مجلة إحنا

مجلة إحنا
غلاف عدد نوفمبر

الخميس، 12 يناير 2012

توثيق لعام من انتهاكات العسكر (نوفمبر2011) - شهادة بريهان أبو زيد- أحداث 20 نوفمبر

أنا هـ احكى لكم عن اللى حصل لى يوم ٢٠ نوفمبر.
بس فى الأول عايزة أقول إن شهادتى مش مهمة علشان اللى حصل لى لأن فيه غيرى كتير اتهانوا واتأذوا أكتر منى بكتير، سواء فى نفس اليوم أو بعده، شهادتى مهمة علشان بـ تكمل ملف الجرائم البشعة اللى ارتكبها الجيش ضد الشباب اللى كل ذنبهم إنهم حلموا بمصر أحلى وحلفوا يكملوا المشوار مهما كان صعب لحد الحلم ده ما يبقى حقيقة.

مع بداية الاعتصام كنت أنا وأصدقائى بـ نروح كل يوم الميدان، معظم الوقت كنا بـ نقضيه فى الميدان نفسه بس كنا بـ ندخل شارع محمد محمود على الأقل ٣-٤ مرات فى اليوم، نأخذ الجرعة المتينة من الغاز (اللى كان فعلا مختلف عن غاز يناير فى الريحة والتأثير) ولما نبقى خلاص مش قادرين، نرجع تانى على الميدان علشان ناخد نفسنا. كنت فاكرة إن دخولنا شارع محمد محمود كان مهم لمساندة زملائنا الأبطال اللى كانوا بـ يتصدوا لقوات الأمن المركزى علشان يمنعوهم من التقدم والوصول للميدان وإيذاء المتواجدين فيه. لكن اتضح بعد كده إن دخولنا الشارع كان له أهمية أكبر بكتير ما كنتش واخدة بالى منها، وهى إننا نشوف الحقيقة بنفسنا وننقلها للى ما شافهاش، وبالذات حقيقة يوم ٢٠ نوفمبر.

الحقيقة إنى ما سمعتش ولا مرة حد بـ يقول تعالوا نهجم على وزارة الداخلية، لكن شفت صف عساكر (ودول ما كانوش بـ يتشافوا بالنسبة لى غير الصبح لأنى ما كنتش بـ اقدر أقرب أوى من كتر الدخان) وكانوا لابسين ماسكات وماسكين دروع ولا كأنهم فى حرب، ضرب الغاز ما كانش بـ يقف ٥ دقائق تقريبا، ولما الكرم يطلب معاهم كنا بـ ناخد اللى فيه النصيب من الخراطيش. ناس بـ تقول إن كان فيه ضرب مطاطى بس أنا ما شفتهوش بعينى فما أقدرش أؤكد المعلومة. قصادهم الناحية التانية كان الشباب بـ يردوا الضرب بطوب اللى معظمه كان ما بـ يوصلش من بُعد المسافة عن صفوف العساكر أو ما بـ يأثرش علشان هم بـ يقدروا يحموا نفسهم بالدروع اللى ماسكينها. أيا كان الوضع، الحاجة الوحيدة المؤكدة إن الثوار كانوا فى خطر أكبر بكتير وغير مجهزين بالمرة، لكن ثباتهم كان من شدة إيمانهم بقضيتهم وتمسكهم بحلمهم.

يوم ٢٠ نوفمبر دخلت أنا و٢ من أصدقائى، أحمد أبو حسين وشريف محرز، شارع محمد محمود كالعادة. كانت الساعة حوالى ٤ العصر تقريبا. وطبعا كان دخان الغاز منتشر والضرب مستمر، لما ضرب الغاز اشتد علينا جرينا كام خطوة لحد شارع يوسف الجندى تقريبا وساعتها أنا وأحمد فقدنا شريف. بعدها بحوالى دقيقتين مثلا ضرب الغاز توقف فتقدمنا تانى وفجأة لاقينا صوت زى ما يكون رصاص، أحمد خلانة قدامه وأوطى راسى بحيث إنه يحمينى بجسمه. طلع الضرب ده خرطوش وأحمد نال نصيبه منه بس أنا ما حصليش حاجة. فضلنا نجرى لحد ما وصلنا عند آخر محمد محمود ناحية الميدان ووقفنا هناك علشان نستنى شريف لحد ما ييجى لنا.
على بال ما التليفون جمع وعرفنا نوصل لشريف ونقول له على مكاننا كان فات حوالى ١٠ دقائق، استنيناه هناك قدام هارديز يا دوب دقيقتين وفجـأة لاقينا الناس بـ تجرى من شارع محمد محمود بطريقة هيستيرية، وفجأة لاقيت أحمد بـ يصرخ وبـ يقول لى اجرى، جريت زى المجنونة وانا مش عارفة أنا بـ اجرى من إيه، الناس كانت بـ تدفع بينا جامد والرصيف أصلا ضيق وفيه أشجار وكشك جرائد وكابينة تليفون، مش مساحة واسعة للجرى يعنى. مفيش كام ثانية لما وصلنا لآخر الرصيف ولاقيت قوات عسكرية واقفة فى انتظارنا بعصيان سميكة جدا. ساعتها بس عرفت احنا كنا بـ نجرى من إيه ... قوات الجيش كانت بـ تحاوطنا من ورا وقدام. أنا كنت تقريبا فى الصف الرابع من قدام واللى ورايا كانوا كتير ما أعرفش قد إيه بس حسيت بيهم لما الناس بطأت فى مواجهة العساكر اللى استقبلونا بالضرب ووقعنا كلنا فوق بعض. حسيت بـ تقلهم لما وقعوا كلهم على ضهرى وفى لحظة بقيت مش قادرة آخذ نفسى وحسيت باختناق خلانى أستسلم لفكرة إن ممكن تكون هى دى النهاية واتشاهدت.
بس اللى اكتشفته عن نفسى بعد كده إنى مش جاهزة للموت علشان كده أنا ما أساويش حاجة جنب كل الضحايا اللى راحوا، لأنى تمسكت بالحياة وابتديت أقاوم. جربت أصرخ للعسكرى اللى كان مش بـ يبطل ضرب فينا بعصايته واحنا متكومين فوق بعض على الأرض، وأقول له أنا بنت، بس العسكرى بص لى وكمل ضرب. كنا بالظبط عاملين زى صور جثث العراقيين اللى قتلهم الأمريكان ورموهم فوق بعض.
المصيبة إن العسكرى وهو بـ يضرب كان بـ يقول حاجة فيها الـ "١٨ يوم" بس ما أعرفش الجملة الكاملة كانت إيه. بس واضح إنها بـ تعبر عن غل وكره غير مفهوم بالمرة من عسكرى فى المؤسسة اللى بـ تدعى إنها قامت بحماية الثورة والثوار. واللى مش مفهوم أكتر هو إن عسكرى "مجند" يعنى ما بقالوش غير كام شهر فى العسكرية يكون عنده كل الغضب ده تجاه الثوار. هو مش المفروض المؤسسة العسكرية بـ تزرع عقيدة الجيش فى مجنديها اللى هى حماية الوطن والمواطنين ضد العدو، ولا الآية اتقلبت والعساكر بقوا يتشحنوا نفسيا ضد أبناء وطنهم؟

اللى نجانى يومها إن جه شاب من ورا العسكرى وراح زق له الخوذة اللى على دماغه، فالعسكرى التف وقعد يضرب فى الشاب ده، ساعتها شوية من الناس اللى فوقى يقدروا يجروا بس برضه أنا ما قدرتش أقوم. صرخت لشاب تانى كان واقف بـ يحاول يساعدنا فقعد يشدنى من بين كومة الناس اللى فوقى لحد ما قدر يقومنى. قمت لاقيت طرحتى مشدودة وجزمتى مقلوعة بس ما لحقتش أفكر ولاقيت أحمد بـ يشدنى وبـ يجرى بيا علشان نهرب من العساكر اللى فضلوا يجروا ورانا لحد ميدان طلعت حرب وهناك بس عرفنا نهرب منهم ونستخبى فى شارع لحد ما صديقنا إبراهيم الهضيبى عدى علينا بالعربية وروحنا وده كان حوالى بعدها ساعة ونص على الأقل، قضيناهم أنا وأحمد خايفين يتقبض علينا من الجيش لأن شكلنا كان باين علينا إننا جايين من الميدان من لبسنا المتبهدل وجزمنا احنا الاثنين المفقودة، أو من أهالى المنطقة اللى كانوا بـ يقفلوا فى وشنا أبواب البيوت وبـ يرفضوا يخبونا احنا وغيرنا لما كنا بـ نحاول نهرب من الجيش.

أنا لحد دلوقتى ما أعرفش مين الشاب اللى شدنى من وسط كومة البنى آدمين الواقعين فوق بعض والجيش بـ يضرب من غير رحمة. ونفسى أعرفه علشان أشكره لأنه راجل بمعنى الكلمة. أنا مديونة له بحياتى هو وأحمد أبو حسين اللى حمانى من طلقات الخراطيش. أنا الحمد لله ربنا نجانى، بس غيرى اترمى جنب الزبالة أو فقد عينه، ودول يستحقوا شكر كل مصرى صادق. وبقدر فخرى بأبطال مصر دول حاسة بخجل إنى ما قدمتش أى حاجة تشفى غليل أم فقدت ابنها أو شاب سجن أو أصيب. بس كل اللى أقدر أعمله هو إنى أدعى ربنا إنه يعلى صوت الحق وينصر كل مظلوم وإنى أساعد فى نشر الحقيقة وعلشان كده أنا بـ احكى لكم حكايتى. أقسم بالله العظيم إن شهادتى كلها صحيحة من واقع الأحداث اللى عشتها والله على ما أقول شهيد.

ليست هناك تعليقات:

إحنا