مجلة إحنا

مجلة إحنا
غلاف عدد نوفمبر

الخميس، 12 يناير 2012

توثيق لعام من انتهاكات العسكر (مايو 2011) - شهادة هاني فخري عن مقتل رامي فخري

رامى فخرى ... مش أخويا، مع إنه أخويا فى حاجات كتير وكان يحب دايما ينادينى ويقول لى: "أخويا" ... وانا أضحك وأقول له: "بس يااااد" ... "أيوا يا أخويااا" ...
كان أخويا فى الإيمان بإن ربنا موجود وبيحب الناس الحقيقية اللى مش بـ تمثل لأن محبة ربنا نفسه حقيقية وواضحة ...
كان أخويا فى إن أحسن ما عندك من وقت وإمكانيات هو من حق ربنا فكان بـ يعمل حاجات كتير له:
كان بـ يخدم ربنا مع الأطفال، وفى العشوائيات، وكان شماس ملتزم، وكان عضو أساسى فى أكتر من كورال كنسى.
كان أخويا فى حبه للموسيقى والغنا ... كنا بـ نغنى سوا فى كورال القاهرة الاحتفالى بالأوبرا ولنا نفس اللون الصوتى "تينور".

لم تفارقه الابتسامة ... الروح الخفيفة الطافية فوق مصاعب الزمن ... كان بسيطا، ودودا، مسالما لأقصى حد، لم نسمع صوته مرتفعا أو محتدا، لم أره أبدا يتشاجر أو يخاصم أو يتكلم بعنف مع أحد، بل كسب الحب من الجميع بأقصر الطرق، بأن يظهر محبة خالصة صافية بدون أى انتظارات أو توقعات، بل "محبة من قلب طاهر وبشدة" كما يقول الإنجيل.

هذه الابتسامة لم تكن بسبب رفاهية العيش أو انعدام المشاكل .. رامى واحد مطحون زينا وأكتر مننا كمان.

ظروف عائلية مش سهلة؛ والد متوفى من سنين وهو العائل لوالدته لأنه وحيدها ورفيقها الوحيد فى المنزل بعد وفاة والده وزواج أخته ...

ظروف عمل صعبة؛ مهندس فى بريمة (منصة) بترول فى صحراء محافظة الشرقية، 14 يوما فى البريمة و14 آخرين فى القاهرة ... مشوار البريمة بعيد ومتعب .. اشتكى لى منه واحنا داخلين الفرح يوم الجمعة 13 مايو 2011 وقال لى: "أنا قرفت من المشوار ده، أنا جاى سايق 300 كيلو وهـ ارجعهم تانى بعد الفرح" ...

وانا فكرت وقلت فى بالى: "إيه المحبة دى؟ تستأذن من شغلك ساعات قليلة وتسوق 300 كيلو رايح علشان تحضر فرح صاحبنا وترجعهم تانى بالليل؟!" ...

استمتعنا بفرح صديقنا لأن صاحبنا ده غالى علينا أوى وكنا فرحانين له هو وخطيبته أوى. كان زى يوم عيد ... ورامى كان فرحان ... وغنى لهم والابتسامة العجيبة العريضة مستمرة على وجهه حتى لما مر الوقت وفوجئت بيه بـ يقول لى: "سلام أنا بقى علشان انت عارف مشوارى" ... بصّيت فى الساعة كانت 11 مساء وكان نفسى يستنى بس هو كان عامل حسابه يخلص كل طريق السفر قبل الساعة 2 صباحا ميعاد حظر التجول ... لأنه كان ملتزم مع مديره بكلمة إنه يرجع له فى نفس الليلة ...

سلمت عليه وقلت له: "طمـنا لما توصل"
وقال لى: "حاضر".

خلص الفرح وروحنا بيوتنا
ونمنا
وصحينا السبت صباحا
اليوم غريب ... إحساسه من الصباح غريب ...
كان فيه فرح اتنين تانيين من أصحابنا ...
ما كنتش حاسس إنى عايز أروح ...
"الكنيسة امتى يا جماعة؟"
"الساعة 3 يا هانى"
"طب حد رايح؟"
محدش رد ...
بالعافية أخدت بعضى ورحت
وكانت الكنيسة اللى فيها الفرح فى الزمالك
وانا سايق جت رسالة ... قلت أقراها لما أنزل من العربية
وانا بـ اوصل الزمالك ... جالى تليفون ...
"هانى ... قريت الرسالة؟؟"
"لأ"
(صمت)
"فيه إيه؟؟" (وانا بـ زعق)
"طب لما توصل"
"فيه إيييه؟؟" (وانا بـ زعق أكتر)
"رامى فخرى"
"ماله؟"
(صمت رهيب)
"ماله رامى؟"
"مات"
"إيه ده؟ إيه ده؟ إيه ده؟ إيه اللى حصل؟ حادثة؟" (بصراخ هيستيرى)
"ما نعرفش حاجة"
"يبقى حادثة ... ده كان معايا امبارح وكان شايل هم المشوار ده ... أصله بـ يسافر لشغله ... ياااه؟ رااامى؟ لأ مش مصدق ... إيه ده؟ إيــــــــــه ده؟!"

انتهت المكالمة وانا بـ اركن برا الكنيسة، طب يا ربى هـ ادخل أعيط؟ ولا هـ مثل عليهم؟ طب ولو سألونى على رامى؟
طب أعمل إيه؟
دخلت
ومثلت
وباركت
وبعدت وانهرت
ورجعت تانى
ورسمت ابتسامة غلسة صفرا مش حقيقية
وقلت الخبر لأصحابنا اللى يعرفوا يداروا
وتأكدت إنهم هـ يعرفوا يخبوا على الزوجين الجداد دول ...
ومشيت ...

وبكيت ... بكيت كتير فى العربية ...
رامى؟ رامى يا رب؟ اللى انت خليتنى أتأخر عن فرح امبارح علشان أقابله صدفة وندخل سوا ويحكى لى عن آخر ظروفه؟
رامى؟ ليه ؟ وازاى؟
رن التليفون تانى ...
واحد من الأصحاب قال لى: "هانى ... رامى اتقتل ... الجيش ضربه بالنار ... وما نعرفش ليه وازاى" !!
وساعتها تحولت إلى كتلة صامتة أصابها الذهول

بعدها عرفنا – على حد رواية المستشفى التى سمعتها من أفراد الجيش الذين أحضروا رامى للمستشفى فى حوالى الثالثة صباحا – إن الجيش أطلق النار على رامى قرب كمين على الطريق لأنه حاول يتفادى إطلاق نار بين الجيش وتجار للمخدرات ... ومثل أى شخص منا كان هـ يحاول ألا يقترب من هذا ... حاول رامى أن يتفادى هذا بأن يرجع للخلف، فأطلق الجيش عليه النار، عليه هو مش على العربية، فقتله بدم بارد، رصاصة بالرأس ورصاصة بالرقبة وثالثة بالصدر، فمات فى الحال.

برافو يا جيش مصر العظيم ...
قتلتوا صديقى المسالم؟ أمال لو كان شرانى ولا عدوانى ولا صوته عالى ولا عصبى ولا معاه سلاح كنتوا عملتوا إيه؟
آخر مكالمة لرامى مع والدته كانت بعد الواحدة صباحا بقليل.
هاتفه المحمول تم غلقه حوالى الواحدة والنصف
ماذا فعلتم به؟
وإن كنتم قتلتوه فلماذا استقبلتكم المستشفى حوالى الثالثة صباحا؟
ماذا حدث بين الواحدة والثالثة؟
مَن قتل رامى؟
ولماذا؟
ألم تكن مدافعكم الرشاشة بها طلقات فشنك كما بالتعليمات؟
كيف مات برصاص حى؟
من أطلق النار؟
لماذا يحقق الجيش فى القضية؟ أليس هو القاتل؟
أين النائب العام؟ أليس هذا مدنيا قتله العسكر؟
أين حقوق المدنيين؟
وما الذى يضمن أنه فيه زى رامى كتير قبله وسيأتى بعده أيضا: ناس يقتلهم الجيش دون شاهد أو رقيب أو تحقيق؟
لماذا كانت الجنازة الساعة 8 مساء؟ ليه اندفن صاحبى فى الضلمة؟
لماذا لا يوجد تقرير طب شرعى؟
مَر الآن أكثر من أسبوع ولم نعرف أى إجابة؟
هل الجيش فوق القانون؟
أم لأنه الحاكم يأخذ حصانة اللى ما بـ يغلطش؟
أين ثورتنا؟
أين حق رامى؟
رامى اتقتل ليه؟

(كتبت هذه الشهادة يوم 23 مايو الماضى)

ليست هناك تعليقات:

إحنا