرو البحيرى، اللى شفناه بـ يضرب بصورة بشعة قبل ما ياخدوه! قعدنا نهتف علشان يسيبوه، وفعلا سابوه بعد فترة لكن ووشه كله دم وإصابات!
بعد ما رجع عمرو، فيه ناس تطوعوا إنهم ينقلوه علشان يتعالج فى عربيتهم، وبمجرد ما ركب العربية قام عساكر الجيش وقفوا العربية وأخدوه منها وقعدوا يضربوه بصورة وحشية بالبيادات فى دماغه لحد ما تهشمت أسنانه! ما دريتش بنفسى غير وانا بـ قول لهم حرام عليكم، وكانت النتيجة إنهم أخدونى معاه، عمر اتسحل من شارع القصر العينى لحد داخل مجلس الوزراء، وانا رحت بقوة الضرب والعصيان والشلاليت!
جوا مجلس الوزراء شفت أصعب وأسوأ مناظر شفتها فى حياتى بالرغم من إن تم اعتقالى أكثر من مرة فى عصر مبارك، لكن اللى شفته فى اليوم ده لا يقارن! كوم لحم بمعنى كوم لحم من شباب متكومين فوق بعض، شباب الـ آه بتاعتهم لسه بـ تهز ركبى لما أفتركها لحد النهارده! دهس، كهربا، تعذيب، كل ما تتوقعه وأكتر بكتير شفته جوا!
كنا طبعا كلنا بالشورت والفانلة أو الشورت بس، وفى وسط الضرب كان الضباط بـ يتهمونا بالعمالة والجاسوسية وإننا احنا اللى خربنا البلد! كان الضرب أكتر مما تتصوروا بصورة وحشية تخليك تتساءل عن كم الشحن اللى شحنينه للعساكر!
شوية ولاقيتهم بـ يتكلموا عن طبنجة صوت، وفهمت إنهم كانوا عايزين يلبسوها لحد، وطبعا أنا كنت من المرشحين إنى ألبس التهمة، لكنهم عرفوا بعد كده إنى معيد فى الجامعة وعضو فى الجمعية الوطنية للتغير وحركة 9 مارس، فقرروا إنهم يسيبونى وفى آخر المطاف لبسوها لعمرو!
فضلت فى وسط هذه الدوامة لمدة خمس ساعات قبل ما يفرجوا عنى، لكن عمرو أخد 5 سنين!
توثيق لعام من انتهاكات العسكر ( يناير 2011) - شهادة سامح شعبان - شاب أعتقله الجيش خلال الـ 18 يوم
لم أفكر فى كتابة ما حدث لى لأجعل من نفسى بطلا أو أن أستغل خطأ فى نظام الجيش لأشوه به صورته. لكن اضطررت للكتابة الآن بعدما شاهدت حوارا على التليفزيون المصرى بعد الثورة بين حسام السكرى مدير قنوات ياهوو فى الشرق الأوسط وخيرى رمضان مذيع برنامج مصر النهارده، وتكلم معه حسام عن المعتقلين والتعذيب، وطلب خيرى رمضان من أحد المسئولين الرد، فاتصل اللواء إسماعيل عتمان (مدير الشئون المعنوية بالقوات المسلحة) ونفى وجود حالات تعذيب، وتحدى أن يأتوا بحالة واحدة!!
قررت أن أكتب ما حدث لعل أحدا يتحرك ويتم عقاب الذين خرجوا عن النظام، ويتم الإفراج عن باقى المعتقلين. أكتب هذا لأمى ولزوجتى وعائلتى وأصدقائى الذين عانوا من الخوف والقلق وهم يبحثون عنى 11 يوما ما بين المستشفيات والمشارح وميدان التحرير. أكتب هذا لكل شخص تم اعتقاله وصمم على موقفه تجاه الثورة داخل المعتقل.
اليوم الأول: يوم الاعتقال الإثنين 31 يناير2011
اتصلت بصديقى الدكتور أشرف المحروقى وتقابلنا فى ميدان التحرير لنغطى أحداث الثورة، ونشارك فيها. وهناك استقبلنى الجيش بترحاب شديد، وقضينا الوقت فى التغطية وبعض الهتافات. وفى الساعة الثامنة قررنا أن نتجه إلى البيت لنستعد للمظاهرة المليونية فى اليوم التالى. تفرقنا حيث ذهب أشرف فى اتجاه الدقى، وذهبت أنا فى اتجاه مصر الجديدة سيرا على الأقدام لعدم وجود مواصلات. أجريت بعض الاتصالات لأطمئن على زوجتى وابنى وبعض أصدقائى، ومررت بأكثر من 20 لجنة شعبية وجيش، وكنت أبرز لهم بطاقتى الشخصية وأمر بكل سلام دون تعرض أحد. ووصلت فى حدود الساعة العاشرة إلى شارع صلاح سالم أمام عمارات العبور، لكنى وجدته مغلقا، والطريق المؤدى إلى الخليفة المأمون مغلقا، فقررت العودة إلى العباسية لأسلك جسر السويس، وأمام عمارات العبور تحديدا ظهرت سيارة شرطة مصفحة، بالرغم من عدم وجود شرطى واحد فى مصر كلها فى ذلك الوقت! توقفت السيارة وكان بها ضابطان شرطة ومجموعة من العساكر المسلحين. سألونى عن البطاقة، فأبرزتها لهم، فسألونى من أين أنا قادم وإلى أين أنا ذاهب، فأجبتهم نفس الإجابة التى قلتها لكل لجنة شعبية أو جيِش "كنت فى التحرير ومروح بيتنا فى الميريلاند". فقال لى الضابط "آه، انتم بقى اللى خاربين البلد!!". وفجأة أمسكوا بى وصادروا حقيبتى بكل ما فيها، وأدخلونى السيارة. حاولت المقاومة، فوجدت سيلا من الشتائم والتهديدات بكسر الـiPad الخاص بى، وقال الضابط "خايف من إيه ياض؟ هـ نسلمك للجيش وهـم يتحروا عنك"! اطمئن قلبى قليلا عندما سمعت كلمة "الجيش"، وركبت السيارة التى كانت تنقل معتقلين منهم الحرامى والهارب من السجن!
بعدما تم تسليمى إلى لجنة جيش الموجود أمام مساكن أبو غزالة حدث ما لم أتوقعه! فوجئت بضابط الشرطة يقول لوحدة الجيش أننى أصور مواقع عسكرية، وأحمل سلاحا أبيضا، وسلمه الـiPad والـSwiss knife !!
تحدثت مع ضابط الجيش فقال لى"انت سارقه منين؟"... قلت له "حضرتك الجهاز ده بتاعى ودى الـSwiss knife معايا دايما علشان فيها مفك وفتاحة"!! فقال لى بكل احترام "طب أقف ووشك للحيطة"، فنفذت، وكان يقف بجانبى المعتقلين الآخرين. وفجأة وجدت شخصا يركلنى من الخلف لأجلس على ركبى. فأمره ضابط الجيش بألا يلمسنى، وعصبوا عينى، وربطوا يدىَّ من الخلف! انتظرنا على هذا الحال نصف ساعة حتى جاءت سيارة ركبناها، ولم يتعرض لى أحد حتى وصلنا إلى مكان نزلنا فيه، وتم تسليمنا!
بعد وصولى بدقائق سألونى "انت شعرك طويل ليه؟!". فرديت "حضرتك أنا مصور ومصمم جرافيك"!
"كنت بـ تصور مواقع عسكرية ليه؟"
"حضرتك افتح الـiPad مش هـ تلاقى عليه غير صور فنانين"
"لا فيه خرايط أهو مفتوحة علىgoogle " وكانت هذه الخرائط مفتوحة منذ آخر رحلة لى إلى الواحات، وهذا شىء طبيعى! بعدها أمر الضابط "نزلوهم الزنزانة"، فقلت له "حضرتك أنا مش مجرم ولا بلطجى"، فقال لى "بكرة هـ نعرف"!!
أنزلونا زنزانة تحت الأرض. وحذرنا العسكرى من فك القيد من أيدينا أو العصابة من على أعيننا. جلست على أرضية الزنزانة، وبدأت أتألم من الوضع، فقررت فك القيد والعصابة التى على عينى.
وجدت 6 أشخاص فى الزنزانة، منهم مدرس أثيوبى. جلست أتحدث معه بعدما فككت قيدى، ولم أنم هذا اليوم، وأنا أنظر من الشباك الحديد، أسأل نفسى ماذا سيحدث لنا غدا ... ولمصر؟!
اليوم الثانى: الثلاثاء 1 فبراير2011
نزل أحد العساكر فى الصباح فوجدنى أنا وشخص آخر قد فككنا القيد، فضربنا وقال "مش قلت لكم محدش يفك؟!" وربطنا مرة أخرى وركبنا سيارة أنا والمدرس الأثيوبى، وذهبنا إلى مكان آخر تابع للجيش ليتحروا عنا. نمنا على بطوننا ونحن معصوبى العين، وأيدينا مربوطة إلى الخلف!!
مر بنا عدة عساكر يسألون العسكرى الذى أتى معنا "جايين فى إيه دول؟"، وكان يرد عليهم "جايين فى تجسس!" فيركلنا العساكر بأقدامهم، وحدث ذلك عدة مرات.
وقام أحدهم بضرب رأسى فى الأرض، وحاول آخر أخذ دبلة زواجى غصبا من يدى! فصرخت "أنا مصرى .. أنا مصرى"، فجاء ضابط وأمر ألا يمسنا أحد إطلاقا.
مر الوقت حتى رجع الضابط وأخذنا إلى الزنزانة مرة أخرى، وعندما سألت الضابط ماذا سيحدث لنا قال لى "اسكت وما تتكلمش"!!
جلست فى الزنزانة أشعر بالخوف وكأنى مخطوف!! لكن كان داخلى أمل! فككت القيد والعصابة وجعلتهما جاهزين لكى أربط نفسى مرة أخرى، فلم أرد أن أتعرض للضرب والإهانة!
وسط النهار سمعت أقداما قادمة إلينا، فربطت نفسى ووضعت العصابة على عينى، ووجدت أنهم أتوا بأكثر من أربعين شخصا آخرين إلى الزنزانة. وبعد مرور ساعة جاءوا ليطعمونا ونحن معصوبى الأعين. أمسك كل عسكرى برغيف خبز به مربى وأطعم كل شخص لقمة منها! رفضت أن آكل بهذه الطريقة ، فقال أحدهم "هـ تاكل غصب عنك"، ووضع الرغيف فى فمى!!
تمالكت نفسى ولم أبكِ حتى ذهبوا! جلست على الأرض وفككت قيدى، وجلست على الأرض فى زنزانة حجمها 4 متر فى 5 متر بها أكثر من 50 شخصا؛ منهم من اغتصب ومن هرب من سجن النطرون وسجن كبلطجى ...
اليوم الثالث: الأربعاء 2 فبراير2011
استيقظت فى الصباح وأنا أحمد الله على ما يحدث لى؛ تكفير ذنوب! جلست أنتظر لساعات حتى بدأت أسمع سيارات تأتى وحركة فأعصبت عينى مرة أخرى، وربطت القيد على يدى. نزل العساكر وكل منهم يحمل خرطوما أو كرباج، وضربوا جميع المسجونين، لكنهم لم يتعرضوا لى لأن ثمة شخص أبعدنى عن الضرب!
بعدها أخذوا كل الناس الموجودين فى الزنزانة لسيارات، ما عدا أنا والأثيوبى، فسألت أحد العساكر "ليه سبتونا؟" قال لى "احمد ربك. دول رايحين على السجن الحربى".
بعدها جاء عسكرى وأخرجنا حتى ينظف عساكر آخرون الزنزانة! وحكى لى العسكرى أنه تم استدعاؤه قبل زفافه بيومين بسبب الأحداث. وقال لى "ما تزعلش. العساكر مش قصدها بس كله جاله استدعاء وساب بيته بسبب الأحداث". قلت له "ربنا معاكم"، فقال لى "انت شكلك مظلوم وابن ناس. إيه اللى جابك؟" فأخبرته ...
ثم قلت له "نفسى فى سجاير"، ورغم أن ذلك ممنوعا بتاتا، لكنه أعطانى سيجارة!! ثم بعد ذلك نزلنا الزنزانة وأحضر لنا بطاطين وخبزا ومربى ولأول مرة أنام وأنا مرتاح أن هناك أشخاصا طيبين!!
اليوم الرابع: الخميس 3 فبراير2011
أيقظونا فى الصباح ولأول مرة أكون غير معصوب ولا يتعرض لى أحد!! ربطونا وعصبوا أعيننا، وركبنا سيارة أنا والمدرس الأثيوبى، وأخذونا إلى مكان جديد. فكوا القيد عنى وأنا داخل مكتب أحد الأشخاص الذى قال لى "الـiPad ده بتاعك؟"... قلت له " أيوا والموبايل والمال وجواز السفر والرخصة والبطاقة"!!
فأثبتها فى ورقة ووقعت عليها وأعطيتهم العنوان، وقال لى "علشان يرجعوا لك الحاجات دى على العنوان احنا مش بـ ناخد حاجة حد!" ، فسألته"هـ يحصل لنا إيه؟ هـ يسيبونا؟"، فقال "ما تقلقش"!
بعد ذلك دخلت على ضابط وأنا معصوب العين ويدى مربوطة من الخلف كالعادة، وسألنى "كنت جى منين ورايح فين؟"، فأجبته بما حدث، وضعونى بعدها فى زنزانة فردية، متر فى مترين، وأعطونى بطانية ونصف رغيف مربى. فتحت نافذة باب الزنزانة وجلست أتحدث مع شخص فى الزنزانة المقابلة، وكان هذا الشخص يحضر رسالة دكتوراه فى الجامعة البريطانية!
اليوم الخامس: الخميس 4 فبراير2011
أيقظونا العساكر، وبدأوا ينادوا على أسماء من ضمنها اسمى. سألت العسكرى "إيه إفراج؟؟"، فقال لى "طالعين خلاص .. هـ تمشوا"! كنت فى غاية السعادة. وبدأ السجناء الآخرون يعطونا أرقام تليفوناتهم حتى نبلغ أهاليهم.
نزلنا فى الأسفل ونادوا علينا مرة أخرى لاستلام أغراضنا. بصمت فقال لى الضابط "تمام. اذهب مع العسكرى". ذهبت معه وخرجت من باب فإذا بهم يربطونى مرة أخرى من الخلف وعصبوا عينى وحملونى ورموا بى فى شاحنة وكأننى خروف، وأخذوا يرمون شخصا بعد الآخر فوق بعض، وكلنا نتألم. والعساكر أخذوا فى الصراخ بأن نصمت وإلا سنتلقى ضربا شديدا. وبالفعل بدأوا بضرب كل شخص تحرك. وجلسنا بهذا الوضع لمدة لا تقل عن ساعة إلا ربع حتى وصلنا إلى مكان ما علمت فيما بعد أنه السجن الحربى!
قيل لنا أنه لا كرامة لكبير أو صغير فى هذا المكان. نزلنا من السيارة وفكوا قيودنا والعصابة التى على أعيننا وأمرونا أن نضع أيدينا فوق رؤوسنا وأن ننظر فى الأرض، ثم أمرونا أن نخلع ملابسنا كلها ما عدا الملبس الداخلى، ثم ننام على بطوننا! وسألوا إن كان منا أحد مريض، ثم جاء دكتور كشف وأعطى أنسولين للمحتاج، ثم عادوا للصف.
نمنا على بطوننا وأخذ عسكرى يضربنا بكرباج سودانى على ظهورنا واحدا تلو الآخر!
بعد ذلك أمرونا أن نلبس ملابسنا خلال 10 ثوانى. ذهبت إلى ملابسى، فضربنى عسكرى وقال لى "روح إلبس من هناك". قلت له "ده لبسى!"، فقال لى "ده أمر!" وضربنى بالكرباج على جنبى.
ارتديت "بنطلون وتى شيرت" لا أعلم مَـن صاحبهم. بعدها أمرونا أن نمشى فى طابور، وأيدينا فوق رؤوسنا، وكل منا أخذ ضربة بعصا أو خرطوم أو باليد. طبعا أخذت نصيبى من الضرب وزيادة بسبب شعرى الطويل الذى بدا مستفزا لكل العساكر!
المهم هذه كانت حفلة الاستقبال. بعدها وصلنا إلى باب يصل لساحة محاطة بزنازين من كل جانب وعساكر واقفة فى الأعلى برشاشات. أمرونا بأن نخلع ملابسنا مرة أخرى ونضعها أمامنا. ثم بعد ذلك أخذ عسكرى رتبته أعلى من العساكر الآخرين وسأل كل واحد منا "انت منين وجى فى إيه؟"، وقعد يضرب كل واحد ويتسلى عليه. وفى أثناء ذلك تكلم معه أحد على اللاسلكى وقال له "اتوصى بأبو شعر اللى عندك!"، فقال لى "خليك انت للآخر. شكلك انت تسلية النهارده!".
المهم ظل الرجل يتسلى على الناس بالكرباج، ثم جاء لى وقال لى "إيه حكايتك؟"، فأحسست بحركة من خلفى، فنظرت خلفى ففوجئت بخرطوم ينزل على جسمى جعلنى أقع على الأرض من الألم!! قال لى العسكرى "اقف وما تبصش وراك!! أنا هـ قص لك شعرك ده دلوقتى ..."
بعدها جاء رجل أعلى منهم فى الرتبة، وقال لى "انت جى فى إيه بقى؟ ومطول شعرك ليه؟" .. قلت له "حضرتك أنا مصور وكنت فى المظاهرات بـ صور!"
وحكيت له الحكاية، فقال لى "شكلك ابن ناس!" وأمر العساكر ألا يمسونى بسوء.
ارتديت ملابسى، وبعدها بدأ توزيع الناس كل واحد على زنزانة.
ودخلت زنزانة واكتشفت أننى لست وحدى من جاء خطأ، بل هناك دكاترة ومهندسين ورجال شرفاء آخرون!!
سألنى الناس عما يحدث بالتحرير فحكيت لهم عن آخر ما رأيت، فلا أحد يعرف معلومات غير من المساجين الجدد.
لم أنم تلك الليلة، ليس بسبب الألم ولكن بسبب صوت الصراخ الذى كنت أسمعه ممن دخلوا بعدى، وكنت أسأل "ليه بـ يحصل كده؟".
اليوم السادس: الجمعة 5-2-2011
أيقظونا مبكرا وأخرجونا من الزنازنين لصلاة الجمعة، وطبعا هناك من توضأ بالماء وهناك من تيمم، والحمد لله كنت من المحظوظين الذين لحقوا الوضوء بالماء، لأن الأربعة أيام السابقة لم أرى فيهم سوى كوب ماء للشرب فقط.
خطب فينا أحد المساجين، وصلينا، ووزعوا علينا الأكل ثم أدخلونا الزنازين. طبعا الأكل رغيف خبز واحد فى اليوم مع مربى! كان عددنا 40 واحد تقريبا داخل الزنزانة، واستند كل واحد على الحائط ورجله أمامه وهكذا نمنا، وكان هناك 3 أغطية كبيرة لنا جميعا.
اليوم السابع والثامن: من 6 إلى 7 فبراير2011
تم نقلى مع 200 معتقل آخر لمعتقل أكبر، وأعطوا كل منا بطانية. يومها سمعت قصة اعتقال كل منا؛ أحدهم اعتقل وهو يشترى دواء لأمه، وآخر اعتقل وهو عائد من الجامع ... وطبعا هناك من اعتقل وهو يشترى مخدرات! كان هناك الشريف وغير الشريف بالمعتقل، وكانت الأغلبية من الشباب والصغار. كان هناك أيام يصرفون فيها وجبتين وأيام أخرى يصرفون فيها وجبة واحدة.
وقعت اعتداءات من العساكر لبعض المعتقلين بالضرب، وأنا أحد هؤلاء بسبب شعرى الطويل. وفى مرة أصر عسكرى إن يجبرنى على قول أنى مصور "عاهرات"، لكنى صممت على عدم قول ذلك، فضربنى "بالبوكس" على وجهى أكثر من مرة، ولما رفعت صوتى خاف وخرج! وقتها فهمت أن تلك الممارسات تحدث دون علم الضباط!
كان كل يوم يمر أشعر بأن حواسى تسحب منى ... لم أعد أن أستطعم أو أشم أو أرى. كنت خائفا أن تأتى لحظة أنسى فيها كيف أحس.
اليوم التاسع: 8 فبراير2011
قررت الاعتصام والإضراب عن الطعام أنا و50 غيرى.
فجاء لنا مدير السجن وصرف لنا 3 وجبات وسيجارة لكل واحد. وتغيرت المعاملة 180 درجة، وكان العساكر خائفين من أن نتكلم عما يحدث لنا.
اليوم العاشر: 9 نوفمبر2011
رأيت الشمس اليوم، وأحسست بالحرية! تم عرضنا على النيابة، فسألت الضابط "هو ليه بـ يحصل لنا كده؟!" قال لى "ما تزعلش اتاخد العاطل فى الباطل!! بس هـ تخرجوا خلاص. هـ تتعاملوا إنكم حظر تجول". ورجعت المعتقل وأنا كلى أمل، رغم إنى كنت خائفا لأننى لم أكن أعرف ما يحدث بالخارج!
اليوم الحادى عشر: 10 فبراير2011
يوم الخروج!! دخلنا على المحكمة فى مجموعات، وحكم القاضى علينا بالحبس 3 شهور مع وقف التنفيذ، وفى حالة ضبطنا مرة أخرى ينفذ الحكم!
فرحة لا توصف!! وأغرب ما رأيت هو أن الناس كانت تسلم وتحضن العساكر الذين جلدوهم! كان طعم الحرية بالنسبة لهم أهم من الضرب والإهانة!
أخذونا فى مجموعات بدون مال أو أى إثبات شخصية، وأنزلونا عند الكيلو 26 طريق السويس الساعة 10!! ربنا كرمنى ووجدت واحدا منتظرا صديقا له خارجا من المعتقل فكلمت أشرف صديقى من تليفونه ليأتى لأخذى من المعتقل، ثم انهرت فى البكاء!! ذهبت معه للبيت وصورت ظهرى، ثم حلقت ذقنى واستحممت، وأعطانى ملابسا، ومكثت معه هذا اليوم ليرينى كل ما فاتنى على اليوتيوب والإنترنت ...
وفى النهاية أحب أن أقول أننى لا أريد أن أحسب نفسى بطلا .. فالبطل هو من مات واستشهد.
هؤلاء هم الأبطال ... بحبك يا مصر
نشرت هذه المقالة فى عدد مارس الماضى
قررت أن أكتب ما حدث لعل أحدا يتحرك ويتم عقاب الذين خرجوا عن النظام، ويتم الإفراج عن باقى المعتقلين. أكتب هذا لأمى ولزوجتى وعائلتى وأصدقائى الذين عانوا من الخوف والقلق وهم يبحثون عنى 11 يوما ما بين المستشفيات والمشارح وميدان التحرير. أكتب هذا لكل شخص تم اعتقاله وصمم على موقفه تجاه الثورة داخل المعتقل.
اليوم الأول: يوم الاعتقال الإثنين 31 يناير2011
اتصلت بصديقى الدكتور أشرف المحروقى وتقابلنا فى ميدان التحرير لنغطى أحداث الثورة، ونشارك فيها. وهناك استقبلنى الجيش بترحاب شديد، وقضينا الوقت فى التغطية وبعض الهتافات. وفى الساعة الثامنة قررنا أن نتجه إلى البيت لنستعد للمظاهرة المليونية فى اليوم التالى. تفرقنا حيث ذهب أشرف فى اتجاه الدقى، وذهبت أنا فى اتجاه مصر الجديدة سيرا على الأقدام لعدم وجود مواصلات. أجريت بعض الاتصالات لأطمئن على زوجتى وابنى وبعض أصدقائى، ومررت بأكثر من 20 لجنة شعبية وجيش، وكنت أبرز لهم بطاقتى الشخصية وأمر بكل سلام دون تعرض أحد. ووصلت فى حدود الساعة العاشرة إلى شارع صلاح سالم أمام عمارات العبور، لكنى وجدته مغلقا، والطريق المؤدى إلى الخليفة المأمون مغلقا، فقررت العودة إلى العباسية لأسلك جسر السويس، وأمام عمارات العبور تحديدا ظهرت سيارة شرطة مصفحة، بالرغم من عدم وجود شرطى واحد فى مصر كلها فى ذلك الوقت! توقفت السيارة وكان بها ضابطان شرطة ومجموعة من العساكر المسلحين. سألونى عن البطاقة، فأبرزتها لهم، فسألونى من أين أنا قادم وإلى أين أنا ذاهب، فأجبتهم نفس الإجابة التى قلتها لكل لجنة شعبية أو جيِش "كنت فى التحرير ومروح بيتنا فى الميريلاند". فقال لى الضابط "آه، انتم بقى اللى خاربين البلد!!". وفجأة أمسكوا بى وصادروا حقيبتى بكل ما فيها، وأدخلونى السيارة. حاولت المقاومة، فوجدت سيلا من الشتائم والتهديدات بكسر الـiPad الخاص بى، وقال الضابط "خايف من إيه ياض؟ هـ نسلمك للجيش وهـم يتحروا عنك"! اطمئن قلبى قليلا عندما سمعت كلمة "الجيش"، وركبت السيارة التى كانت تنقل معتقلين منهم الحرامى والهارب من السجن!
بعدما تم تسليمى إلى لجنة جيش الموجود أمام مساكن أبو غزالة حدث ما لم أتوقعه! فوجئت بضابط الشرطة يقول لوحدة الجيش أننى أصور مواقع عسكرية، وأحمل سلاحا أبيضا، وسلمه الـiPad والـSwiss knife !!
تحدثت مع ضابط الجيش فقال لى"انت سارقه منين؟"... قلت له "حضرتك الجهاز ده بتاعى ودى الـSwiss knife معايا دايما علشان فيها مفك وفتاحة"!! فقال لى بكل احترام "طب أقف ووشك للحيطة"، فنفذت، وكان يقف بجانبى المعتقلين الآخرين. وفجأة وجدت شخصا يركلنى من الخلف لأجلس على ركبى. فأمره ضابط الجيش بألا يلمسنى، وعصبوا عينى، وربطوا يدىَّ من الخلف! انتظرنا على هذا الحال نصف ساعة حتى جاءت سيارة ركبناها، ولم يتعرض لى أحد حتى وصلنا إلى مكان نزلنا فيه، وتم تسليمنا!
بعد وصولى بدقائق سألونى "انت شعرك طويل ليه؟!". فرديت "حضرتك أنا مصور ومصمم جرافيك"!
"كنت بـ تصور مواقع عسكرية ليه؟"
"حضرتك افتح الـiPad مش هـ تلاقى عليه غير صور فنانين"
"لا فيه خرايط أهو مفتوحة علىgoogle " وكانت هذه الخرائط مفتوحة منذ آخر رحلة لى إلى الواحات، وهذا شىء طبيعى! بعدها أمر الضابط "نزلوهم الزنزانة"، فقلت له "حضرتك أنا مش مجرم ولا بلطجى"، فقال لى "بكرة هـ نعرف"!!
أنزلونا زنزانة تحت الأرض. وحذرنا العسكرى من فك القيد من أيدينا أو العصابة من على أعيننا. جلست على أرضية الزنزانة، وبدأت أتألم من الوضع، فقررت فك القيد والعصابة التى على عينى.
وجدت 6 أشخاص فى الزنزانة، منهم مدرس أثيوبى. جلست أتحدث معه بعدما فككت قيدى، ولم أنم هذا اليوم، وأنا أنظر من الشباك الحديد، أسأل نفسى ماذا سيحدث لنا غدا ... ولمصر؟!
اليوم الثانى: الثلاثاء 1 فبراير2011
نزل أحد العساكر فى الصباح فوجدنى أنا وشخص آخر قد فككنا القيد، فضربنا وقال "مش قلت لكم محدش يفك؟!" وربطنا مرة أخرى وركبنا سيارة أنا والمدرس الأثيوبى، وذهبنا إلى مكان آخر تابع للجيش ليتحروا عنا. نمنا على بطوننا ونحن معصوبى العين، وأيدينا مربوطة إلى الخلف!!
مر بنا عدة عساكر يسألون العسكرى الذى أتى معنا "جايين فى إيه دول؟"، وكان يرد عليهم "جايين فى تجسس!" فيركلنا العساكر بأقدامهم، وحدث ذلك عدة مرات.
وقام أحدهم بضرب رأسى فى الأرض، وحاول آخر أخذ دبلة زواجى غصبا من يدى! فصرخت "أنا مصرى .. أنا مصرى"، فجاء ضابط وأمر ألا يمسنا أحد إطلاقا.
مر الوقت حتى رجع الضابط وأخذنا إلى الزنزانة مرة أخرى، وعندما سألت الضابط ماذا سيحدث لنا قال لى "اسكت وما تتكلمش"!!
جلست فى الزنزانة أشعر بالخوف وكأنى مخطوف!! لكن كان داخلى أمل! فككت القيد والعصابة وجعلتهما جاهزين لكى أربط نفسى مرة أخرى، فلم أرد أن أتعرض للضرب والإهانة!
وسط النهار سمعت أقداما قادمة إلينا، فربطت نفسى ووضعت العصابة على عينى، ووجدت أنهم أتوا بأكثر من أربعين شخصا آخرين إلى الزنزانة. وبعد مرور ساعة جاءوا ليطعمونا ونحن معصوبى الأعين. أمسك كل عسكرى برغيف خبز به مربى وأطعم كل شخص لقمة منها! رفضت أن آكل بهذه الطريقة ، فقال أحدهم "هـ تاكل غصب عنك"، ووضع الرغيف فى فمى!!
تمالكت نفسى ولم أبكِ حتى ذهبوا! جلست على الأرض وفككت قيدى، وجلست على الأرض فى زنزانة حجمها 4 متر فى 5 متر بها أكثر من 50 شخصا؛ منهم من اغتصب ومن هرب من سجن النطرون وسجن كبلطجى ...
اليوم الثالث: الأربعاء 2 فبراير2011
استيقظت فى الصباح وأنا أحمد الله على ما يحدث لى؛ تكفير ذنوب! جلست أنتظر لساعات حتى بدأت أسمع سيارات تأتى وحركة فأعصبت عينى مرة أخرى، وربطت القيد على يدى. نزل العساكر وكل منهم يحمل خرطوما أو كرباج، وضربوا جميع المسجونين، لكنهم لم يتعرضوا لى لأن ثمة شخص أبعدنى عن الضرب!
بعدها أخذوا كل الناس الموجودين فى الزنزانة لسيارات، ما عدا أنا والأثيوبى، فسألت أحد العساكر "ليه سبتونا؟" قال لى "احمد ربك. دول رايحين على السجن الحربى".
بعدها جاء عسكرى وأخرجنا حتى ينظف عساكر آخرون الزنزانة! وحكى لى العسكرى أنه تم استدعاؤه قبل زفافه بيومين بسبب الأحداث. وقال لى "ما تزعلش. العساكر مش قصدها بس كله جاله استدعاء وساب بيته بسبب الأحداث". قلت له "ربنا معاكم"، فقال لى "انت شكلك مظلوم وابن ناس. إيه اللى جابك؟" فأخبرته ...
ثم قلت له "نفسى فى سجاير"، ورغم أن ذلك ممنوعا بتاتا، لكنه أعطانى سيجارة!! ثم بعد ذلك نزلنا الزنزانة وأحضر لنا بطاطين وخبزا ومربى ولأول مرة أنام وأنا مرتاح أن هناك أشخاصا طيبين!!
اليوم الرابع: الخميس 3 فبراير2011
أيقظونا فى الصباح ولأول مرة أكون غير معصوب ولا يتعرض لى أحد!! ربطونا وعصبوا أعيننا، وركبنا سيارة أنا والمدرس الأثيوبى، وأخذونا إلى مكان جديد. فكوا القيد عنى وأنا داخل مكتب أحد الأشخاص الذى قال لى "الـiPad ده بتاعك؟"... قلت له " أيوا والموبايل والمال وجواز السفر والرخصة والبطاقة"!!
فأثبتها فى ورقة ووقعت عليها وأعطيتهم العنوان، وقال لى "علشان يرجعوا لك الحاجات دى على العنوان احنا مش بـ ناخد حاجة حد!" ، فسألته"هـ يحصل لنا إيه؟ هـ يسيبونا؟"، فقال "ما تقلقش"!
بعد ذلك دخلت على ضابط وأنا معصوب العين ويدى مربوطة من الخلف كالعادة، وسألنى "كنت جى منين ورايح فين؟"، فأجبته بما حدث، وضعونى بعدها فى زنزانة فردية، متر فى مترين، وأعطونى بطانية ونصف رغيف مربى. فتحت نافذة باب الزنزانة وجلست أتحدث مع شخص فى الزنزانة المقابلة، وكان هذا الشخص يحضر رسالة دكتوراه فى الجامعة البريطانية!
اليوم الخامس: الخميس 4 فبراير2011
أيقظونا العساكر، وبدأوا ينادوا على أسماء من ضمنها اسمى. سألت العسكرى "إيه إفراج؟؟"، فقال لى "طالعين خلاص .. هـ تمشوا"! كنت فى غاية السعادة. وبدأ السجناء الآخرون يعطونا أرقام تليفوناتهم حتى نبلغ أهاليهم.
نزلنا فى الأسفل ونادوا علينا مرة أخرى لاستلام أغراضنا. بصمت فقال لى الضابط "تمام. اذهب مع العسكرى". ذهبت معه وخرجت من باب فإذا بهم يربطونى مرة أخرى من الخلف وعصبوا عينى وحملونى ورموا بى فى شاحنة وكأننى خروف، وأخذوا يرمون شخصا بعد الآخر فوق بعض، وكلنا نتألم. والعساكر أخذوا فى الصراخ بأن نصمت وإلا سنتلقى ضربا شديدا. وبالفعل بدأوا بضرب كل شخص تحرك. وجلسنا بهذا الوضع لمدة لا تقل عن ساعة إلا ربع حتى وصلنا إلى مكان ما علمت فيما بعد أنه السجن الحربى!
قيل لنا أنه لا كرامة لكبير أو صغير فى هذا المكان. نزلنا من السيارة وفكوا قيودنا والعصابة التى على أعيننا وأمرونا أن نضع أيدينا فوق رؤوسنا وأن ننظر فى الأرض، ثم أمرونا أن نخلع ملابسنا كلها ما عدا الملبس الداخلى، ثم ننام على بطوننا! وسألوا إن كان منا أحد مريض، ثم جاء دكتور كشف وأعطى أنسولين للمحتاج، ثم عادوا للصف.
نمنا على بطوننا وأخذ عسكرى يضربنا بكرباج سودانى على ظهورنا واحدا تلو الآخر!
بعد ذلك أمرونا أن نلبس ملابسنا خلال 10 ثوانى. ذهبت إلى ملابسى، فضربنى عسكرى وقال لى "روح إلبس من هناك". قلت له "ده لبسى!"، فقال لى "ده أمر!" وضربنى بالكرباج على جنبى.
ارتديت "بنطلون وتى شيرت" لا أعلم مَـن صاحبهم. بعدها أمرونا أن نمشى فى طابور، وأيدينا فوق رؤوسنا، وكل منا أخذ ضربة بعصا أو خرطوم أو باليد. طبعا أخذت نصيبى من الضرب وزيادة بسبب شعرى الطويل الذى بدا مستفزا لكل العساكر!
المهم هذه كانت حفلة الاستقبال. بعدها وصلنا إلى باب يصل لساحة محاطة بزنازين من كل جانب وعساكر واقفة فى الأعلى برشاشات. أمرونا بأن نخلع ملابسنا مرة أخرى ونضعها أمامنا. ثم بعد ذلك أخذ عسكرى رتبته أعلى من العساكر الآخرين وسأل كل واحد منا "انت منين وجى فى إيه؟"، وقعد يضرب كل واحد ويتسلى عليه. وفى أثناء ذلك تكلم معه أحد على اللاسلكى وقال له "اتوصى بأبو شعر اللى عندك!"، فقال لى "خليك انت للآخر. شكلك انت تسلية النهارده!".
المهم ظل الرجل يتسلى على الناس بالكرباج، ثم جاء لى وقال لى "إيه حكايتك؟"، فأحسست بحركة من خلفى، فنظرت خلفى ففوجئت بخرطوم ينزل على جسمى جعلنى أقع على الأرض من الألم!! قال لى العسكرى "اقف وما تبصش وراك!! أنا هـ قص لك شعرك ده دلوقتى ..."
بعدها جاء رجل أعلى منهم فى الرتبة، وقال لى "انت جى فى إيه بقى؟ ومطول شعرك ليه؟" .. قلت له "حضرتك أنا مصور وكنت فى المظاهرات بـ صور!"
وحكيت له الحكاية، فقال لى "شكلك ابن ناس!" وأمر العساكر ألا يمسونى بسوء.
ارتديت ملابسى، وبعدها بدأ توزيع الناس كل واحد على زنزانة.
ودخلت زنزانة واكتشفت أننى لست وحدى من جاء خطأ، بل هناك دكاترة ومهندسين ورجال شرفاء آخرون!!
سألنى الناس عما يحدث بالتحرير فحكيت لهم عن آخر ما رأيت، فلا أحد يعرف معلومات غير من المساجين الجدد.
لم أنم تلك الليلة، ليس بسبب الألم ولكن بسبب صوت الصراخ الذى كنت أسمعه ممن دخلوا بعدى، وكنت أسأل "ليه بـ يحصل كده؟".
اليوم السادس: الجمعة 5-2-2011
أيقظونا مبكرا وأخرجونا من الزنازنين لصلاة الجمعة، وطبعا هناك من توضأ بالماء وهناك من تيمم، والحمد لله كنت من المحظوظين الذين لحقوا الوضوء بالماء، لأن الأربعة أيام السابقة لم أرى فيهم سوى كوب ماء للشرب فقط.
خطب فينا أحد المساجين، وصلينا، ووزعوا علينا الأكل ثم أدخلونا الزنازين. طبعا الأكل رغيف خبز واحد فى اليوم مع مربى! كان عددنا 40 واحد تقريبا داخل الزنزانة، واستند كل واحد على الحائط ورجله أمامه وهكذا نمنا، وكان هناك 3 أغطية كبيرة لنا جميعا.
اليوم السابع والثامن: من 6 إلى 7 فبراير2011
تم نقلى مع 200 معتقل آخر لمعتقل أكبر، وأعطوا كل منا بطانية. يومها سمعت قصة اعتقال كل منا؛ أحدهم اعتقل وهو يشترى دواء لأمه، وآخر اعتقل وهو عائد من الجامع ... وطبعا هناك من اعتقل وهو يشترى مخدرات! كان هناك الشريف وغير الشريف بالمعتقل، وكانت الأغلبية من الشباب والصغار. كان هناك أيام يصرفون فيها وجبتين وأيام أخرى يصرفون فيها وجبة واحدة.
وقعت اعتداءات من العساكر لبعض المعتقلين بالضرب، وأنا أحد هؤلاء بسبب شعرى الطويل. وفى مرة أصر عسكرى إن يجبرنى على قول أنى مصور "عاهرات"، لكنى صممت على عدم قول ذلك، فضربنى "بالبوكس" على وجهى أكثر من مرة، ولما رفعت صوتى خاف وخرج! وقتها فهمت أن تلك الممارسات تحدث دون علم الضباط!
كان كل يوم يمر أشعر بأن حواسى تسحب منى ... لم أعد أن أستطعم أو أشم أو أرى. كنت خائفا أن تأتى لحظة أنسى فيها كيف أحس.
اليوم التاسع: 8 فبراير2011
قررت الاعتصام والإضراب عن الطعام أنا و50 غيرى.
فجاء لنا مدير السجن وصرف لنا 3 وجبات وسيجارة لكل واحد. وتغيرت المعاملة 180 درجة، وكان العساكر خائفين من أن نتكلم عما يحدث لنا.
اليوم العاشر: 9 نوفمبر2011
رأيت الشمس اليوم، وأحسست بالحرية! تم عرضنا على النيابة، فسألت الضابط "هو ليه بـ يحصل لنا كده؟!" قال لى "ما تزعلش اتاخد العاطل فى الباطل!! بس هـ تخرجوا خلاص. هـ تتعاملوا إنكم حظر تجول". ورجعت المعتقل وأنا كلى أمل، رغم إنى كنت خائفا لأننى لم أكن أعرف ما يحدث بالخارج!
اليوم الحادى عشر: 10 فبراير2011
يوم الخروج!! دخلنا على المحكمة فى مجموعات، وحكم القاضى علينا بالحبس 3 شهور مع وقف التنفيذ، وفى حالة ضبطنا مرة أخرى ينفذ الحكم!
فرحة لا توصف!! وأغرب ما رأيت هو أن الناس كانت تسلم وتحضن العساكر الذين جلدوهم! كان طعم الحرية بالنسبة لهم أهم من الضرب والإهانة!
أخذونا فى مجموعات بدون مال أو أى إثبات شخصية، وأنزلونا عند الكيلو 26 طريق السويس الساعة 10!! ربنا كرمنى ووجدت واحدا منتظرا صديقا له خارجا من المعتقل فكلمت أشرف صديقى من تليفونه ليأتى لأخذى من المعتقل، ثم انهرت فى البكاء!! ذهبت معه للبيت وصورت ظهرى، ثم حلقت ذقنى واستحممت، وأعطانى ملابسا، ومكثت معه هذا اليوم ليرينى كل ما فاتنى على اليوتيوب والإنترنت ...
وفى النهاية أحب أن أقول أننى لا أريد أن أحسب نفسى بطلا .. فالبطل هو من مات واستشهد.
هؤلاء هم الأبطال ... بحبك يا مصر
نشرت هذه المقالة فى عدد مارس الماضى
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)