مجلة إحنا

مجلة إحنا
غلاف عدد نوفمبر

الخميس، 12 يناير 2012

كوكب من الندم - مريم عبد الجابر

ترددت كثيرا بين أن أكتب هذا العدد وبين أن أمتنع، فالكلام يعجز عن وصف ما بداخلى والحروف لا تسعفنى، ونادرا ما يحدث ذلك.
منذ الشهر الثالث من السنة وأنا أغضب بشكل تدريجى حتى وصل غضبى إلى ذروته فى الشهر الأخير منها، أقصد منذ فض اعتصام 9 مارس حتى فض اعتصام مجلس الوزراء. ولا أعرف هل هى صدفة أن تكون بداية الانتهاك "فحوصات عذرية" فى مارس ونهايتها سحل امرأة حتى تتعرى ثم القفز على صدرها؟ أم هو أسلوب قمعى تكرر خلال السنة ولم نعرف منه إلا أشهر حادثتين؟
عندما يتحرش بى أحد المكبوتين فى الشارع، أشعر بضيق لا يوصف، أشعر بأنى عارية أمام الكل، أشعر بالغيظ، بالسخط، بالضعف، بالقرف من البلد كلها، وأشعر بالخجل من جسمى وأتمنى أن أخفيه لحظتها، وأشعر بالإحراج لو شهد أو سمع أحد ما تعرضت له. فكيف كان شعور الفتيات وهن يخضعن لفحوصات عذرية فى غرفة شبابيكها مفتوحة، يطل منها عيون وقحة، وأفواه قذرة تتهامس وتضحك، وأيد تحمل كاميرات تصور لحظات سوف ترضى أحاسيسهم السادية فى فترة لاحقة من اليوم؟ كيف هو شعور الفتاة التى تعرت من شدة السحل فأصبحت صورتها وهى نصف عارية على أغلفة الصحف العالمية قبل المحلية، وملأت شبكات التواصل الاجتماعى وتم توزيعها على الناس فى الشارع؟
كيف يشعرن تجاه أجسامهن المتهتكة؟ بالتأكيد ليس شعور بالعار، أنا واثقة أنه ليس شعور بالعار، أنا واثقة أن فتيات تحلين بشجاعة تفوق شجاعة بعض الرجال لا يعرفون الشعور بالعار، ولكنه إحساس بالإحباط والخيانة ...
نعم خانوهن الإعلاميون الذين تصنعوا البكم والصم فيما يخص فحوصات العذرية وتخاذلوا فى تسليط الضوء عليها إلا عندما خرجت تلك الفتاة الصعيدية "سميرة إبراهيم" وحكت القصة بما فيها من وحشية وإهانة وأصبح لديها قضية، وعندما خرجت استفسارات سطحية وغير موضوعية عن ملابس الفتاة وما تحت ملابس الفتاة، فقط لتشكيك المُـشاهد وتوجيهه لفكر خاطئ لا يدين ما حدث من جريمة فى حق الإنسانية وحق نساء مصر.
نعم خانوهن أصحاب الذقون الكبار عندما عرفوا بـ "فحوصات العذرية" الإجبارية على فتاة مسلمة محجبة، ولم يأخذوا موقفا جماعيا يهز العالم كله! خانوهن عندما خرجوا ينفون أن فتاة التحرير منتقبة وكأنها طالما لم تكن منتقبة فليست منهم، ولم يستعينوا بما حفظوه وصموه من ﺁيات وأحاديث فى فكرهم المتخاذل، مما جعلنى أتساءل، لو كان الشيخ الشعراوى بيننا ماذا سيكون رأيه يا شيوخ يا أفاضل؟
نعم خانوهن الكثير من سيدات مصر، فالسيدة الوحيدة التى حضرت فحوصات كشف العذرية، خانتهن عندما أشرفت على تلك الجريمة بدم بارد ولم يهزهها المنظر ولم تحاول أن تحميهن أو تسترهن بل رأت أنهن مجرمات وتستحقن. خانوهن السيدات اللواتى لم يتحركن ليساندن "فتاة التحرير" مبررات لأنفسهن تكاسلهن بأن "هى اللى بهدلت نفسها ولبست خفيف كمان".
أعتذر لفتيات كشف العذرية وعلى رأسهن "سميرة إبراهيم" التى وقفت فى وجه حاكم ظالم ومجتمع مستعد للتنازل عن حقه منعا للفضيح، فأهنئها على شجاعتها، ولقد علمتنى دروسا دون أن تعلم.
أعتذر لفتاة التحرير، وأقول لها أنت فى عيوننا مستورة أكثر من آخرين مفضوحين، أنت فوق رأسنا جميعا، ولكى حق لدينا جميعا.
وأشعر بالأسف لأهالى شهداء العام الماضى، ولتعلموا أن المجد لهم ولن ننساهم.
وأشعر بالأسف لكل مصاب، ولتعلموا أن فى عجزكم قوة لن تعرفوها إلا إذا وقفتم مكانى ونظرتم لأنفسكم، وأن فى إصابتكم حكاية، احكوها دائما حينها سيتضاءل حجم إصابتك وتكبر عزتك فى عيون مَن يسمع.
وأشعر بأن هناك كوكب من الأحزان والهموم تجاه كل ما يحدث مستقر على أكتافى لا يتحرك، وكوكب أثقل من الندم لأنى فى يوم هتفت كالبلهاء "الجيش والشعب إيد واحدة".

ليست هناك تعليقات:

إحنا